سياسة الاصلاح الزراعي 1970م

مدخل
بعد خضوع البلاد للاحتلال الانجليزي في نهاية القرن التاسع عشر تم وضع الخطط للاستفادة من موارد البلاد علي اساس (استعماري رأسمالي) وانشاء مشروع الجزيرة وخزان سنار وخزان جبل اولياء وبدء عملية زراعة القطن في السودان وأدي نجاح مشروع الجزيرة في انتاج القطن وازدياد حوجه مصانع الغزل والنسيج في بريطانيا لمزيد من الانتاج .شرع الانجليز في التوسع الانتاجي و اجريت دراسات لادخال اراضي النيل الابيض وسنار والرهد ودلتا طوكر لتوسيع الانتاج من القطن والمحاصيل الاخري.
في اواخر العشرينيات من القرن المنصرم تم التصديق لبعض المواطنيين لانشاء المشاريع الزراعية الصغيرة التي تروي بالطلمبات و منحت للاعيان والتجار علي ضفاف الانهار فظهرت المشروعات الخاصة الكبيره وزادت من حركة الانتاج علي أسس رأسمالية وتم سن القوانيين التي تنظم سحب مياه النيل وخلق شراكات أسهمت في دفع حركة الانتاج المحلي ووظفت العديد من الايدي العامله في السودان. وظهرت مشروعات خاصة كبري مثل دائرة المهدي ومشاريع رجال الأعمال وصغار المنتجين وزاد المنتج من الذرة في المشروعات الألية في القضارف وجنوب النيل الابيض ودلتا طوكر وعلي نهر القاش.
بعد نشوب الحرب العالمية الثانية ومع توقف دول كثيرة بسبب الحرب عن الانتاج زاد الطلب العالمي من القطن والذرة كاعلاف ارتفعت أعداد (الفدانات) المزروعة الي عشرة اضعاف ما كانت عليه واصبحت عمليات الانتاج تحت رقابه السلطات الاستعمارية التي اهتمت بزيادة المنتج من الزراعة بغرض دعم المجهود الحربي ونتج عن عائدات هذه الزراعة ظهور الرأسمالية الوطنية واستمرت في الانتاج لان اثار الحرب الفعلية لم تؤثر علي الحياة الاقتصادية في السودان.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية واستقرار الزراعة في السودان وبروز حروب جديده في بعض الدول المنتجة مثل الهند وباكستان والحرب في كوريا والتنافس بين القطبين الاشتراكي والراسمالي ، وجدت الحاصلات السودانية اسواق دولية انعشتها حركه النقل البحري المنتظم وقلة تكاليف الانتاج وخلق شراكات مع الاجانب من الاغاريق واليهود والارمن والانجليز والشوام فازدهرت الزراعة وصاحبتها موجه تصنيع محلي ومع توفر العماله والمناخ المناسب ، مما جعل السلع السودانية من القطن والصمغ العربي والجلود والكركدي والفول السوداني والسنمكة وغيرها من الصادرات تغذي خزينة الدولة وتعود عليها بعملات صعبه جعلت من الجنيه السوداني عملة قوية لا تنافسها العملات المتعمدة دوليا.
أستمر هذا الوضع الي ما بعد استقلال الدولة السودانية والي نشوب الحرب العربية مع إسرائيل ودخول السودان في صف الدول التي تكافح ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين وبعد النكسة غادر اليهود السودان وكانوا يملكوا كبريات الشركات وبعدها موجه مغادرة الاغاريق الي وصول ثورة مايو 1969م الي سدة الحكم بقيادة العقيد جعفر محمد نميري.
ثورة شيوعية المعالم والروح.
بعد وصول النميري للحكم وبدات معالم الثورة تتضح بانها (شيوعية الهوي) وبدأت في تأميم الصناعات والمشاريع الاقتصادية وكنس الرأسمالية الوطنية التي ازدهرت اعمالها ، فقامت بحملة مصادرات واسعة النطاق أثرت علي الانتاج الزراعي والصناعي وتوكيلات الاجانب التي كانت تساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية الوطنية . في وقت كان النظام الدولي يشهد التنافس والاحتواء كاستراتيجية صراعية بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السيوفياتي . مما فاقم النزاعات الداخلية وادي الي دخول السودان في موجة الانقلابات العسكرية ، وتفاقم التمرد في جنوب السودان الي تم توقيع اتفاقية أديس أبابا في العام 1973م . فحدث نوعا من الانكماش الاقتصادي وتراجع اداء المشروعات نتيجه لسياسات مايوالشيوعية في بداية تسلمها السلطة في السودان.
في العام 1967م قبل ثورة مايو ونتيجه لخروج الاجانب قل المنتج الزراعي لقلة التمويل وارتفاع مداخيل الانتاج واصبحت العلاقه بين ملاك الاراضي واصحاب المشاريع من جهة والمزراعين صعبة نتيجة لبداية التدهور والتراجع في الاقتصاد الوطني ، وبعد عامين وصلت حكومة الشيوعيون للسلطة واصبحت تطرح افكار معادية للراسمالية الوطنية وتنادي بحقوق العمال والشغيلة حسب مرتكزات الفكر الاشتراكي الواردة مع السلطه الجديده وتنادي بضرورة اعادة الاراضي للشعب و(ردع الكائنات الطفيلية) وتجريدها لصالح العمال وعدالة الانتاج واعادة هيمنه الدولة علي الانتاج بصفه عامة حسب الفكر الاشتراكي .
