الإسلام هوية الأمة وطوق النجاة

فإن “هوية” أي كيان “فردي أو جماعي” هي مجموعة الخصائص والصفات التي يُعرف بها هذا الكيانُ نفسُه، ويعرفه بها غيرُه، وتظلُّ حاضرةً في شعوره، وتمثِّل المرجعية العليا لعقيدته وخلُقه وسلوكه وتعامله، فالهوية-إذًا-بالنسبة لأي كيان هي جوهره الذي يميزه، ومحوره الذي يدور حوله، ومفتاح شخصيته الذي يتم به الدخول إلى كل جوانبه.
والإنسان الذي يحرص على أن يكون لذاته اعتبارٌ وقيمةٌ، ولحياته معنى وغايةٌ لا بدَّ له من هوية يتبنَّاها، ويعتزُّ بها وينتصر لها، ويوالي ويعادي على أساسها، وإلا فهو كيانٌ ضائعٌ، تافِهٌ تابعٌ، فارغُ المضمون، فاقدُ الوجهة.
والمجتمع “ككل” لا بد له من هوية، تكون أولاً بمثابة العقل الجمعي الذي يَعرف به المجتمع انتماءَه الأول، وولاءه الأكبر، ومرجعيته العليا، وتكون ثانيًا المنبع الذي يستقي منه المجتمعُ ملامحَ شخصيته المتميزة المستقلة التي تتأبَّى على الذوبان في غيره، أو حتى الاتباع له في العقيدة أو الفكر أو الثقافة أو النظام، وتكون ثالثًا الحصن الحصين الذي يحتمي فيه أبناء المجتمع، والرباط المتين الذي يضمُّهم، والدافع العظيم لبذل جهودهم واستخراج طاقاتهم وتسخير مواهبهم.
لكل أمة هويتها
لما كانت لهوية المجتمعات والأمم هذه الدرجة من الأهمية فلا عجبَ-إذًا-أن تحرص كلُّ أمة على تأكيد هويَّتها والاعتزاز بها والتصدي بحزمٍ لمحاولات مسخِها أو طمسِها:
– فهذه فرنسا أم التنوير والديمقراطية كما يقولون.. ترفض التوقيع على الجزء الثقافي من (اتفاقية الجات)، حتى تتمكَّنَ من تقييد دخول المواد الثقافية الأمريكية إليها، والتي تَعتبرها فرنسا تهديدًا صارخًا لهويتها القومية.
– وهذه الهند.. يمنع الهندوس فيها بيع الزهور في “يوم الحب”، بل ويحرقون المحلاَّت التي تتجرَّأ على بيعها؛ بزعم أن هذا يتنافَى مع الهندوسية والثقافة الهندية.
– وهذه دولة الكيان الصهيوني تبلغ المدى في التشبُّث بهويَّتها اليهودية، ويتضح ذلك من اسمها وكنيسها وعلَمها وتصرُّفات زعمائها.
الإسلام هو هوية الفرد والامه
فالفرد قد خلقه- الله عز وجل- بقدرته، وشقَّ سمعَه وبصرَه، ومنحَه سائرَ حواسِّه، وأودع فيه هذا العقلَ البديعَ، ومن ثَمَّ فإذا تُرك الإنسانُ لنفسِه دونما مؤثِّراتٍ خارجيةٍ مُفسِدة لنشأ مسلمًا مؤمنًا بربه عز وجل، محبًّا لمعرفته، راغبًا في امتثال أمره، ساعيًا في مرضاته.. إنه رصيدُ الفطرة التي أشار إليها قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30)، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: “كل مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه”.
ربما يعتنق الإنسانُ عقيدةً غير التوحيد، أو يتبنَّى فكرةً غيرالاسلام، متأثرًا بوسائل العرض أو بزخرف القول، فإذا خَلاَ بنفسه وتفكَّر في حاله بهدوء وتعمُّق.. استطاع أن يلتقط هاتفَ الفطرة المنبعث من أعماقه، فيشعر بالصراع في داخله والحرج في صدره، فإذا تعرَّض هذا الإنسان لموقف شدة لا قِبَل له به انكشف الزَّيْفُ الذي طالما غطَّى فطرتَه، وهذا ما أشار إليه ربنا- عز وجل- في مثل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (يونس: 22).
والأمة قد اختار الله عز وجل لها الاسلام منهجًا لصلاحِها وخيرِها، ورضِيَه لها، وجعله عنوانًا عليها، استمعوا إلى قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (78) (الحج)، وهذه الحقيقة الإيمانية قد انبثقت منها حقيقةٌ واقعيةٌ تاريخيةٌ، فما صارت هذه الأمة ذات كيان قائم الأركان متماسك البنيان إلا ب الإسلام، إنها لا تُعرف إلا بوضعِها “أمة الإسلام”، ولا تُذكَر إلا مرتبطةً باسمه، به قامت حضارتُها ونهضتُها، وتحقَّقت عزتُها وكرامتُها، وامتدَّ سلطانُها ونفوذُها.. ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾(الأنبياء: 10).
