أعضاء مجلس الثورة يوم تم حله كانوا خارج الخرطوم فكيف قرروا حله؟

أوضحت في المقالة السابقة كيف كانت تداعيات تصرف بعض أعضاء مجلس الثورة تجاه النميرى عندما اختطفوه واسميه اختطاف بالرغم من انه تبعهم برضاء تام لأنه لم يخطر بباله ما وراء هذا المشوار حتى فوجئ انه تحت تهديد فوهة مسدس وجهه مامون لرأسه احتجاجا على انفراده باتخاذ القرارات دون الرجوع للمجلس الذي احدث شرخا في علاقة المجموعة التي كانت متجانسة إلا أنها بعد حادثة الاختطاف وتهديد النميرى كان نتاجه الطبيعي أن تتضاعفت مخاوفه من أن يطيحوا به حيث لم يعد من الممكن توفر الثقة بين الطرفين كما كانت لهذا فان النميرى لم يهدر الفرصة التي لاحت له والتي خطط لها مولانا بابكر عوض الله لاستثمار انقلاب يوليو ليحل مجلس الثورة ولكم كان من الضروري أن يصدر قرار الحل باسم المجلس وإلا لأصبح قرارا منه بإعفاء أعضاء المجلس وهو ما لا يملكه وهو ما سيعرض القرار لمواجهة من داخل القوات المسلحة نفسها لوجود قوات موالية لأعضاء المجلس لهذا كان لابد أن يصدر القرار باسم المجلس وهو القرار الذي اثأر دهشة المراقبين لان الانقلاب الذي فشل كان يستهدف مايو وعلى رأسها النميرى نفسه لهذا لا يمكن أن يكون مردود فشل الانقلاب وانحل المجلس لينفرد النميرى وحده بالسلطة مما يؤكد إن القرار لم يكن دافعه الانقلاب وإنما استغل لأسباب أخرى للتخلص من مجلس الثورة ولم يكن الأمر صعبا لان مخطط مولانا بابكر بحل المجلس وجد هوى للنميرى لأنه لم يعد يثق في نوايا زملائه بعد واقعة الاختطاف وتهديده بالقتل لهذا لم يمانع في استغلال الفرصة التي اقترحها عليه وصممها مولانا بابكر.

