?حالة ارتباك? قالت الإدارة الاقتصادية إنها لن تلجأ لسياسة ?التعويم? لكبح جماح ?الدولار?

تقرير ? أيمن أبكر
تسود الأوساط الشعبية والاقتصادية حالة من (الارتباك) جراء الحديث المتداول عن تطبيق المركزي لـ(تعويم جزئي) للجنيه السوداني، بهدف السيطرة على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه، في حين يعتقد البعض أن الأسلوب المتبع حاليا هو (التعويم المدار)، لكن كل هذه التكهنات تصطدم بتصريح وزير المالية محمد عثمان الركابي، بأنه لن يتم تعويم الجنيه في مقابل الدولار، وتوقع الوزير استقرار سعر الصرف نتيجة لسياسات للدولة، لم يكشف عنها.
لكن في مقابلة نشرتها (اليوم التالي) قبل يومين، كشف الركابي عن وجود سياسات جديدة للإصلاح الاقتصادي سيتم اتخاذها في الفترة المقبلة، وأكد على المضي قدما في سياسة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية مع استمرارهم في تقديم الدعم لشريحة الفقراء والمحتاجين، وقال إن كل السياسات والإجراءات ستصب في مصلحة تخفيف المعيشة وإصلاح الاقتصاد.
وفي ظل سياسة المفاجآت التي يتبعها البنك المركزي السوداني لإرباك المضاربين على العملة، وتكبيد تجار سوق الصرف خسائر كبيرة، سرت التكهنات بأن (المركزي) يتخذ أساليب مختلفة من سياسة تعويم الجنيه.
ويعني (التعويم) خفض قيمة العملة الوطنية أمام عملة عالمية كالدولار الأمريكي، وتقدم بعض البلدان التي تتحكم في سعر صرف عملتها المحلية أمام العملات العالمية، باتخاذ هذه الخطوة لتحرير سعر الصرف وجعل السوق الشرائية تتحكم في قيمة العملة المحلية.
ويترتب على التعويم، عندما يُخطط له بصورة صحيحة، خفض أسعار المنتجات المحلية التي تصدرها الدولة للخارج، وصعوبة الاستيراد لارتفاع قيمة العملة العالمية (الدولار)، وهو ما يجعل الإنتاج المحلي أكثر قوة ونشاطا في الأسواق الداخلية، إذ يميل المواطنون لشراء المنتجات المحلية لانخفاض سعرها ووفرتها عن بديلاتها المستوردة.
وقد يقود التعويم أيضا إلى ارتفاع الطلب على السلع المنتجة محليا في الأسواق العالمية لانخفاض سعرها، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الصادرات وتدفق الدولار على البلاد.
وأحيانا تتخذ الدول أسلوب (التعويم الجزئي) من أجل تحقيق نتائج عدة، كتقليص الفجوة بين سعر الدولار الرسمي وقيمته في السوق السوداء، والاستجابة لأحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي.
ويرى عبدالله الرمادي، الخبير الاقتصادي، أن التعويم مسألة خطيرة جدا في الوقت الحالي للسياسات الاقتصادية، وتأتي أهميتها في وقتها من حيث المبدأ، ويرى أن المفترض أن يكون التعويم على طلب الدولار للطلبات المستوردة من الخارج، حين يكون لدينا موارد دولارية أو قيمة صادرة معتبرة، وأردف أن موقف السودان الاقتصادي الحالي لا يسمح بأن تطلق آليات السوق للإيفاء بكل الاحتياجات التي تفوق (9) مليارات دولار، كما لا يملك السودان الطاقة المالية لمقابلة ما بين (5-6) مليارات دولار.
ويعتقد الرمادي أن قرار تعويم الجنيه السوداني يعني ترك قيمة العملة الوطنية، كي يتحدد سعرها وقيمتها وفقًا لقوى العرض والطلب، حيث يكون الفيصل الوحيد هو العرض والطلب، فإذا كان مطلوبا في السوق سيرتفع سعره والعكس صحيح، أي ليس له سعر ثابت، وأضاف أن قرار تعويم الجنيه من المفترض أن يكون في مصلحة المواطن البسيط، وبالتالي انخفاض الأسعار خلال فترة (التعويم)، وهذا مرهون بالسياسات النقدية الصادرة عن البنك المركزي، وقدرته على الإيفاء باحتياجات المستوردين، وبالتالي لا يحتاجون إلى رفع سعر الدولار في السوق، إضافة لدور الحكومة في وضع ضوابط هامش الربح للمنتجات والسلع الأساسية يستهدف وضع ضوابط لمنع الاستغلال.