لقد ظلَّت الأمة المسلمة محتفظةً بهويتها، معتزَّةً بشخصيتها على مدار تاريخها، رغم موجات المدّ والجزر التي تعرَّضت لها، حتى كان التآمر على الخلافة، وهي شعار هويتها ورمز وحدتها، فظهر فيها قادة وزعماء يرفعون فيها أنواع الرايات، وينادونها بمختلف الدعوات.
– فمنهم من كان لبُّ دعوته وكل قضيته الوطن المحلِّي فحسب، لا يعنيه سواه، ولا يعمل لغيره، ومثل هذه الدعوة ستجد نفسها أمام خمسة وخمسين وطنًا إن اتفقت على أمرٍ اختلفت على أمور، وإن توحَّدت على قضية تفرَّقت على قضايا، بل وتنازعت وتصارعت.
– ومنهم من هتف في الأمة بالقومية العربية- فحسب- وحاوَل أن يقودها باسمها، ويدخل عليها من بابها، ومثل هذه الدعوة تثير- بلا شك- سائرَ النعرات القومية “كرديةً، وتركمانيةً، وفارسيةً، وحبشيةً، وبربريةً.. وغيرها”؛ حيث تتباين الوجهات وتتعارض المصالح.
-ومنهم من حاول أن يبثَّ فيها الأفكار المستوردة والدعوات الدخيلة، من شيوعية وليبرالية وعلمانية وغيرها، فازداد أبناؤها تشرذُمًا، وازدادت أحوالها تأزُّمًا، تصدَّع بنيانُها، وذهب ريحُها، وتمكَّن منها أعداؤها.
فإذا قام من ينادى الأمة باسم الله تعالى، ويقودها بكتابه وسنة حبيبه-صلى الله عليه وسلم-وجد التناغم والتجاوب والإقبال والالتفاف والارتفاع فوق مبرِّرات الفرقة والاختلاف. أرأيتم كيف انصهرت القوميات والثقافات في بوتقة الإسلام فارتبط صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي برباط الأخوَّة الإسلامية العظيمة؟! أرأيتم كذلك كيف أفسح الاسلام المجالَ أمام الأعراق والجنسيات المختلفة؛ ليكون فيهم القادة النابغون والأبطال القادرون، أمثال صلاح الدين الأيوبي “الكردي” وسيف الدين قطز “المملوكي- الأجنبي الأصل”؟!
ثمار الهوية الإسلامية
إن الهوية الإسلامية تحقق للأمة كلَّ خير وتدرَأُ عنها كلَّ شرٍّ، فهي بمثابة دائرة واسعة جامعة، تضمُّ داخلها سائرَ الدوائر وتنتقي منها الطيب وتنفي عنها الخبيث، والدُّعاة إلى الهوية الإسلامية هم أوسع الناس أفقًا وأرحبُهم صدرًا؛ لأنهم حين يتحركون في نطاق الدائرة الإسلامية فإنهم بالضرورة يمرُّون بسائر الدوائر، ولا يتحقَّق هذا لمن يقفون عند حدود تلك الدوائر الداخلية الضيقة ولا يتجاوزونها.
“فالوطنية إذا كانت تعني حب الإنسان لوطنه والحنين إليه والسعي لتحقيق حريته وعزَّته، ولالتئام شمل أبنائه ودفْع أسباب الفرقة والشقاق عنهم.. فهي بهذا المعنى من صميمِ السلام، ويحثُّ عليها الاسلام، كيف لا وقد قال- صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا مكة حين أخرجه أهلُها منها: “والله إنكِ لأحبُّ بلاد الله إلى الله وأحبُّ بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”؟! وقال للشاعر “أصيل” وهو يذكر مكة في أبيات له: “يا أصيل. دع القلوب تقر”.
والقومية إذا كانت تعني عمل الفرد لخير قومه وسعادتهم، والاعتزاز بمجد الأسلاف وعظمتهم، والسعي لاستعادة مجدهم وعزتهم. فهذا كله جميلٌ لا يأباه الاسلام بل يجعله من واجبات أتباعه.
والعروبة لها في الاسلام مكانٌ بارزٌ وحظٌّ وافرٌ، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، بدعوتهم عمَّ الإسلام وانتشر، وبجهادهم عزَّ وانتصر، وقد ارتبط حالُ الإسلام بحالهم، ومصيرُه بمصيرهم، واقرأوا في هذا قوله- صلى الله عليه وسلم-: “إذا ذلَّت العرب ذلَّ الاسلام”.
والرابطة الإنسانية لم تجد من ينادي بها ويرسى دعائمها مثل الإسلام كيف لا وقد أكد الاسلام نشأة الناس من أصل واحد؟! فهم يرتبطون بنسب الأخوَّة الإنسانية العامة. تدبَّروا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)، ثم جعل الإسلام أساس التفاضل بين الناس التقوى والعمل الصالح وليس العِرق والجنس واللون واللسان، وهذا ما تدل عليه بقية الآية الكريمة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: من الآية 13).
