مقالات وآراء

قانون النقابات المرقّع: تربص وإصرار على تمزيق وحدة الحركة النقابية (5)

صديق الزيلعي

قدمت في الحلقات السابقة خلفية تشكل توضيحا حقيقيا لمواقف المجلس العسكري، والحكومة الانتقالية. فقد انحاز المجلس العسكري علنا لفلول الاسلامويين وسط الحركة النقابية، ودعمهم بحثا عن حاضنة اجتماعية، وهو حلم مستحيل نسفه شعبنا في 30 يونيو 2019. اما حكومتنا المدنية، رغم معرفتنا بالتحديات التي تحيط بها، لم تعط القانون العناية الكافية والاهتمام الذي يليق به. من جانب آخر كانت قيادات قوى الحرية والتغيير منشغلة بمهام أخرى للوفاق والشراكة مع العسكر، وأهملت قوى اجتماعية تاريخية ومركزية. القيام المبكر للنقابات المنتخبة من قواعدها كانت ستقوم كبير وأساسي في حسم الانحرافات التي حدثت، وتكشف اتفاقات الحجر المغلقة. ثم تعرضت لقضية، في المقال الثالث، للصراعات التي تفجرت حول القانون، واستهلكت الطاقات. وكانت المقالة الأخيرة حول الإصرار على حصر القانون على العمال ومطالبة المهنيين بالابتعاد عنه. اما اليوم فسأتعرض لقضية أساسية وهي قضية الوحدة النقابية.

 

نشأت النقابات السودانية، بعد صراع مرير مع الدولة الاستعمارية، وفرضت ارادتها بقوة وعزيمة وصمود وتضحيات عضويتها. اكتسبت الحركة النقابية السودانية، بعد انتصارها على المشروع الاستعماري، سماتها الأساسية، انها حركة موحدة، ديمقراطية، مصادمة، ومنحازة لقضايا الوطن. وقد صمدت وترسخت تلك السمات عبر العهود المختلفة، رغم محاولات استقطاب الحركة النقابية أو عزلها وتهميشها.

 

الآن، بعد كل ذلك التاريخ، تحاول بعض الجهات ارجاع عقارب الساعة للوراء، وإدخال بالشباك ما فشلت، قوى أخرى، في تحقيقه بالباب. 

 

فقد جاء في القانون المرقع: ” الفصل الثالث: البيان النقابي: تكوين البيان النقابي:

 

يتكون البيان النقابي من تنظيمات نقابية على الوجه الآتي:(أ) وحدة نقابية.(ب) هيئة فرعية.(ج) هيئة نقابية.(د) نقابة عامة.(ه) اتحاد(و) الاتحاد العام.

 

البند (ه) هو مربط الفرس. ومن صاغوا القانون لهم خبرة ومعرفة بالتجارب السابقة، ويعملون بذكاء لتحقيق ما فشلت محاولات سابقة في تحقيقه. فقد رفضت السلطة الاستعمارية النص على قيام اتحاد للعمال في قانونها للنقابات. ولكن اتحاد العمال فرض وجوده وأرغمها على التفاوض معه. ثم حاولت الحكومة الوطنية الأولى، بقيادة وزيرها للشئون الاجتماعية، تخريب وحدة العمال بالدعوة لقيام ثلاث اتحادات واحد لعمال القطاع العام والثاني لعمال القطاع الخاص والثالث للحرفيين. وأفشل العمال واتحادهم تلك المحاولة. ثم تكررت نفس المحاولة، مرة أخرى، في عام 1968، حيث نجحت بعض النقابات في الانقسام عن اتحاد العمال وشكلت ما سمي باتحاد عمال القطاع العام. ونجحت قيادة اتحاد العمال، بقيادتها الحكيمة والصبورة لمواجهة الانقسام وشرح مخاطره، في تصفية ذلك الاتحاد ورجوع النقابات للاتحاد العام.

 

ورغم ان هذه القانون المرقع، وفي إطار ترقيعه، قد نص على قيام الاتحاد العام، ولكن بعد تجارب الماضي المريرة، وبعد تخريب ثلاثة عقود من الزمن في ظل تحكم الاسلامويين على الحركة النقابية، فان تهيئة البيئة للصراعات من جديد، ومن ثم الانقسامات تشكل مصدر للخطر. فوجود عدة اتحادات عمالية، تدافع عن قطاعات محددة، سيكون سببا في اعلاء المصالح القطاعية على مصالح الحركة الموحدة، وستستهلك الحركة النقابية نفسها في الصراعات، التي ستزيد من حدتها الجهات المعادية للنقابات. ولنا درس من بعض الأقطار الاوربية التي تتعدد فيها الاتحادات، حسب الانتماء السياسي، مما أضر بوحدة قوى العاملين.

 

الخص وأقول ان وجود حركة نقابية موحدة متراصة الصفوف، تحافظ على استقلاليتها وديمقراطيتها، ومدافعة عن حقوق أعضائها هو السبيل لعودتها لماضي المجيد، ليس بهدف استنساخه حرفيا، ولكن بهدف التعلم منه، في إطار منهج النظر للماضي لتشكيل المستقبل. لان الماضي لن يعود فقد جرت مياه كثيرة تحت جسر الحركة النقابية السودانية (نواصل).

 

 

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..