من يتعظ!

شمائل النور
مواطن من قلب الجزيرة، دفع بشكوى مختصرة للحكومة الانتقالية في مقطع فيديو مختصر، قد يقول قائل إن هناك من دفع الرجل لبث شكواه بدافع غرض سياسي، لكن ما يهم هو ما قاله الرجل، ولعل أوجع ما قاله “شوفتنا للغاز في حكومة المؤتمر الوطني”.
هذا بالفعل واقع يعيشه كل سكان الولايات التي تعاني تردياً في الخدمات والسلع الرئيسية أضعاف ما تعانيه الخرطوم. المهم في حديث الرجل، وهو مزارع فيما يبدو، أنه وحتى يوم أمس لم تصل الأسمدة.
الولايات عانت وتعاني أوضاعاً أسوأ من الخرطوم، اللافت أنه ومن خلال الاتصالات التي نتلقاها أو من خلال متابعتنا المباشرة لأوضاع الولايات، أن كل سكان ولاية يظنون أن واليهم هو الأسوأ على الإطلاق، وفي اعتقادهم أن تغييره ربما يغيّر الوضع.
الحقيقة أن الأوضاع في الخرطوم أو الولايات على حافة واحدة من السوء، وإن كان ثمة اختلاف فهو اختلاف لا يذكر، لكن ليست هذه القضية، القضية هي السؤال الذي تنزعج الحكومة الانتقالية من طرحه وينزعج مناصروها المتطرفون أكثر منها، وهو سؤال منطقي، إذ كيف كانت تسيّر حكومة البشير الأوضاع؟ بشكل خاص التسيير المتعلق بثوابت الخدمات والسلع؟
وبالنسبة لأي مواطن أو مواطنة، هذا سؤال منطقي، لأن الأسعار تضاعفت مرات ومرات، ورضخت الحكومة لسياسات صندوق النقد الدولي وخرجت الحكومة ورفعت يدها عن كل شيء إلا القليل الذي لا يُذكر، إذن مقابل خروج الحكومة من أي دعم ينبغي أن يكون هناك وفرة في الإنفاق الحكومي، أي ما كانت تدفعه وتسميه دعم السلع الأساسية ينبغي مباشرة أن يذهب لقطاعات أخرى، فكيف وظفت الحكومة هذا الفائض – بعد رفع يدها- وأين يذهب ما كان يُسمى دعماً.
أليس من المفارقات أن تخرج الحكومة من كل شيء وترفع يدها تماماً ولا تحقق أي شيء؟
بجانب انعدام الشفافية في أوجه الصرف وبجانب غياب الرؤية، يتضح بجلاء أن هناك سوء إدارة وأن أولويات الحكومة مختلة تماماً، والدليل أن الخطابات والمستندات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي تعج بفواتير صيانة منازل وحدائق ومولدات كهرباء لأعضاء الحكومة بينما الدواء ينتظر والغاز ينتظر والكهرباء معلوم أمرها.
لا بد أن تدرك الحكومة الانتقالية أن الحكومة السابقة سقطت بذات السياسات الاقتصادية، سقطت حينما انعدمت الرؤية وتفشى الفساد وأصبحت تحت رحمة الهبات والمنح، وتحول نظرها بكلياته للخارج وأغمضت عينيها عن الداخل.
اليوم التالي