وهي خير ضمان لحقوق المواطنة، فحين يتعامل الحاكم مع الرعية من منطلق الإسلام يؤدي حقوقها ويقيم العدل فيها، ويحفظ كرامتها، ولِمَ لا وهو يقرأ مثل قوله تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾(النساء: من الآية 58)؟! ويقرأ مثل قوله-صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته.”؟! ويقرأ سيرة القدوات من سلفنا الصالح، من مثل قول الفاروق عمر رضي الله عنه: “لو عثُرت بغلة بشطِّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله بها عمر لِمَ لم تمهد لها الطريق؟!”.
وحين يتعامل المسلمون بمنهج الاسلام مع أهل الديانات الأخرى فإنهم يلتزمون معهم بالعدل والإنصاف والبر والإحسان؛ لأنهم يقرأون في كتاب الله تعالى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8)، ويقرأون فيه أيضًا إحدى عشرة آية نزلت في تبرئة ساحة زيد بن السمين اليهودي من تهمة سرقة درع ألصقَها به طعيمه بن أبيرق المسلم، وذلك بدءًا من قوله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ (النساء: 105).
ويقرأون قوله- صلى الله عليه وسلم-: “من آذى ذمِّيًّا فقد آذاني” ويعرفون مواقف الأسلاف المبهِرة في التعامل مع أهل الكتاب، ومن ذلك موقف عمر- رضي الله عنه- من ابن عمرو بن العاص الذي تجرَّأ وضرب قبطيًّا لمكانة أبيه الوالي، قائلاً له: “خذها وأنا ابن الأكرمين” فإذا بعمر يعطي الدرَّة للقبطي ليقتصَّ من ابن عمرو ويقول له “اضرب ابن الأكرمين”، ولا يكتفي بهذا بل يقول: “اجعلها على صلعة أبيه، فوالله ما ضربَك إلا بعزِّه”.. الله أكبر ما هذا أيها الناس؟! أروني بالله عليكم عدلاً كهذا أو قريبًا منه في طول الدنيا وعرضها الآن!!
وهي خير دافع لإطلاق الطاقات، وتسخير الملكات، وتقويم التضحيات؛ ليصبَّ ذلك كله في تقدم الأمة ونهضتها ورفع شأنها ومكانتها؛ لأن أبناء الأمة إنما يفعلون هذا لوجه الله تعالى وطلبًا لمرضاته وإعلاءً لكلمته؛ وذلك لأنهم يقرأون قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105) وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ويسمعون عن حرص أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها- على تعطير الدرهم قبل أن تضعه في يد المسكين، معلِّلةً ذلك بقولها: “إنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد المسكين”.
وهي من أهم أسباب تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات المسلمة وتعميق الانتماء والولاء، وذلك حين تتبنَّى الأنظمة الإسلام منهجًا للحياة ودستورًا للتشريع، فيحدث التوافق والانسجام بين الأنظمة والشعوب، وإلا لسادَ التوتر والاضطراب والتناقض والاغتراب.
محاولات طمس الهوية
لما كان لتأكيد الهوية الإسلامية كلُّ هذه الآثار والثِّمار فإن أعداء الأمة يحرصون بكل سبيل مستطاع على طمسِها وتغييبِها.. اسمعوا إلى ما قاله أبو إيبان في آخر سنة 1976م في جامعة برنستون الأمريكية: “يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبِه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل؛ ولذا كان من أول واجباتنا أن نُبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي”.
واقرأوا ما كتبته صحيفة يديعوت أحرونوت) بتاريخ 18/3/1978م ويجب أن يبقى الاسلام بعيدًا عن المعركة إلى الأبد؛ ولهذا يجب ألا نغفل لحظةً واحدةً عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا”.
واسمعوا إلى كلام نيكسون في كتابه (انتهِز الفرصة): “إننا لا نخشى الضربة النووية ولكن نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية للغرب”.
فهلاَّ فطنت الأمة- حكامًا ومحكومين- لهذا الكيد الخطير وهذا الشرّ المستطير، فازدادت تشبثًا بهويتها، وإصرارًا عليها، واعتزازًا بها، وترجمت ذلك في دساتيرها وتشريعاتها، وتعليمها وإعلامها، وآدابها وفنونها

