
حين يكون المأمن مخوفا، والموئل طاردا، والملجأ مُنفّرًا، وحين يكون الشيخ مغتصِبا والمحفِّظ معذِّبا، والمحفَّظ معذَّبا،حين يكون الطفل مرمى لذئاب لا تراعي طفولته، وهدفا لأشباه رجال لا يقدرون براءته.
تطالعنا الصحف من داخل خلاوي تحفيظ القرآن بين الحين للآخر بأخبار تجعل الحليم يكون حيران، تتحدث عن مآس يلاقيها الأطفال في بعضها، حينا اغتصاب وأحيانا تعذيب وأحايين تعنيف.
يأتي الطفل من بيته حاملا أحلام والديه بأن يحفظ القرآن، يأتي لهذا المحضن الذي يفترض أن يكون تربويا تعليميا دينيا ؛لينهل منه الأخلاق ويتعلم فيه الآداب، ويُلقَّن فيه القرآن.
يأتي الطفل راغبا أو راهبا، مدفوعا بأماني ورغبات والديه ؛ ليتخرج في هذه الخلوة حافظا لكتاب الله، يتوسم في هذا الشيخ المحفظ صلاحا هو مفتعل، ويجد فيه تقوى هي مزيفة، فهو يجيد التلبس بأدوات الجريمة،ووسائل الابتزاز وومفردات الخداع .
يدفع الأب طفله، ويمنح الشيخ كل الصلاحيات المشروعة وغير المشروعة، من قبيل لكم اللحم ولنا العظم، ومن نوع الولد ولدك وخد راحتك معاه. واسمع كلام الشيخ يا ولد…
ساعتئذ يكون الشيخ ذكيا جدا، فهو يمتلك مهارة استغلال هذه الصلاحيات الممنوحة له، ويبدأ في الممارسات التي لا تصدر عن نفس سوية، ولا يقوم بها صاحب فطرة سليمة. والويل كله والثبور جميعه، إن تجرأ ذلك الطفل على الشكوى أو أبدى تضجرا، فمن ذا الذي يجرؤ على أن يشتكي الشيخ، ومن ذا الذي يصدق طفلا صغيرا ؟!
كان صبي الخلوة عند التجاني يوسف بشير بهذه القدرة المتمردة والنزعة الرافضة، لكن هذه وتلك لا يجرؤ عليها صبية اليوم :
هب من نومه يدغدغ عينيه مشيحا بوجهه في الصباح
ساخطا يلعن السماء وما فى الأرض من عالم ومن أشباح
حنقت نفسه وضاقت به الحيلة واهتاجه بغيض الرواح
الخلوة في اللغة هي الانفراد بالشيء أو معه أو إليه، ومنه قول طرفة :
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري
وفي الاصطلاح هو مكان تتم فيه دراسة وحفظ القرآن الكريم. وهي المقرأة، وتقابل الكتاتيب .
والعلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي تكمن في الانفراد بشتى أنواعه، مثل انفراد الشيخ بالتلاميذ، وانفراد التلميذ بالمصحف أو اللوح.
نتساءل عن آلية اختيار هؤلاء المحفظين، ومن الذي يختارهم، وهل يخضعون –قبل تمكينهم من الانفراد بهؤلاء الصبية – لمعايير ومقاييس ومقابلات واختبارات…
ونتساءل أيضا هل تتم متابعتهم ومراقبتهم وزياراتهم زيارات إشرافية وتوجيهية واستطلاعية ؟ وهل ثمة جهات تتابع عمل هذه الخلاوي خاصة تلك التي يقضي فيها الصبي يومه كاملا وينام فيها.
وما الجهة التي تتبع لها هذه الخلاوي؟ إذ ينبغي أن تكون منضوية تحت وزارة الأوقاف و التربية والتعليم والرعاية الاجتماعية . وهل يعلم الأطفال وأولياء أمورهم الجهة المعنية تحديدا؟
يعود صبيي الخلوة لدى التجاني رافضا ومتمردا لا يهاب شيخه الجبار:
ورمى نظرة إلى شيخه الجبار مستبطنا خفي المناحي
نظرة فسرت منازع عينيه ونمت عما به من جراح
لو كان الوضع طبيعيا لكان ينبغي أن يكون الحديث عما يتناوله الطفل في الخلوة من طعام، وما يتلقاه من علاج،وعن منهجية الحفظ،وما جرعات الحفظ؟،وهل هي ملائمة من حيث السن والقدرات؟، لكن للأسف في مثل هذه الظروف الاستثنائية يكون الحديث عن هذه الموضوعات ترفا لا طائل من ورائه.