ندوة البراري بداية التاميم والنزع للمشاريع الزراعية.
في يوم الثلاثاء الاول من شهر ابريل 1970م اقيمت ندوة سياسية كبري تحدث فيها الرائد ابوالقاسم محمد ابراهيم عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الحكومات المحلية أنئذاك وذلك بمناسبة الذكري المئوية لميلاد الزعيم والمنظر الاشتراكي (لينن) ونظم الندوة الحزب الشيوعي السوداني عبر واجهة الاتحاد الاشتراكي دار الندوة حديث شهير مبشرا بمفاهيم اشتراكيه العمل الزراعي وطرحت فكرة الاصلاح الزراعي في السودان.
دعت الندوة الي ان يتم تحويل المشاريع التي لم تنتهي رخصتها الي هيئة الاصلاح الزراعي الحديثة التكوين وقتها وذلك بهدف الاتي
1- احداث تغيير جذري في طريقة استخدام الاراضي الزراعية في السودان واعادة توزيع الحواشات علي اسس جديدة وعادلة.
2- احداث توازن بين الانتاج والتنمية الاجتماعية ورفع مستوي معيشة الانسان العامل وتقييم الخدمات الاجتماعية.
3-اجراء ثورة زراعية في وسائل الانتاج الحديثة
4- أجراء تعويض عادل لاصحاب المشاريع الذين استفادوا من تمويل الدولة وخصم الديون التي عليهم لصالح الدولة وتصفية حسابات المزراعين المتراكمة والمجمده.
5- توحيد ادارة مشاريع النيل الابيض والازرق في مؤستين علي غرار مشروع الجزيرة وتوحيد النظم الادارية والفنية وتقديم الخدمات الاجتماعية للمزراعين.
6- حل لجان المزراعين الموروثه واستبدالها بمجالس أنتاج من المزراعين مما يضمن ابعاد الرأسمالية وضمان حقوق المزراعين وتشكيل المجالس علي أساس هرمي.
سياسات نزع المشاريع وأثرها علي الانتاج الزراعي .
علي الفور أصبحت هيئة الاصلاح الزراعي هي المسئول عن المشاريع التي تم نزعها بالقانون وتم الاستيلاء علي عدد كبير من المشاريع الخاصة التي كانت منتجه وتم إيفاد (الافندية) الجدد بدلا عن اصحاب المشاريع الذين نزعت منهم الارض والمحصول والترع والطلمبات واسست شبكة من الادارات التي لاعلاقة لها بالارض وتم اعتماد سياسات جديده.
أصبحت العلاقه بين المزراع والافندية ممثلي هيئة الاصلاح الزراعي التي عليها توفير الماء والتقاوي وعمليات الميكنه الزراعيةو المزراع ياخذ ارباحه بعد خصم التكاليف مناصفة مع الهيئة ووهي مسئولة عن تقديم نوع من الخدمات الاجتماعية وكان الهدف المعلن إزالة الغبن الذي خلفته الرأسماليه.
بدات الهيئة في اعادة توزيع الحواشات علي المزراعين (العمال الجدد) الذين أتهمت البيوتات الطائفية وكبار المنتجين باستغلال العمال الذين سلموا الحواشات علي إعتبار أنهم المنتجين الحقيقين وأصحاب الأرض. وتمت هذي الاجراءات بقوة وذلك بهدف رفع الانتاج وتحسين الخدمات ، وتم تعيين جيش من (الافندية) الزراعين وإلاداريين والسواقين وعمال المكاتب وغيرهم الذين جابوا الحواشات بعربات الاندوفر الانجليزية ولديهم كل سلطات النزع والتمليك والمصادرة ، مما أحدث اختلال في الانتاج لارتفاع كلفة إدارة المشاريع وغياب كبار الملاك الذين كانوا يدروا مشروعاتهم بتكاليف إدارية قليله مما رفع سعر المنتج من القطن والحاصلات السودانية .
صادف هذه الاجراءات تحولات في السوق العالمي الذي اوجد بدائل وبدأ بالاعتماد علي المنسوجات غير القطنية ومع تراجع الطلب العالمي مما ادي الي انهيار في المشاريع التي تراجع مستوي الانتاج فيها اضافة الي سوء ادارة (افندية) هيئة الاصلاح الزراعي نتيجه لتطبيق إلاجراءات إلاشتراكية وخلق حالة من الغبن نتيجه لخروج كبار المنتجين من دورة الانتاج الزراعي في السودان ومصادرة مشاريعهم نتيجة للتوجه الجديد للدولة السودانية.
في ابريل 1971م كانت المشروعات الزراعية في السودان تم تأميمها وتسليمها للمزراعين الصغار إلا ان التجربة لم يكتب لها النجاح واستمرت في حالة تدهور مريع في الايردات مع ارتفاع التكاليف الادارية ، أستمرت المشاريع في التراجع الي قيام ثورة ابريل 1985م وظهرت أصوات تنادي بتعويضات اصحاب المشاريع التي صودرت وقامت حكومة الصادق المهدي بصرف تعويضات ضخمة من خزينة الدولة علي اساس عودة المشاريع للعمل ولكنها لم تعد تعمل بالوجه المطلوب وخربت الزراعه في السودان وهي بداية التراجع في الانتاج وتأثر مشروع الجزيرة وغيرة من المشاريع الزراعية بسياسات الاصلاح الزراعي في السودان …. هذا والله اعلم
الرد على المرسل تحويل إلى خبر تحويل إلى مقال حذف
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..