ومن جانبه، أكد محمد أحمد، وهو مصرفي سابق، أن قرار تعويم الجنيه في الفترة الحالية غير صائب، لعدم توفر الدولار بشكل كاف في البنوك في المقام الأول، ما يعني عجز في الميزان التجاري، وأضاف محمد أن التعويم يتطلب استقرارا اقتصاديا واستقرارا في سعر صرف العملة، واقتصادا قويا بإنتاجية قوية، حتى يمكن تصدير المنتج المحلي للسوق الخارجي لجلب الدولارات، لذلك فإن أول أضرار هذا القرار هو أن الدولة إذا لم تستطع توفير الدولار كسيولة في البنوك سوف تلجأ للسوق السوداء، ما يزيد من حدة الأزمة، وأضاف محمد: ?لكن بعد تعويم الجنيه سيتوحد سعر الصرف في القنوات الرسمية وغير الرسمية، مما سيدفع السودانيين بالخارج لنقل أموالهم إلى ذويهم في البلاد، وبذلك تعود التحويلات مرة أخرى إلى حجمها الحقيقي?، مؤكدا أنه لا بديل عن سياسة التعويم الكامل والفوري للجنيه، في ظل الأزمات التي يعيشها الاقتصاد السوداني.
ويشرح محمد أحمد أن تعويم الجنيه، يعني أن يتم ترك السعر في السوق الرسمية بالبنوك العاملة في السوق المحلية، ليتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب قوى السوق، كمثال المستوى الحالي للسعر في السوق السوداء والذي يصل إلى (25) جنيهاً للدولار، وهو ناتج عن تفاعل العرض والطلب إلى جانب جزء من المضاربات، ولا يتدخل البنك المركزي في تحديد السعر، في حين يعني التعويم المدار أن يتم خفض عنيف لمستوى السوق السوداء ثم بعدها يتدخل البنك المركزي في السعر جزئيا، ويعني خفض قيمة العملة المحلية، النزول بسعرها أمام الدولار لقيمة يحددها مسؤولو البنك المركزي المصري، في توقيتات محسوبة تراعي عدة معايير اقتصادية، وهو المتوقع في ظل أرصدة الاحتياطي الأجنبي ومستوى سعر السوق السوداء للعملة، ويثبت بعدها السعر عند مستوى محدد، ويتدخل في توقيتات معينة لوقف المضاربات عبر إجراءات صارمة، وعلى الجانب المقابل ينتهج البنك المركزي سياسة سعر الصرف المرنة التي لا تستهدف سعرًا محددًا لفترة طويلة، وأردف الأثر التضخمي ارتفاع أسعار السلع والخدمات أهم الآثار الاقتصادية لخفض الجنيه، وأضاف يجب وضع خطة بالتنسيق مع البنك المركزي فإن هناك إجراءات معلنة وأخرى متوقعة للسيطرة على أسعار السلع، وتوفيرها بسعر مناسب لحماية الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجا، وفي ظل أن السودان تستورد نحو (70 %) من احتياجاتها من الخارج، ويعد سعر صرف الدولار أحد أهم العناصر المؤثرة على الأسعار وقرارات الاستيراد.
ويرى محمود علي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الزعيم الأزهري، أن تعويم الجنيه يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل كبير ويؤدي إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية شديدة الخطورة وكارثية، ويرى أنه من الأفضل استمرار سياسات دعم الجنيه التي يتبعها البنك المركزي حفاظًا على الاقتصاد السوداني.
ويعتقد أن سياسات البنك المركزي على مدار الفترة الماضية كانت لها دور فاعل وشديد الأهمية في ضبط سعر العملة ومنع تعويم الجنيه بشكل رسمي، وأكد أن أخطر ما يهدد الاقتصاد السوداني في الفترة الحالية ?تعويم الجنيه بشكل رسمي?. وفي المقابل دعا إلى إجراءات يجب اتباعها لتحسين وضع الجنيه في المرحلة المقبلة، منها وقف الدعم غير المبرر، ويوصي أيضاً بضرورة تنفيذ المشروعات القومية الكبرى المدروسة المدرجة في أدراج الجهات التمويلية الكبرى البنوك وشركات التأمين ويقترح تنفيذ هذه المشروعات خلال الشراكة بين عدد من البنوك لدرء تهمة الفساد والتصدي لسياسات الأيدي المرتعشة التي تكبل يد المسؤولين وتعرقل عملية اتخاذ القرارات الجريئة التي يحتاج إليها الاقتصاد السوداني لدفع حركة التنمية، ويؤكد موسى أن الفشل لا يكمن في عدم نجاح بعض المشروعات، وإنما يكمن في التوقف عن تنفيذ المشروعات الكبرى التي تدعم الاقتصاد بشكل حقيقي، ومن الإجراءات الأخرى التي يوصي بها إعادة هيكلة نظام الضرائب وفرض ضرائب تصاعدية تتناسب مع الشرائح الاجتماعية المختلفة مع عدم المساس بمحدودي الدخل والفقراء.
اليوم التالي.