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا للسطحية وترديد كليشيهات ضحلة مثل أن الإنسان إذا تُرك لسجيته دون تأثير خارجي فسوف يختار الإسلام. هلا قدّم لنا الكاتب مثالاً واحداً على قوله هذا؟ لماذا لم يختر عرب الصحراء قبل ظهور محمد الإسلام وهم كانوا على سجيتهم في الصحراء؟ كنت اتوقع من شخص يضع حرف الدال قبل اسمه أن يحترم عقول القراء ولا يردد الكلام كما تردد الببغاء

  2. بعد كل هذه السفسطة الفارغة عايزين رأيك في دولة الإنقاذ الاسلاموية، و في اسلام القاعدة و بوكو حرام و داعش و طالبان و ايران و غيرها و غيرها، اما حديثك عن الوطن فان النظام العالمي القائم و الذي ارتضته الدول ودخلت في عضويته فهو نظام الامم المتحدة، يعني السودان هو السودان و الأرجنتين هي الأرجنتين و نيوزيلندا هي نيوزيلندا، اما اذا عايز تدخل لينا مسلمي الدول الاخرى في وطننا بمثل هذه السفسطة فهذا امر مرفوض، فهوية السوداني يكتسبها من وطنه السودان أيا كانت توجهاته السياسية او الدينية او الاجتماعية، و هوية الباكستاني مثلا هو انتماؤه لوطنه باكستان بصرف النظر عن توجهاته الاخرى. اما نوع التورية التي يحملها مقالك باننا، مع آخرين، أخوة في الله فيفتح الله. و يجب ان تعلم ان “الوطن” مصدر وحدة بين ابناء الوطن و لا يستطيع اي واحد المزايدة على الاخرين الذين يشاركونه هذا الوطن، و الدين، اذا خرج من الالتزام الشخصي به يصبح مصدر فرقة بين الناس الذين يتشاركون وطنا ما. و هذا لا يحتاج لبرهان فالدليل أمامك عن واقع المسلمين في سوريا والعراق و السعودية و البحرين و باكستان. و نحن ماشين بعيد ليه اهو عندك السودان الذي اصبح فيه المسلم رسميا هو عضو الإنقاذ الوثني و ربائبهم من أنصار السنة وبقي التكفيريين، اما اهل دارفور، مثلا ،فلهم الله إذ ان إسلامهم ما يمشي في سوق الدين. كرهتونا.، و تاني المزايدة علينا بالدين دي ما حتمشي لو طرتوا السماء السابع.

  3. غايتو لف و دوران مش دي الهويه اللفيها الجزيه و هم صاغرون وكمان ملكات اليمين يا خي دي ايات صريحه لكن كلكم متهربين وكل واحد بيفسر بالطريقه الممكن يتخارج بيها هسع با دكتور عمر لو قامت الدوله الاسلاميه في السودان حندقع تابيتا بطرس جزيه اتحداك لو جاوبت من الايات القرانيه عشان كده ناس نيكسون خايفين تشيلو بناتهم ملكات يمين و اقول ليك ناس داعش و بوكو حرام بيطبقو حرفيا في الاسلام الصحيح و بنصوص واضحه

  4. ‘إذا ذلَّت العرب ذلَّ الاسلام’ يا ناس انت بتالفوا احاديث على كيفكم ولا شنو؟ دي حديث موسى هلال و حميدتي ولا شنو؟ هذا الحديث يتناقض مع مبادي واهداف الدين الاسلامي و الذي لم يسمى بالدين العربي.

