مقالات سياسية

المهدي – الشيوعي وحمدوك و الصراع علي المكشوف

زين العابدين صالح عبد الرحمن

عندما يحاول أي مخرج إذا كان في المسرح أو السينما أو حتى في برامج التلفزيون و الإذاعة العادية، استخدام “المؤثرات الصاخبة” الأدوات التي تؤدي لحالة من الإنبهار أو الإندهاش، تأكد إنه يحاول أن يغطي علي ضعف في النص، لم يستطيع سحبه أو تغييره. و الإنبهار أو الإندهاش دائما يعطل العقل للحظات، لأن الشخص سوف يستخدم كل أحساسه أن يعيش لحظة الانبهار، و عندما يعيد الشخص استخدام العقل مرة أخرى، يكون النص قد تجاوز مساحة الضعف فيه. هذه الحالة تم نقلها للحقل السياسي من خلال استخدام الوسائط الإعلامية الاجتماعية، إذا كان في أختيار رئيس الوزراء، حتى لا يتم التمحيص المطلوب، إذا كان هو الأجدر للمنصب أم هناك أخرين، أو في الحوار الذي كان قد جرى بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري، حيث كانت هناك تفاهمات تجري في الغرف المغلقة، و هذه قد أشار إليها سكرتير الحزب الشيوعي في الندوة السياسية التي أقامها حزبه في ميدان المدرسة الأهلية بأمدرمان، و حتى في أختيار وزراء الحكومة الذي تخللته محاصصات.

هذه المؤثرات قد فشلت في عملية اختيار الولاة. لماذا؟ لآن اختيار الولاة ارتبطت بالدخول المباشر للقوى السياسية في عملية المشاركة و المحاصصة، و بالتالي تغيب العقل للحظة واحدة عند قيادة أي حزب سوف يضر بمصالحه، و يخرجه من هذا المولد. أن أختيار الولاة هو الصراع علي المكشوف بين القوى السياسية، لأنه صراع مصالح مباشرة، مرتبط بالانتخابات القادمة، و الصراع السياسي علي المكشوف سوف يشكك في كل الواجهات التي تستخدمها بعض الأحزاب. و أيضا سوف يفكك بعض التحالفات التي تعتقد بعض القوى سوف تحرمها من نيل نصيبها المطلوب، و تؤسس تحالفات جديدة تعبر عن المرحلة الجديدة. العديد من القوى السياسية عندما كانت كانت تعتقد أن تعين ولاة مدنيين و التخلص من العسكر سوف تقلل من حدوث الأزمات، و هذا الفهم ناتج من قلة الخبرة.

بعد الانتخابات التي عقبت الفترة الانتقالية لانتفاضة إبريل، و التي كان قد حصل فيها حزب الأمة علي ” 103″ دائرة انتخابية قال الأمام الصادق في أول خطاب له بعد الانتخابات، أن حزب الأمة قد تمدد بقوة في الطبقة الوسطى، لذلك استطاع أن يفوز علي أغلبية الدوائر في المدن، حيث كان البعض يقول أن نفوذ حزب الأمة يتمركز في الهامش باعتباره ما يزال يمثل طبقة الاقطاع، قول المهدي لم يكن وليد تلك الحظة، بل يشكل عند الرجل قناعة سياسية، لذلك يتأتى موقف حزب الأمة من تعين الولاة بناء علي هذه القناعة. و كان زبدة المؤتمر الصحفي الذي عقده حزب الأمة يوم الخميس و تحدث فيه عدد من القيادات، لكن يمثل حديث الدكتور مريم المهدي زبدة المؤتمر، عندما قالت أن ولاية الخرطوم هي ولاية استثنائية ذات خصوصية سياسية، و أمنية ،و اقتصادية، و دبلوماسية، يجب أن تستبعد عن المحاصصة، و هي تمثل ثلث سكان السودان، و كان المفروض أن يتفق علي أن يكون الوالي شخصية بعيدة عن الانتماء الحزبي، و مشهود لها بالكفاءة. وقالت أن عدد السكان في الخرطوم أكثر من عدد سبعة ولايات أخرى. و بالتالي ذهاب ولاية الخرطوم لأي قوى سياسية، تمثل عند حزب الأمة قسمة ضيزى. لأن التصور السياسي العام، أن الولاة لا يمثلون عملا إداريا مثل الخدمة المدنية، أنما هو عمل سياسي من الدرجة الأولي، و عليه يصبح التنافس قويا، خاصة ولاية الخرطوم، فهي الولاية التي تشكل أكبر تحدي علي أي سلطة. و قال حزب الأمة أنه قد اتفق مع رئيس الوزراء علي أصدار قانون جديد يوضح أختصاصات الولاة و دورهم في الفترة الانتقالية، لكن رئيس الوزراء لم يعره بالا، و بالتالي أن حزب الأمة لن يكتف بالرفض فقط، أنما سوف يطالب من جماهيره أن تقف في خانة المعارضة، خاصة في الولايات التي يعتقد تمثل ثقلا سكانيا.