إن غابت الوزارات المعنية واختفت المنظمات المسؤولة،فأين غاب الضمير،وأين اختفت المروءة، وأين ذهب التدين الحقيقي؟
أتوقع أن ينبري يعض المتبرعين بالآراء والمهووسين بالتصنيفات ليقولوا إن هذا المقال استهداف للدين،وإبعاد للأطفال عن القرآن،وتخويف لهم من الذهاب للخلوات، وهذا الكاتب معادٍ للقرآن،ومنفر من حفظه.
وأنا أقول لهم قبل أن يقولوا هم، أقول لهم إن إغلاق الخلوات أهون من إيذاء طفل نفسيا أو جسديا ؛ فقد حرمت الشرائع السماوية والتعليمات الأرضية إيذاءه :
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا } الأحزاب 58
فقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم للكعبة مخاطبا إياها :
(مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا)
فقد حادت بعض الخلوات عن دورها المنوط بها، وتحولت من محضن تربوي آمن ينال فيه الطفل قسطا من الأخلاق،وجرعات من الآداب،ونصيبا من التعاليم، ويحفظ فيه القرآن الكريم، إلى مكان تُنتهك فيه أعراض الصبية، وتُؤذَى فيه نفسياتهم،وتُشوه فيه نفوسهم، وتستغل فيه أبدانهم.
أستثني بعض الخلاوي التي ما زالت تحمل رسالة الإسلام، وتتجسد في مشايخها تعاليم الدين،ويتعاملون مع الصبية بروح الأبوة الحقة،ويشعلون في نفوسهم حب القرآن قبل أن يوقدوا ناره في الأفنية، ولكن: قليل ما هم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر
[email protected]
والله يا أستاذ طارق كلامك من ذهب. إن هذه الخلاوي قد صارت بلاوي، ونطلب من الوزير الشاب نصر الدين مفرح أن يزيلها من الوجود و يتم تحويل أولئك المعذبين المضطهدين إلى مدارس رسمية.
تسلم الله يخليك / ربنا يحفظ أبناءنا
ياخي أقفلوها وأريحوا هؤلاء الأطفال من عذاب فراق الأم. كما يزيدهم نوع هؤلاء الشيوخ عذابا علي عذاب. الآباء بحسن نية يريدون لأبنائهم الحفظ وسوء النية بالتخفف من المسؤولية! بلد الوحي ليس بها خلاوي!
كلامك يساوي وزنه ذهباً يا زول، بالمختصر المفيد أزيلوا هذه الخلاوي من الوجود. كتبت تعليقاً على الموضوع مشابهاً لرأيك هذا ولكنه لم يُنشر، لا أدري لماذا.
صدقت والله ، بعدين الغريب في الموضوع أولاد الدمازين يدرسوا في خلاوي الخرطوم ، وأولاد الخرطوم يدرسوا في خلاوي نيالا وأولاد نيالا يدرسوا في خلاوي الدمازين ، ما تفهم الفكرة شنو
المشكلة صارت ليست المحفظ وحده صارت المشكلة ان الكبار من حفظة القران للاسف يعتدون على الصغار والاعتداء للاسف جنسيا من غير دسدسة ولا غتغيت لذلك الخطر صار كبيرا ويصعب جدا مراقبة ذلك والحل ان تكون الخلاوى فى نفس الاماكن التى يقطن فيها الطلاب وبعد نهاية التلاوة يذهب كل طالب الى بيته وياتى اليوم التالى وكذلك حتى يكون الصغار والكبار فى مامن من مضايقة بعضهم البعض ويكون الطالب مراقب من والدية اما خلاف ذلك فوالله ثم والله الانصح به ان يهاجر الطفل الصغير من منطقته الى منقة اخرى لكى يحفظ القران والخلاوى موجدودة فى منطقته فهذا ما يجب ان يمنع من قبل السلطات منعا باتا .
نعم أحسنت ، الخطورة في الخلاوي التي بها سكن ، وخاصة التي يهاجر إليها الطفل
نسأل الله السلامة
ومفروض تتخذ الجهات المعنية قرارات حاسمة بشأن هذا الأمر
تسلم أخي الكريم ، تعليقك نشر لكن بتتم مراجعته أولا