  5. الكاتب كانه يكتب من كوكب زحل لا من هذا الكوكب والله اذا قام بعكس افكار هذا المقال لوجدت الحقيقه كامله غير منقوصه..الاسلام يجمعنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟متى جمعنا الاسلام ومتى توقفت دماء المسلمين من الانهمار باسم الدين وعن اى اسلام تتحدث وهل الدائره التى تتحدث عنها تسع الشيعه والسنه والصوفيه اوالسلفيه الجهاديه وووووووووووان الاسلام تفرق بين ايدى المسلمين الى غير وحده ..والكراهيه والعداوه بسبب الدين بلغت مبلغا ليس بعده شى ..واوربا التى تتحدث عنها هى الان فى طريقها لتصبح دوله واحده والخمسين دوله الاسلاميه التى تحدثت عنها فى طريقها لتصبح خمسمائه…اصحى ايها المسطول اصحى ايها الاعمى المخدر انت تنتمى الى امه فى طريقها الى الزوال من قائمه الامم ..والقتل فيها على اساس الطائفه والمذهب اى الهويه التى تتحدث عنها وانت اجهل الجاهلين بها..هكذا انتم دائما ايها المشائخ عاطلين عن جميع المواهب وينقصكم الفهم كبقية خلق الله ودائما افكاركم تنتج عكس اهدافكم..ابعدوا الدين عن السياسه حتى لا تفسدوا كلاهما..مشايخك كلهم ارسلوا ابنائهم وهربوا ورائهم للعيش تحت ظل العلمانيه فى اوربا وامريكا

  6. * لا أدري لم لم يوثق الدكتور سعد مصدر مادة هذا المقال المنقول عن رسالة الأستاذ محمد مهدي عاكف المعنونة: (الإسلام هوية الأمة)، علي موقع (وكيبيديا الأخوان المسلمون)، الذي اجتزيء منه المقال مع تصرف في العناوين الجانبية، و إسقاط العبارة الخاتمة: (ومبادئها وقيمها، وأعرافها وتقاليدها، وسائر شئون حياتها.)، و الخاتمة و التاريخ. و قد جاءت ذات ا لرسالة بعنوان (الهوية الإسلامية) علي موقع (منارات) بزيادة في النص عن وثيقة وكيبيديا الاخوان. و ننوه علي الدكتور سعد موالاة نقل التتمة لفائدة المتلقي من (منارات) التي جاءت تحت عنوان فرعي (أسباب طمس الهوية الإسلامية) يعرضها في ثماني عشرة فقرة.

  7. أبدا بنفسك يا شيخ العارفين اللقب العلمي دكتور الذي صار مبتذلا في السودان هو أختراع غربي!!! لماذا لا تدعو نفسك بالشيخ يدلا عنه
    نحن في العالم المتخلف لن ينجينا و يرفع شأننا غير العلم التطبيقي وسيادة القانون على الجميع أما الدين فهو أمر خاص تاحذ منه ما تشاء

  8. الاسلام هو طوق النجاة ولكن بأى فهم ؟ هل بفهم السنة ام بفهم الشيعة ام بفهم داعش ام بفهم جبهة النصرة ام بفهم طالبان ام بفهم القاعدة ام بفهم الختمية ام بفهم الانصار ام بفهم بوكو حرام ام يفهم الاخوان المسلمين ؟ النبى الكريم حزر من انقسام الامة الى ثلاثة وسبعون فرقة كلها فى النار الا واحدة وكل من هذه الفرق تدعى بأنها هى الفرقة الناجية وهى التى على الكتاب والسنة وبغير الاجابة على سؤال ما هى الفرقة الناجية التى على الفهم الصحيح للاسلام تكون عبارة ان الاسلام هو طوق النجاة لا معنى لها والمسلمون اليوم يقتلون بعضهم البعض ويستبيحون دماء بعضهم واعراض بعضهم واموال بعضهم وفى نهار رمضان وفى كل الدول التى بها ( مسلمين) وهل لدينا وش لنقول للعالم الاسلام هو طوق النجاة ؟؟

  9. هذا منقول نصاً من بيكيديا الإخوان المسلمين وأظن الدكتوراة بتاعتك برضو مزورة في هذا الزمن المزور وقد جاء النص في البيكيديا كالتالي : الإسلام هوية الأمة

    الأستاذ محمد مهدي عاكف – المرشد السابع للإخوان المسلمين
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد!!
    فإن “هوية” أي كيان “فردي أو جماعي” هي مجموعة الخصائص والصفات التي يُعرف بها هذا الكيانُ نفسُه، ويعرفه بها غيرُه، وتظلُّ حاضرةً في شعوره، وتمثِّل المرجعية العليا لعقيدته وخلُقه وسلوكه وتعامله، فالهوية- إذًا- بالنسبة لأي كيان هي جوهره الذي يميزه، ومحوره الذي يدور حوله، ومفتاح شخصيته الذي يتم به الدخول إلى كل جوانبه.
    والإنسان الذي يحرص على أن يكون لذاته اعتبارٌ وقيمةٌ، ولحياته معنى وغايةٌ لا بدَّ له من هوية يتبنَّاها، ويعتزُّ بها وينتصر لها، ويوالي ويعادي على أساسها، وإلا فهو كيانٌ ضائعٌ، تافِهٌ تابعٌ، فارغُ المضمون، فاقدُ الوجهة.
    والمجتمع “ككل” لا بد له من هوية، تكون أولاً بمثابة العقل الجمعي الذي يَعرف به المجتمع انتماءَه الأول، وولاءه الأكبر، ومرجعيته العليا، وتكون ثانيًا المنبع الذي يستقي منه المجتمعُ ملامحَ شخصيته المتميزة المستقلة التي تتأبَّى على الذوبان في غيره، أو حتى الاتباع له في العقيدة أو الفكر أو الثقافة أو النظام، وتكون ثالثًا الحصن الحصين الذي يحتمي فيه أبناء المجتمع، والرباط المتين الذي يضمُّهم، والدافع العظيم لبذل جهودهم واستخراج طاقاتهم وتسخير مواهبهم.
    لكل أمة هويتها