لهذا صدر قرار حل مجلس الثورة وأعلن كأنه صادر من المجلس وهذه ليست الحقيقة لان مجلس الثورة عندما أعلن قرار حله وباسمه لم يكن من أعضائه من هو فى الخرطوم غير النميرى ومولانا بابكر وخالد حسن عباس الذي كان يومها معتكفا بمنزله بعد إن فقد أخيه ضمن ضخابا بيت الضيافة أما بقية أعضاء المجلس فكانوا أربعتهم وهم ابوالقاسم هاشم وابوالقاسم محمد ابراهيم ومامون وزين العابدين كانوا أربعتهم في رحلة طواف على مختلف أقاليم السودان بغرض توعيتهم بتداعيات انقلاب يوليو حسب تكليف المجلس له في أول اجتماع بعد فشل انقلاب يوليو وربما كان قرار سفرهم أمراًُ مدبراً من مولانا بابكر حتى يخلو الجو لحل المجلس فكان ابوالقاسم هاشم في الجزيرة وكان زين العابدين في شرق السودان وكان مامون وابو القاسم محمد ابراهيم واحد منهم في غرب السودان والأخر في شماله لهذا فان قرار الحل أصدره النميرى ومولانا بابكر وحدهما وأعلناه باسم مجلس الثورة في غيابه ودون أن يصدر عنهم لهذا كان إعلان الحل مفاجئا لأعضاء المجلس أكثر مما هو مفاجئ وغير مفهوم للشعب السوداني لعدم وجود أي علاقة تربط الانقلاب الفاشل بحل المجلس وإحالة كل سلطته لشخص واحد هو النميرى ونائبه مولانا بابكر مصمم القرار
لهذا كانت ردة فعل أعضاء مجلس الثورة اللذين فوجئوا بحل مجلسهم وباسمهم فقطعوا رحلاتهم وعادوا فورا للخرطوم في قمة الانفعال ويومها تجمع أربعتهم في الجهاز المركزي للرقابة العامة في مكتب زين العابدين وكانوا في قمة الانفعال والغضب وكانوا مصرين على إصدار بيان لتوضيح الحقيقة وينفون فيه قرار حل المجلس وانه لم يصدر عنهم ويعلنون إلغاء القرار إلا أن السيد محمد عبالحليم محجوب نائب الرقيلب العام حذرهم من خطورة هذا القرار لما سيفرزه من صراع وفتنة داخل المجموعة المايوية نفسها ويدخلهم فى مواجهة قد تكون مسلحة تطيح بالجميع إلا انه طالبهم بان يعالجوا الموقف بحكمة وكان مقترحه الذي وافقوا عليه أن يلتقوا بالنميرى وان يؤمنوا على قرار الحل درءا للفتنة ولكن بشرط أن يبقى أعضاء المجلس رقباء على الرئيس للفترة المؤقتة التي يتم فيها انتخاب برلمان يتولى هذه المهمة مادام سيتم انتخاب رئيسا للجمهورية فرحبوا بالمقترح وغادروا للقصر حيث التقوا النميرى ومولانا بابكر إلا إنهم فوجئوا بمولانا بابكر يرفض المقترح لأنه غير مقبول قانونا كما يعنى عدم ثقتهم في الرئيس نميرى وتمسك النميرى باعتراض مولانا بابكر القانوني مركزا على ما يعنيه من عدم الثقة فيه وبهذا بقى قرار الحل على ما هو عليه نافذا دون تعديل إلا إن النميرى أكد لهم من باب التحايل لتخطى الأزمة بأنهم سيظلوا معاونين له وهو ما عمل به لفترة قبل أن يهمشهم الواحد تلو الأخر لأنه لم ينسى موقفهم منه.

وهنا وجد مولاتا بابكر فرصته ليستغل غضبة النميرى على الجهاز صاحب المقترح بان يبقى مجلس الثورة رقيبا عليه لحل جهاز الرقابة لما كان بين مولانا بابكر و الجهاز من خلافات في قضايا كثيرة أهمها تهميش سلطاته و المعركة التي دارت بين الجهاز واكبر أنصاره وحلفائه العميد محمد عبدالحليم وزير المالية حول عطاء المبيدات لمشروع الجزيرة عندما تدخلت الرقابة العامة وألغت له قرار كان سيكلف السودان مبالغ كثيرة لولا تدخل الجهاز الذي فرض عليه أن يمنح العطاء للأقل سعرا وكانت شركة فرنسية حكومية رفض الوزير اعتماد العطاء لها بحجة انها قد تفشل في تسليم الكمية كلها في الموعد المحدد لهذا كان قراره أن تقسم الكمية على المتنافسين كل حسب سعره وقد كشفت تحقيقات الرقابة إن الشركة الفرنسية نفسها كانت شركة خاصة قبل أن تؤول للحكومة الفرنسية وكانت الشركات التي تتنافس على العطاء تتفق فيما بينها على تقسيم الكمية بحيث كل منها يخرج بكمية تحقق نفس النسبة من الربح بأسعار مختلفة ولكن عندما آلت شركة بروسيدا الفرنسية للحكومة الفرنسية رفضت الالتزام بهذا الاتفاق وتقدمت بأقل سعر لكل الكمية إلا أن الوزير أرد أن يقسم الكمية بنفس الطريقة تحت ضغوط الشركات ذات العلاقة معه مما دفع به لان يشكو الجهاز لمولانا بابكر لتدخل الجهاز فيما يراه اختصاصه كوزير للمالية إلا إن الجهاز رفض لمولانا بابكر أن يتدخل في اختصاصاته لهذا كان القرار الثاني المباشر حل جهاز الرقابة العامة كان انقلاب يوليو كان مستهدفا له.
وكونوا معي مع الانقلاب المسمى انقلاب الحزب الشيوعي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..