الجانب الأخـر من الصمت

الجانب الأخــر من الصمت
من موقع : Archival Platform. org
بقلم : ريتشـارد بيتوسي ? ترجمة : محمد السيد علي
( إذا ما أمتلكنا رؤية ثاقبة وإحساس بكل حياة الإنسان العادية فإنها ستكون مثل سماع الأشجار وهي تنمو وقلوب السناجب وهي تنبض وعلينا أن نموت من ذاك الهديــر الذي يكمن على الجانب الأخر من الصمت ) جورج اليوت ? ميدلمارش ? 1874 .
لقد إحتفت (الايكونومست) مؤخرا بمارجريت تاتشر لكونها إمتلكت (الرغبة في الوقوف أمام الطغاة) أما بالنسبة لباراك أوباما فهي (واحدة من عظماء أبطال الحرية والتحرر) ، غير أن ذلك هراء بالنسبة لصديقها القديم (مانجو سوثو بوثيليزي) فتاتشر منحت الدعم الكامل للملكية السعودية وللقبضة الكاملة للدكتاتوريين السيكوباتيين أمثال : أوغستينو بينوشيه ، صدام حسين ، سوهارتو وضياء الحق . لقد وصفت نيلسون مانديلا بالإرهابي ، فيما دعت (بوتا) إلى تناول العشاء في موطنها الريفي ولم تعمل على إدانه من عذّبوا وقتلوا بواسطة أؤلئك الذين دعمتهم في أماكن مثل اندونيسيا وباكستان . إن أبرز ما خلفته تاتشر من إرث لبريطانيا هما الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد عام 2008 وأعمال الشغب التي حدثت في 2011 .
في مقال حديث في (نيو يوركر) أشار (جون لي أندرسون) المعروف بكتابتة للسيرة الذاتية لتشي جيفارا إلى حقيقة مثيرة للفضول وهو أنه في اليوم الذي توفيت فيه تاتشر ، كانت بقايا بابلو نيرودا أحد أعظم شعراء القرن العشرين قد نبشت من قبره في (أسلا نيقرا) على الساحل بالقرب من سانتياجو . في 11 سبتمبر 1973 أطيح بالرئيس المنتخب سيلفادور الليندي من منصبه بإنقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة . بعد أيام من الإنقلاب إختتم (نيرودا) سيرته الذاتية بالإشـارة إلى أن جثه الليندي (دفنت في مكان غير معروف) وبعد (12) يوما من وفاة (الليندي) توفي نيرودا فيما يعتقد أنه بسبب نوبة قلبية. بعدها تم إعتقال الالاف ، عذّبوا ثم أطلقت عليهم النار ، فيما سلمت المسئولية الاقتصادية للبلاد إلى أكاديميين في الولايات المتحدة. لقد أصبحت الكارثة الإقتصادية التي أنزلوها على شيلي نموذجا فرض على العالم الجنوبي ، ثم ما لبثت أن وجدت طريقها في النهاية إلى أوروبا وإلى كل مكان . كانت النتائج هي ذاتها ? الأغنياء إزدادوا غنى والفقراء فقرا . بالنسبة لتاتشر فإن الجنرال الفاشي (بينوشيه) الذي إنتزع السلطة بالعنف وسلّم السيادة الإقتصادية لأمريكا هو من (جلب الديمقراطية إلى شيلي) .
إن نيرودا مثل بابلو بيكاسو كان يدافع عن القضية بسبب ستالين . لقد كانت لحساسيته الشاعرية حدود خطيرة فعلى مكتبه الخشبي المزين بصورة (والت وايتمان) قدم للدراما اللاتينية ما لم يقدمه أي شخص أخر فقد كانت حياة وكفاح العامة من الناس حاضرة في أعماله . لقد جاء نبش جثة نيرودا لتحديد عما إذا كان قتله أو تسميمه تم بواسطة جنود بينوشيه . كانت لحظة الحقيقة التي تماثل إسترداد بقايا جثة (ساره بارتمان) من باريس لتدفن بشرف في (قامتوس فالي) . لقد بقيت الكثير من الجثث في مواضع غير معلومة . إن الحالة أكثر من عادية فقد أشار (محمود درويش ) ذات مرة في بيروت 1982 إلى (أن الذاكرة لا تتذكر لكنها تستقبل ما يسقطها عليها التاريخ) .
لقد كتب (جون ماتيرا) بعد تدمير مدينة صوفيا بأن (الذاكرة هي السلاح) وبعد إحباط ربيع براغ كتب (ميلان كونديرا) : ( إن صراع الإنسان ضد السلطة هو صراع الذاكرة ضد النسيان ) . إن ذلك هو السبب الذي جعل (نومبونيسو جاسا) يوصي بأنه في محاولاتنا لفهم أفضل للماضي فإن (علينا أن نستمع بإمعان إلى ما يقال ولما يبقى غير مذكور وغير قابل للذكر ولما يقدم بشكل خفي ) .
[email][email protected][/email]