    لما كانت لهوية المجتمعات والأمم هذه الدرجة من الأهمية فلا عجبَ- إذًا- أن تحرص كلُّ أمة على تأكيد هويَّتها والاعتزاز بها والتصدي بحزمٍ لمحاولات مسخِها أو طمسِها:
    – فهذه فرنسا أم التنوير والديمقراطية كما يقولون.. ترفض التوقيع على الجزء الثقافي من (اتفاقية الجات)، حتى تتمكَّنَ من تقييد دخول المواد الثقافية الأمريكية إليها، والتي تَعتبرها فرنسا تهديدًا صارخًا لهويتها القومية.
    – وهذه الهند.. يمنع الهندوس فيها بيع الزهور في “يوم الحب”، بل ويحرقون المحلاَّت التي تتجرَّأ على بيعها؛ بزعم أن هذا يتنافَى مع الهندوسية والثقافة الهندية.
    – وهذه دولة الكيان الصهيوني.. تبلغ المدى في التشبُّث بهويَّتها اليهودية، ويتضح ذلك من اسمها وكنيسها وعلَمها وتصرُّفات زعمائها.
    الإسلام هويتنا “أفرادًا وأمةً”

    فالفرد قد خلقه- الله عز وجل- بقدرته، وشقَّ سمعَه وبصرَه، ومنحَه سائرَ حواسِّه، وأودع فيه هذا العقلَ البديعَ، ومن ثَمَّ فإذا تُرك الإنسانُ لنفسِه دونما مؤثِّراتٍ خارجيةٍ مُفسِدة لنشأ مسلمًا مؤمنًا بربه عز وجل، محبًّا لمعرفته، راغبًا في امتثال أمره، ساعيًا في مرضاته.. إنه رصيدُ الفطرة التي أشار إليها قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30)، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: “كل مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه”.
    ربما يعتنق الإنسانُ عقيدةً غير التوحيد، أو يتبنَّى فكرةً غير الإسلام، متأثرًا بوسائل العرض أو بزخرف القول، فإذا خَلاَ بنفسه وتفكَّر في حاله بهدوء وتعمُّق.. استطاع أن يلتقط هاتفَ الفطرة المنبعث من أعماقه، فيشعر بالصراع في داخله والحرج في صدره، فإذا تعرَّض هذا الإنسان لموقف شدة لا قِبَل له به انكشف الزَّيْفُ الذي طالما غطَّى فطرتَه، وهذا ما أشار إليه ربنا- عز وجل- في مثل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (يونس: 22).
    والأمة قد اختار الله عز وجل لها الإسلام منهجًا لصلاحِها وخيرِها، ورضِيَه لها، وجعله عنوانًا عليها، استمعوا إلى قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (78) (الحج)، وهذه الحقيقة الإيمانية قد انبثقت منها حقيقةٌ واقعيةٌ تاريخيةٌ، فما صارت هذه الأمة ذات كيان قائم الأركان متماسك البنيان إلا ب الإسلام، إنها لا تُعرف إلا بوضعِها “أمة الإسلام”، ولا تُذكَر إلا مرتبطةً باسمه، به قامت حضارتُها ونهضتُها، وتحقَّقت عزتُها وكرامتُها، وامتدَّ سلطانُها ونفوذُها.. ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء: 10).
    لقد ظلَّت الأمة المسلمة محتفظةً بهويتها، معتزَّةً بشخصيتها على مدار تاريخها، رغم موجات المدّ والجزر التي تعرَّضت لها، حتى كان التآمر على الخلافة، وهي شعار هويتها ورمز وحدتها، فظهر فيها قادة وزعماء يرفعون فيها أنواع الرايات، وينادونها بمختلف الدعوات..
    – فمنهم من كان لبُّ دعوته وكل قضيته الوطن المحلِّي فحسب، لا يعنيه سواه، ولا يعمل لغيره، ومثل هذه الدعوة ستجد نفسها أمام خمسة وخمسين وطنًا إن اتفقت على أمرٍ اختلفت على أمور، وإن توحَّدت على قضية تفرَّقت على قضايا، بل وتنازعت وتصارعت.
    – ومنهم من هتف في الأمة بالقومية العربية- فحسب- وحاوَل أن يقودها باسمها، ويدخل عليها من بابها، ومثل هذه الدعوة تثير- بلا شك- سائرَ النعرات القومية “كرديةً، وتركمانيةً، وفارسيةً، وحبشيةً، وبربريةً.. وغيرها”؛ حيث تتباين الوجهات وتتعارض المصالح.
    -ومنهم من حاول أن يبثَّ فيها الأفكار المستوردة والدعوات الدخيلة، من شيوعية وليبرالية وعلمانية وغيرها، فازداد أبناؤها تشرذُمًا، وازدادت أحوالها تأزُّمًا، تصدَّع بنيانُها، وذهب ريحُها، وتمكَّن منها أعداؤها.
    فإذا قام من ينادى الأمة باسم الله تعالى، ويقودها بكتابه وسنة حبيبه- صلى الله عليه وسلم- وجد التناغم والتجاوب والإقبال والالتفاف والارتفاع فوق مبرِّرات الفرقة والاختلاف.. أرأيتم كيف انصهرت القوميات والثقافات في بوتقة الإسلام فارتبط صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي برباط الأخوَّة الإسلامية العظيمة؟! أرأيتم كذلك كيف أفسح الإسلام المجالَ أمام الأعراق والجنسيات المختلفة؛ ليكون فيهم القادة النابغون والأبطال القادرون، أمثال صلاح الدين الأيوبي “الكردى” وسيف الدين قطز “المملوكي- الأجنبي الأصل”؟!
    ثمار الهوية الإسلامية

