يوغا نسائية بحماية أمنية على شواطئ طرابلس الليبية

تحمل مجموعة من النساء كل خميس الحصائر الملونة والمرتبة بعناية وتتوجه نحو الشاطئ في شرق العاصمة الليبية لممارسة رياضة اليوغا في الهواء الطلق، بعيدا عن رقابة مجتمع محافظ وخيبات يومية متواصلة في البلاد منذ 6 سنوات.
العرب
طرابلس – محاطات بحماية سيارة شرطة، تسير نحو 25 امرأة بملابسهن الرياضية بين بيوت مجمع ?الريغاتا? السياحي المهجور منذ ثورة 2011، ليفترشن ولمدة ساعة الشاطئ المقابل للمجمع، ويتابعن بحماسة تعليمات المدربة.
وتقول مودة إحدى المشاركات في التمارين ?اليوغا تخرجني من الضغوط التي أعيش فيها. أستطيع هنا أن انفصل عن العالم الواقعي?. وتضيف، وهي تهمّ بالخروج من مبنى النادي باتجاه البحر، ?علينا أن نجد مكانا لنا وحدنا، وهذا المكان يوفر لنا المدى الذي ننشده. نشعر بالحرية هنا?.
ويعيش الليبيون عموما منذ ست سنوات على وقع أزمات متواصلة، لعل آخرها ما خلفه النزاع المسلح على الحكم الذي قسّم البلاد وأضعف مؤسسات الدولة ودمر الاقتصاد وسمح لتنظيمات متطرفة على غرار داعش بأن تتغلغل في بعض المدن وتعيث فيها فسادا.
ودفع هذا النزاع الآلاف من الليبيين إلى مغادرة بلادهم الغنية بالنفط والمعالم الأثرية والجبال والصحارى والشواطئ الممتدة على ساحل يبلغ طوله قرابة 1770 كلم، في حين أجبر من بقوا على أن يحددوا نمط حياتهم اليومية في مكانين لا ثالث لهما هما العمل والمنزل.
وفي مدينة غالبا ما شهدت مواجهات بين جماعاتها المسلحة وتفتقد للنشاطات الترفيهية الرئيسية وبينها السينما والمسرح، تبحث نساء طرابلس عن أي متنفس في مجتمع محافظ يفرض بطريقة غير مباشرة قيودا على تنقلات المرأة مثل التواجد وحيدة في مقهى، وعلى ملبسها أيضا.
ولا يحول التقيّد بارتداء ملابس معيّنة وتغطية الرؤوس في أغلب الأماكن بين نساء طرابلس وبين شغفهن بالموضة الإيطالية والموسيقى الغربية وقيادة السيارات الحديثة والسفر كلما توفرت الفرصة والعمل والتعلم والحماسة لاختبار كل جديد.
وفي مجمع الريغاتا، وفرت في بداية الشهر الحالي مديرة نادي ?بي فيت? الرياضي عبير بن يوشح هذا الجديد، حيث تقول ?شعرنا بأن المرأة بعد الحرب تحتاج لترفيه وإلى تغيير?.
نساء طرابلس يبحثن عن أي متنفس في مجتمع محافظ يفرض بطريقة غير مباشرة قيودا على تنقلات المرأة
وتتابع بحماسة ?أضفنا اليوغا على الشاطئ بعدما كنا قد أدخلنا إلى نادينا العديد من الرياضات الأخرى وبينها الزومبا والرقص الهندي والعربي الممزوج بالحركات الرياضية?.
وعلى الشاطئ حيث تنتشر الأكواخ الخشبية الفارغة تطبق النساء الرياضيات تعليمات المدربة على بعد أمتار قليلة من البحر. وتبدو بالقرب من الشاطئ العشرات من الأبنية المهجورة وأمامها شوارع خالية من المارة والسيارات.
ومجمع الريغاتا كان مخصصا للأجانب الذين عملوا في شركات النفط خصوصا وعاشوا في مدينة طرابلس لسنوات إلى أن غادروها مع اندلاع الثورة التي أعقبها اقتحام المجمع من قبل مجموعات مسلحة للاستيلاء على منازل أفراد عائلة معمر القذافي فيه.
وسرعان ما أصبح المجمع بكامل منازله مقرا لهذه المجموعات حتى اندلاع معارك صيف العام 2014 وخروجها منه.
ورياضة اليوغا ليست حديثة بالنسبة إلى الليبيات، لكن جديدها يكمن في الريغاتا، أي ممارستها على الشاطئ وفي الهواء الطلق، وهي فكرة شابها في بدايتها، بحسب عبير، الخوف من ردة فعل المجتمع.
وتقول عبير ?كنت أخشى على سمعة النادي وأن يقال إننا منفتحات ومتحررات أكثر مما يجب. خفت من ردة فعل الأزواج والآباء. لكن الناس محتاجون فعلا لجديد وإلى ترفيه، وإلى أن يعيشوا كما يعيش سكان أي دولة أخرى?.
وتشير عبير إلى أن الجلسة الأولى ?كانت ضعيفة. النساء جئن للمشاهدة والاطمئنان على مستوى الأمن هنا. وعندما رأين سيارة الشرطة ترافقهن خطوة خطوة حتى الشاطئ، ووجدن أن المكان فارغ، شعرن بالاطمئنان وارتفع عدد المشاركات?. ولا تتوقع عبير ?أن تتقبل الفكرة كل شرائح المجتمع?، لكنها تطالب النساء ?بأن يجربن ثم يبدين آراءهن?.
ويتم الترويج للرياضة المستحدثة على صفحة النادي على فيسبوك، وفقا للعبارة التالية ?مفاجأة شهر أبريل كل يوم خميس حصة يوغا على شط البحر?. واستقطب الإعلان تعليقات عدة وأسئلة عن المكان والتعريفة، إلى جانب الترحيب بالفكرة وطرحها على صديقات أخريات. وقد قابلها عدد قليل بالتشكيك، فكتبت إحداهن ?حسستمونا أن طرابلس أمن وأمان?.