سلطانة.. على اجنحة الحلم ترفرف بدراسة الفيزياء الفلكية في أمريكا

إعداد: عمار عوض
جميع الطلاب الذين يستعدون للذهاب إلى الكلية في خريف هذا العام، لن يكونوا واجهوا رحلة مملوءة بالمخاطر مثل فتاة شابة تدعى «سلطانة» التي لن نكشف اسم عائلتها كما مسقط رأسها، خوفاً من أن تكون عرضة لإطلاق النار.
تعود تفاصيل القصة المملوءة بالحلم والإصرار على العلم إلى حيث تعيش «سلطانة» في أحد معاقل «طالبان» في جنوبي أفغانستان، والتي عندما كانت في الصف الخامس زار منزلها وفد من الحركة لتحذير والدها وإرغامها على الخروج من المدرسة، وإلا سيكون وجهها مصيره التشويه بماء النار لتصبح بعده أسيرة جدران منزلها العالية التي بدورها أيضاً حفظت سرها الخطير القائم على تعليمها نفسها بنفسها.
تقول سلطانة وهي تضحك أثناء حديثها عبر الاسكايب «أنا لا يمكن إيقافي» قالتها لصحيفة «نيويورك تايمز» بإنجليزية واضحة حيث إنها علمت نفسها هذه اللغة من الصحف التي كان يجلبها إخوانها من حين إلى آخر للمنزل وقاموس الباشتو- الإنجليزية، الذي ساعدها كثيراً، ولكنها استطاعت أن تقفز خارج أسوار المجمع السكني الذي تسكنه مع عائلتها، عندما قام والدها رجل الأعمال بإيصال المنزل بشبكة الإنترنت لتقول «لقد أحطت نفسي باللغة الإنجليزية، كل يوم».
واليوم صارت لغتها الإنجليزية طلقة للغاية مثلها مثل المترجمين الأفغان الذين قابلتهم بحسب الكاتب نيكولاس كريستوف الذي تحدث معها، وواصلت سلطانة قولها له: بعد أن أتقنت اللغة الإنجليزية أصبحت أدرس الجبر، والهندسة وحساب المثلثات، وأخيراً حساب التفاضل والتكامل لتقول «كنت أستيقظ حوالي الخامسة صباحاً، وأشرع في التهام مقاطع الفيديو لحساب التفاضل والتكامل، وأعمل على حل المعادلات وحتى مطالعات سلسلة النظريات الأخرى».
سلطانة التي تبلغ من العمر الآن 20 عاماً، تقول إنها لم تغادر منزلها سوى خمس مرات في السنة، وأنها يجب عليها وقتها ارتداء النقاب، وأن تكون برفقة أقربائها من الذكور، ولكن على الإنترنت كانت «سلطانة» حرة بما فيه الكفاية، إذ كانت تقرأ كتب الفيزياء، وأخذ دورات على EDX والكورسيرا، لكنها ترى أنها وحدها ما كان لها تحقيق كل شيء، وهو ما حدث بعد قراءة كتاب في الفيزياء الفلكية للورنس كراوس، عالم الفيزياء النظرية في جامعة ولاية أريزونا، الذي تواصلت معه عبر الاسكايب الذي قال إنه شعر بالرهبة عندما بدأت الطالبة التي لم تنل حظاً في التعليم النظامي في أفغانستان تطرح عليه أسئلة حول الفيزياء الفلكية، ويقول كراوس «لقد كانت محادثة سريالية سألت أسئلة ذكية جداً حول المادة المظلمة». ليصبح كراوس أحد الداعمين لسلطانة جنباً إلى جنب مع أميلي روبرتس، التي كانت تدرس في المرحلة الجامعية في جامعة ايوا، لتتغير حياة سلطانة بعد أن تقدموا للحصول على برنامج لغات وتواصل وتبادل متصل معها.