السلطة تعني في الثقافة السياسية الصراع المباشر بين التيارات الفكرية و السياسية، و كما يقول ماركس لكي يصبح الصراع محتدما طبقيا و سياسيا لابد أن يدور علي مؤسسات الدولة، و استطاع الحزب الشيوعي أن ينقل هذا الصراع بشكل مباشر من الهامشية و الضرب علي الحزام إلي صراع مكشوف. كيف؟ عندما دعا الحزب الشيوعي إلي مدنية السلطة، كان مدركا أن الشروع في تعين الولاة و المجلس التشريعي سوف يفتح الصراع بشكل مباشر،و أيضا واضحا أمام الجماهير، الهدف من ذلك إحداث إرباك في الساحة السياسية، و المحاولة لإعادة ترتيبها من جديد وفقا للخيارات الجديدة. خاصة أن الساحة تشهد تعدد للتيارات السياسية التي تعبر عن مصالح متنوعة ” حزبية و شخصية و اجتماعية و غيرها” و الصراع المكشف يفضح هذه المصالح، و يعبر الحديث بشكل مباشر عن المصالح. و هي فكرة تقوم علي أن إحداث خضة سياسية كبير سوف تجعل الكل يراجع مواقفه، و يصبح الرجوع لمنصة التأسيس مسألة واجبة لإيجاد حلول للأزمة.

هذه الخضة قد حدثت بالفعل، عندما أعلن حزب الأمة رفضه لهذه المحاصصة، لأنها لم تتم بالصورة المطلوبة، و دون أصدار قانون يحدد مهامها، و قال مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، أن تعين الولاة تعني الرغبة في تزيف الانتخابات القادمة. كما أصدر تجمع المهنيين بيان ينقد الطريقة التي تم بها تعين الولاة لأنها تمت بمحاصصة بين القوى السياسية، و أيضا هناك اعتراضات من قبل لجان المقاومة في عدد من الولايات ترفض تعين ولاة في ولاياتهم. أن تعين الولاة لن تخفف من حدة الصراع السياسي بل سوف توسع دائرة الصراع، و تدخل فيه مجموعات مختلفة بمسميات مختلفة كواجهات لقوى سياسية، و أيضا الصراع سوف يشتد بين القوى السياسية في العديد من المناطق، و سوف تدخل الجماهير بثقلها في هذا الصراع لكي تحدد اتجاه المصلحة الوطنية و الشعبية، أن دخول الجماهير في الصراع سوف يقلق العديد من القوى.

قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مؤتمره الصحفي الآخير متحدثا عن جماعة ” المزرعة” أنه حديث غير صحيح و لا يتعدى ” Social media” و هؤلاء مستشارين، و تم اختيارهم علي هذا الاساس، هم يقدمون المشورة التي يطلبها منهم رئيس الوزراء. هذا حديث يجافي الحقيقية تمام، هي مجموعة تمثل تيارا فكريا واحدا، كان هؤلاء يعتقدون هم المجموعة التي سوف تحدث التغيير، لمصلحة الديمقراطية، و كانت مجموعة مترابطة لها مشروع، و هي التي روج لاختيار رئيس الوزراء، لأن الأغلبية من جماعة التغيير كانت تعمل في منظمة المجتمع المدني، لكن إغراءات السلطة أدت لتفكك هذه المجموعة، و هي التي تخطط الآن لرئيس الوزراء، و الدلالة علي ذلك هي التي تتفاوض مع بعض قيادات الأحزاب حول توزيع الحقائب الدستورية و الوظائف و غيرها، هل الإجراءات التي يقوم بها هؤلاء عمل استشاري؟ كان المخطط في الأول كيف أحداث أختراق داخل الحزب الشيوعي، و إعادة فتح الحوار داخله لمسألة التغيير، و نجحت بالفعل عندما استطاعت أن تؤثر علي البعض الذين طالبوا الحزب بإعادة النظر في عدم المشاركة في هياكل السلطة، و شعرت القيادة الاستالينية أن التأثير أصبح من القوة بمكان لذلك تراجعت و قالت أنها سوف تشارك في المجلس التشريعي. أن ما تقوله وسائل الاتصال الاجتماعي يمثل 85% من الحقيقة، و الآن أصبح لا يوجد هامش للمراوقة و المناورة، إذا كان عدم تعين ولاة مدنيين يمثل عائقا للتقدم ألان تم تعين هؤلاء المدنيين، و سوف يتم تعين في مجلس الوزراء، و مايزال المستشارون هم الذين يفاوضون علي تعين الوزراء و ليس السيد رئيس الوزراء، و تصبح الكورة أمام مجموعة نسميها مجموعة “التغيير الجديد” كما يحلو لهم بدلا عن ” مجموعة المزرعة” و كان المتوقع أن يقود هؤلاء صراعا سياسيا فكريا في المجتمع، يبقي الرهان فيه علي الأجيال الجديدة بوعيها و قدراتها الإبداعية، لكن هذا لم يحصل، و اعتقد هؤلاء أن يجعلوا من التعينات أداة للاستقطاب، هذه لا تحدث تغييرا لكنها تزيد من رقعة الانتهازيين و الوصوليين في المجتمع، حيث يصبح الطريق سالك للفساد.

أن تعين الولاة و حتى محاصصة مجلس الوزراء ليس النهاية بل هي بداية الصراع، الذي سوف ينتقل من ترتيبات الغرف المغلقة، و حياكة للحيل في الاماكن القاتمة، إلي صراع سياسي علي السطح، و بالمكشوف بين القوى السياسية، و تعين الولاة هو بداية الشروع في عملية الاستقطاب السياسي وسط الجماهير، و هي استعداد حقيقي للفترة ما بعد الانتقالية. لذلك سوف تكون الفترة الأصعب في الانتقالية، خاصة بعد مشاركة الجبهة الثورية، و سوف تشهد قيام تحالفات جديدة بدلا من السابقة. أرادها الزملاء أن تكون ثورة تروتسكية تحافظ علي ديمومتها، و لكي تستمر الثورة لابد من إحداث فوض خلاقة تهدف لأعادة ترتيب الأشياء من جديد.

الصراع علي المكشوف سوف يعطي العسكر فرصة للراحة، و مراقبة الأوضاع الجارية، لأن القوى السياسية سوف تكون جميعها مشغولة بصراعاتها و بناء تحالفاتها، الإسلاميون الذين يقفون علي السياج لمراقبة الأوضاع، سوف تسعى إليهم بعض القوى لجذبهم للساحة السياسة، و أيضا جذب العديد من آهل المصالح، لآن صراع السلطة أكثر الصراعات التي تدغدغ قلوب أصحاب المصالح، و هي مرحلة رغم خطورتها لكنها ضرورية جدا لأنها سوف تطشف كل المخبأ. و سوف نعود. نسأل الله حسن البصيرة.

زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. مجموعة المزرعة كلام فاضي وتحدى حمدوك ان هناك مجموعة وانما هم اربعة مستشارين يتحركون في عدة اتجاهات بناء على اوامر حمدوك ، وحكاية انه المستشارين هم من يفاوضون في موضوع تعيين الوزراء ، طيب انت عايز حمدوك يعمل ده كله لحاله هو سوبرمان يعني.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..