أهم الأخبار والمقالات

القَلِد السياسي للأجهزة القائدة .. أولاً

د. وجدي كامل

بالنظر إلى محتوى شعار ثورة ديسمبر ٢٠١٩ السودانية “حرية سلام وعدالة” قد لا نقرأ فقط الروح النشطة، التوّاقة لمعانقة مستقبل صحيح متخلص من أمراض تاريخ الدولة بالسودان، بل كذلك وضع مدلولات الشعارات كفلسفة واستراتيجية وعمل خلاق للدولة، يجعل ذلك واقعاً معاشاً يستفيد من فرصه الكامنة والكاملة السودانيون كافةً على أُسس متساوية من حقوق المواطنة بالعيش الكريم، والشراكة الإيجابية في الوطن الواحد المتحد. أداء الدولة ولأسباب شتى معقدة، لا يزال مخفقاً في استلهام محتوى الشعار الذهبي للثورة.

فالدولة بثالوث مكونها السيادي والوزاري والتنظيمي السياسي التحالفي، المتمثل في الحرية والتغيير، لا تتمكن حتى الآن، من خلق الحد الأدنى من متطلبات الانسجام في إدارة شؤونها، والحرث على أرض خصبة جديدة، توفر الإنجاز المطلوب بشغف عالٍ، وسقف مطالبات أعلى من الرأي العام والجماهير. وقد تتمظهر أهم علامات عجز الشراكة القائمة، في عدم توفر النظرية القائدة الملهمة للتغيير، المدعومة بتوافقات الثالوث عليها بقناعة واقتدار.

البحث عن أسباب العجز النظري قد يقود إلى غياب الثقة بين الأطراف المتحالفة، في نمط وشكل اللقاء الذي يجمعها والذي كان في أصله أقرب إلى لقاء الإكراه، منه إلى لقاء التوحد الطوعي الواعي في الوطن والمصير.

زمن أسباب غياب الثقة، ماضي العلاقة وفقر المد الديمقراطي في التكوين التاريخي للحلفاء في إدارة دولة في فترة ما بعد الثورة، أي توفر أسباب العجز بفقر ثقافة الديمقراطية والبحث عن حلول للمشكلات، بدلاً من الاستسلام لها والركون والاستجابة لمضاعفاتها. إن أزمة ثقافة الديمقراطية، أزمة اجتماعية بالأساس، ضاربة بجذورها في قيم وتقاليد الأفراد والجماعات، ومستندة على مناهج التربية والتقويم غير المشجعة على التفكير العقلاني والتحليل العلمي، وقبول الآخر في مجتمعات متباينة، تغطي نسبة غياب الاستنارة والوعي فيها، النسبة العظمى من الخارطة السكانية، المصابة بأمراض التخلف من فقر وفاقة ومرض وجوع، بالإضافة لمحتوىً تقليدي من التعليم والثقافة.

كما أن الثالوث الحاكم يحتاج في مكونه الحضارى، وبعد أن تعرض ولثلاثة عقود لإعاقة سياسية متعمدة، إلى إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية بإعادة اكتشاف نفسه، ووضع تراثه العام من تراث عسكري وحزبي وتكنوقراطي، في مختبر النقد والبحث عن علاقات تفاعلية بينية معاصرة، في أهم القيم التشاركية، إضافة إلى التصالح مع ثقافة المواطنة والعمل بها على نحو فعال.

فثمة غبار كثيف و تلوث بالغ، يضرب المكونات وبنياتها الثقافية، في علاقتها بمتطلبات المواطنة على أساس الحق الأصيل في التطور. إن عدم وجود النظرية الملهمة القائدة للدولة والثورة معاً، تفسره تلك الأسباب وغيرها، من عدم التخلص من أمراض خلقها النظام السابق، (وليس البائد بعد) ونقل عدواها للأجهزة القائمة. فقد عمد النظام السابق إلى إعاقة كل الوطن، بأجهزته الاجتماعية والاقتصادية ومؤسساته السياسية والمهنية، فخلق علاقات محكومة بثقافة الخلاف والشقاق والكراهية، بدلاً من التوافق المتحرر من الأغراض الأمنية والتأمينية، التي سعى لتكريسها، والتي لا تتحقق إلا بتطبيق الشعار الكولونيالي الأشهر والأشد ذيوعاً: فرق تسد.

إن التعافي، كما إجراء عمليات العدالة الانتقالية، ربما تكون أوجب في هذه المرحلة، وقبل كل طبقات المجتمع، المجتمعات السياسية المتصدية للقيادة، التي تحتاج بإلحاح إلى تطبيقات إصلاحية وتصالحية، ربما استدعت اقتراح العمل بتقليد (القَلِد) كرمز للصلح والتصالح، في الثقافة الشرق سودانية، الذي تقوم الحاجة لانتشاره وذيوعه برداً وسلاماً على الحياة الاجتماعية السودانية العامة، تأسيساً وتعميقاً لثقافة المواطنة الحقة، التي لا يزال البحث عنها جارياً.

د. وجدي كامل
[email protected]

 

تعليق واحد

  1. ((العمل بتقليد (القَلِد) كرمز للصلح والتصالح))!
    أظنه القِلْد يا دكتور فهو تعريب لكلمة (guild) بالانجليزية والتي تعني الاتفاق والتوافق اتفاق والتآخي والوئام بين المتناحرين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..