ما كان مدهشاً أن أميلي وسلطانة أصبحتا صديقتين بسرعة نسبة لتواصلهما عبر الاسكايب، الذي كانتا تستخدمانه للحديث بشكل يومي، ليصير إثر ذلك حلم سلطانة بأن تصبح أستاذة فيزياء قريب المنال، خاصة بعد أن بدأت أميلي استكشاف ما الذي يستوجب على سلطانة عمله للدراسة في الولايات المتحدة.
وبمساعدة أميلي، تم قبول سلطانة من قبل كلية المجتمع في ولاية ايوا، مع التزام جامعة ولاية أريزونا لاصطحابها كطالبة في وقت لاحق من العام، لتعمد بعده أميلي على إنشاء موقع على شبكة الإنترنت لجمع الأموال للتعليم الجامعي اللازم لسلطانة، التي تقول وتصر على تذكيرنا: بأن أكبر مورد غير مستغل في جميع أنحاء العالم ليس الذهب أو النفط، ولكنه «نصف السكان من الإناث». ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن وصلات الإنترنت يمكن أن تساعد في تغيير قواعد اللعبة.
لكن من جهة أخرى فإن عائلة سلطانة تشعر بالقلق من حبها الدافق للتعليم إذ تقول: قالت لي أمي كيف لفتاة أن تذهب وحدها إلى العالم المسيحي لكنني قلت «سوف أموت إذا وقفوا في طريقي». لكن للأسف فإن الولايات المتحدة من جانبها لا تساعد هي الأخرى، ففي الشهر الماضي رفضت السفارة الأمريكية في كابول طلب سلطانة عندما تقدمت للحصول على تأشيرة طالب، وهو ما يحدث في كل وقت: شباب وشابات نوابغ ورائعون يتم قبولهم في الجامعات الأمريكية، ولكن لا تعطى لهم تأشيرات دخول بموجب القانون الأمريكي الذي ينظر اليهم من منظار مخاطر الهجرة. (كمسلمة ستكون سلطانة يشملها حظر دخول الولايات المتحدة الذي اقترحه دونالد ترامب لكنها ترد بقدر كبير من الكرامة وبهدوء «أنه يعتقد-أي ترامب- أن جميع المسلمين أشرار إنه أمر مؤلم»).
يشار إلى أن للسيدة الأولى ميشيل أوباما حملة مثيرة للإعجاب والتي تدعو إلى تعليم الفتيات، ولكن مع هذا فإدارة زوجها تبدو غير متحمسة بالقدر الكافي، إذا نظرنا لرفض أمريكا للتأشيرات التي من شأنها أن تسمح بدخول الفتيات للتعلم.
والولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات لمكافحة الإرهاب ولكن عليها أن تفهم أنه في بعض الأحيان أن أكثر الأسلحة فعالية ضد الإرهابيين، ليست طائرة بدون طيار، ولكن فتاة تحمل كتاباً، و«طالبان» فهمت ذلك ولهذا السبب أطلقوا النار على «ملالا» -حازت على جائزة نوبل للسلام بعد ذلك-.
سلطانة تنفق الآن أيامها في العمل على حل معادلات حساب التفاضل والتكامل، والاستماع إلى بون جوفي، والاستماع إلى «بي بي سي» أثناء القيام بالأعباء المنزلية، أو أشرطة الكاسيت، كما أنها قارئة مداومة على «تايمز» منذ فترة طويلة، حيث تحصل عليها عبر البريد الإلكتروني، وتقول سلطانة إنها الآن تقرأ «نقد العقل الخالص» للفيلسوف كانط.
في الوقت الذي تنتظر فيه نتيجة طلبها الخاص بالتأشيرة يوم 13 يونيو/حزيران الحالي، يومها لن تعرف «سلطانة» نتيجة اختبارها، ولكن السياسة الأمريكية ستكون عرضة للاختبار أيضاً وسوف تتيح لنا معرفة ما سيحدث لهذا الطلب.
الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..