    Normal Islam 54.gif
    إن الهوية الإسلامية تحقق للأمة كلَّ خير وتدرَأُ عنها كلَّ شرٍّ، فهي بمثابة دائرة واسعة جامعة، تضمُّ داخلها سائرَ الدوائر وتنتقي منها الطيب وتنفي عنها الخبيث، والدُّعاة إلى الهوية الإسلامية هم أوسع الناس أفقًا وأرحبُهم صدرًا؛ لأنهم حين يتحركون في نطاق الدائرة الإسلامية فإنهم بالضرورة يمرُّون بسائر الدوائر، ولا يتحقَّق هذا لمن يقفون عند حدود تلك الدوائر الداخلية الضيقة ولا يتجاوزونها.
    ارجِعوا إلى كلام الأستاذ البنا- رحمه الله- وهو يوضِّح موقف الإسلام من فكرة الوطنية والقومية والعروبة والإنسانية في رسالة (دعوتنا) وفي رسالة (دعوتنا في طور جديد).. “فالوطنية إذا كانت تعني حب الإنسان لوطنه والحنين إليه والسعي لتحقيق حريته وعزَّته، ولالتئام شمل أبنائه ودفْع أسباب الفرقة والشقاق عنهم.. فهي بهذا المعنى من صميمِ الإسلام، ويحثُّ عليها الإسلام، كيف لا وقد قال- صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا مكة حين أخرجه أهلُها منها: “والله إنكِ لأحبُّ بلاد الله إلى الله وأحبُّ بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”؟! وقال للشاعر “أصيل” وهو يذكر مكة في أبيات له: “يا أصيل.. دع القلوب تقر”.
    والقومية إذا كانت تعني عمل الفرد لخير قومه وسعادتهم، والاعتزاز بمجد الأسلاف وعظمتهم، والسعي لاستعادة مجدهم وعزتهم.. فهذا كله جميلٌ لا يأباه الإسلام بل يجعله من واجبات أتباعه.
    والعروبة لها في الإسلام مكانٌ بارزٌ وحظٌّ وافرٌ، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، بدعوتهم عمَّ الإسلام وانتشر، وبجهادهم عزَّ وانتصر، وقد ارتبط حالُ الإسلام بحالهم، ومصيرُه بمصيرهم، واقرأوا في هذا قوله- صلى الله عليه وسلم-: “إذا ذلَّت العرب ذلَّ الإسلام”.
    والرابطة الإنسانية لم تجد من ينادي بها ويُرسي دعائمها مثل الإسلام، كيف لا وقد أكد الإسلام نشأة الناس من أصل واحد؟! فهم يرتبطون بنسب الأخوَّة الإنسانية العامة.. تدبَّروا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)، ثم جعل الإسلام أساس التفاضل بين الناس التقوى والعمل الصالح وليس العِرق والجنس واللون واللسان، وهذا ما تدل عليه بقية الآية الكريمة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: من الآية 13).
    وهي خير ضمان لحقوق المواطنة، فحين يتعامل الحاكم مع الرعية من منطلق الإسلام يؤدي حقوقها ويقيم العدل فيها، ويحفظ كرامتها، ولِمَ لا وهو يقرأ مثل قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: من الآية 58)؟! ويقرأ مثل قوله- صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته..”؟! ويقرأ سيرة القدوات من سلفنا الصالح، من مثل قول الفاروق عمر رضي الله عنه: “لو عثُرت بغلة بشطِّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله بها عمر لِمَ لم تمهد لها الطريق؟!”.
    وحين يتعامل المسلمون بمنهج الإسلام مع أهل الديانات الأخرى فإنهم يلتزمون معهم بالعدل والإنصاف والبر والإحسان؛ لأنهم يقرأون في كتاب الله تعالى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8)، ويقرأون فيه أيضًا إحدى عشرة آية نزلت في تبرئة ساحة زيد بن السمين اليهودي من تهمة سرقة درع ألصقَها به طعيمة بن أبيرق المسلم، وذلك بدءًا من قوله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ (النساء: 105).
    ويقرأون قوله- صلى الله عليه وسلم-: “من آذى ذمِّيًّا فقد آذاني” ويعرفون مواقف الأسلاف المبهِرة في التعامل مع أهل الكتاب، ومن ذلك موقف عمر- رضي الله عنه- من ابن عمرو بن العاص الذي تجرَّأ وضرب قبطيًّا لمكانة أبيه الوالي، قائلاً له: “خذها وأنا ابن الأكرمين” فإذا بعمر يعطي الدرَّة للقبطي ليقتصَّ من ابن عمرو ويقول له “اضرب ابن الأكرمين”، ولا يكتفي بهذا بل يقول: “اجعلها على صلعة أبيه، فوالله ما ضربَك إلا بعزِّه”.. الله أكبر ما هذا أيها الناس؟! أروني بالله عليكم عدلاً كهذا أو قريبًا منه في طول الدنيا وعرضها الآن!!
    وهي خير دافع لإطلاق الطاقات، وتسخير الملكات، وتقويم التضحيات؛ ليصبَّ ذلك كله في تقدم الأمة ونهضتها ورفع شأنها ومكانتها؛ لأن أبناء الأمة إنما يفعلون هذا لوجه الله تعالى وطلبًا لمرضاته وإعلاءً لكلمته؛ وذلك لأنهم يقرأون قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105) وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ويسمعون عن حرص أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها- على تعطير الدرهم قبل أن تضعه في يد المسكين، معلِّلةً ذلك بقولها: “إنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد المسكين”.
    وهي من أهم أسباب تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات المسلمة وتعميق الانتماء والولاء، وذلك حين تتبنَّى الأنظمة الإسلام منهجًا للحياة ودستورًا للتشريع، فيحدث التوافق والانسجام بين الأنظمة والشعوب، وإلا لسادَ التوتر والاضطراب والتناقض والاغتراب.
    محاولات طمس الهوية

