أخبار السودان

الداعي ودعواه

نبيل أديب عبدالله المحامي

لا جدال في أن الحكومة في أعلى مستوياتها، عن طريق رئيس الجمهورية، هي التي طرحت الدعوة للحوار الوطني وحددت ركائزه الأربعة. ورغم ذلك، فمن السذاجة تصور أن طرحاً بهذا الشكل، يمكن أن يجمع على قبوله حزب ولغ في السلطة حتي سالت على شدقيه، مع ما ينذر به هذا الطرح من إحتمال تقليص تلك السلطة، إن لم يكن زوالها بالكامل. إذاً فمن المؤكد أن تكون هنالك أقسام فاعلة في دهاليز السلطة، غير مقتنعة بالطرح أو غير راضية عنه. من الجهة الأخرى فإن المعارضة أيضاً كانت بما مر عليها من إتفاقات أبرمتها مع النظام ثم أُجهِضت، أقرب إلى الشك في جدوى إتفاق آخر مع نظام برع في أساليب إفراغ الإتفاقات من مضمونها. بين خشية من يرى ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الطرح الرئاسي من تغيير، وقنوط من لا يرى فيه ما يؤدي لتغيير، رأى بعض من المعارضين في الحوار مخرجاً من أزمة قد تؤدي لصوملة أو أفغنة فأقبلوا عليه. وهكذا كانت بدأ الحوار متعثراً ويفتقد عناصراً فاعلة وضرورية.

كان على الحكومة أن تأخذ خطوات لتطمئن المتشككين، وقد فعلت حين أصدرت القرار الرئاسي بتنظيم الأنشطة الحزبية، والذي قطع، رغم ما شابه من مثالب، مساحة معتبرة في الطريق الصحيح، فتمكنت أحزاب معارضة لأول مرة بعد زمن طويل من عقد ليالي سياسية دون إتخاذ أي إجراء لفض الليلة أو معاقبة المتحدثين. ولكن سرعان ما إنقلبت الحكومة على عقبيها وطغى التراجع عن ما سمحت به في مجال الحريات العامة على قراراتها وإجراءاتها، ومن ضمنها إغلاق الصحف ومحاكمة الناشطين، وأبرزها إحتجاز الإمام الصادق وإتخاذ إجراءات قانونية في مواجهته، وآخرها إحتجاز أستاذ/ إبراهيم الشيخ وتوجيه إتهامات له.

لا جدال في أنه بعد إنسحاب حزب الأمة وجماعة الإصلاح إلآن لم يعد هنالك حوار وطني، فالحوار بين المؤتمرين يصعب وصفه بحوار وطني مهما إشتط بنا الخيال. إنني أدعو الحكومة الآن لإستعادة طرحها ولا أشككك فيه. على الحكومة أن تسمح لصحيفة الصيحة بمعاودة الصدور، وأن تطلق سراح المعتقلين وأن تسقط الإتهامات ضد الإمام والأستاذ/ إبراهيم الشيخ فوراً. إذا أرادت أن يكون هنالك حواراً، عليها أن تفعل ذلك، لأنه بدون حرية صحافة لاتوجد حرية، وإذا كانت تدعو لحوار أحد ركائزه نشر الحريات العامة، فلترفع يدها عن الصحافة. بالنسبة لرئيسي الحزبين لايجوز للحكومة أن تتذرع بمخالفتهما مواد في القانون، فلو صح ذلك، فتلك المواد لم تنمو على الأشجار، أو تسقط مع الأمطار، بل هي مواد شرعتها الحكومة لحماية نفسها في أيام السلطوية الأولى، ولو كانت جادة في الحوار فعليها أن تلغيها دون حاجة لأي ضجيج إضافي .

الحوار الوطني هو نقاش حر غير مقيد وهو لن يبدأ عندما تدق الحكومة له جرساً يبدأ به، بل يفترض أنه بدأ بالفعل. كما أنه لا يقتصر على أشخاص معينين، ولا مكان معين، لذلك فإنه من حق كل شخص أن يقول رأيه في المسائل المطروحة للحوار حتى يثري الحوار، وحتى يمكن أن يتم خلق إتفاق شعبي حول المسائل المطروحة للحوار.

أي تقييد لحرية التعبير فيما يتعلق بالشأن العام، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالمسائل المطروحة للحوار، يلغي الغرض من الحوار ويشكك في جدواه . على صاحب الدعوة أن ينقذ دعواه، أو فلينفض السامر. إذ ليس هنالك دعوة إذا أغلق صاحب الدعوة بابه في وجه الحضور.

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..