    لما كان لتأكيد الهوية الإسلامية كلُّ هذه الآثار والثِّمار فإن أعداء الأمة يحرصون بكل سبيل مستطاع على طمسِها وتغييبِها.. اسمعوا إلى ما قاله أبو إيبان في آخر سنة 1967م في جامعة برنستون الأمريكية: “يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبِه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل؛ ولذا كان من أول واجباتنا أن نُبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي”.
    واقرأوا ما كتبته صحيفة يديعوت أحرونوت) بتاريخ 18/3/1978م: “… ويجب أن يبقى الإسلام بعيدًا عن المعركة إلى الأبد؛ ولهذا يجب ألا نغفل لحظةً واحدةً عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا”.
    واسمعوا إلى كلام نيكسون في كتابه (انتهِز الفرصة): “إننا لا نخشى الضربة النووية ولكن نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية للغرب”.
    فهلاَّ فطنت الأمة- حكامًا ومحكومين- لهذا الكيد الخطير وهذا الشرّ المستطير، فازدادت تشبثًا بهويتها، وإصرارًا عليها، واعتزازًا بها، وترجمت ذلك في دساتيرها وتشريعاتها، وتعليمها وإعلامها، وآدابها وفنونها، ومبادئها وقيمها، وأعرافها وتقاليدها، وسائر شئون حياتها.
    ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد..
    ولكم المقارنة بين النصين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..