آفة الغرور في أجنحة العصفور..!

التمدد على الأرض في كل دروبها أفقياً وفي مساحة الحياة على مختلف ضروبها .. مثله مثل الصعود في الفضاء الى أعلى في تطاوله العمودي.. فلكل خطىً على التراب سعة صدرها ومقدرة أنفاسها .. وهي تخضع لفرضية التناسب .. فالسلاحف ليست كالخيول ولا الآرانب هي النمور فلكل منها قدره المحسوب له بدقة في مسيرته على اليابسة مثلما للكائنات التي تسبح في البحار والأنهار قدرها المحسوب وفق مقدرتها على التعايش في بيئتها والتكيف معها !
أجنحة العصفور ليست كأجنحة الصقور والنسوربالطبع .. فهي لن تستطع عبور الخط المرسوم لها في آفاق التحليق وإلا إنطبق عليها المثل .. ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع !
في بداية تلمس خطاي الغضة لمضمار الصحافة في منتصف سبعينيات القرن الماضي وكنت ولهاً بها الى درجة الذوبان في عشق الحرف.. قادتني الظروف للعمل في إحدى المدن الكبيرة خارج العاصمة .. وما أن وطأت قدماي ثرى تلك الدرة الريفية الساحرة حتى طفقت أبحث عن اهل الكلمة من شعراء وصحفيين وأدباء و كذا اهل النغم للتعرف عليهم ..فالتقيت بأحد فناني المدينة وكان هو فرحاً بي أكثر مما تصورت بل لعلها كانت أول مرة يجد فرصة لتسليط الأضواء عليه في صحافة العاصمة وما أدراك ما قيمة أن يجد أى فنان ٍمبتدي فرصة الظهور في دائرة أضوائها المبهرة!
أخذ الشاب بعد ان أجريت معه لقاءاً صحفياً مطولا يطوف بي على أصدقائه في المكاتب والمجالس والأندية وهو مغتبط بهذه السانحة التي وصفها بالذهبية وكأنه إلتقي بمحمد حسنين هيكل الى درجة أخجلت تواضعي وأنا الصحفي الكتكوت وقتها الذي كان بالكاد يمد راسة من تحت قشرة بيضة صاحبة الجلالة وسط أساطينها و نجومها من المغردين الكبار !
بعد عدة اشهر وقد عدت الى العاصمة .. شاهدت صاحبنا من خلال تلفزوين أم درمان وهو يغني أغنية إشتهر بها وقتها في مدينته البعيدة .. فعرفت أنه جاء الى الخرطوم.. قابلته صدفة في المحطة الوسطى يرتدي قميصاً ملونا بل مزركشاً على خلاف ما كان يلبس في مدينته و شعره يتلالا وكأنه قادم لتوه من صالون التجميل .. مد لي طر ف اصابع يده بثتاقل وهو ينظر الى ساعته و يؤشر الى سيارة الأجرة وكان يردد .. أنا مستعجل ومشغول جداً ولدي إرتباطات ما أنزل الله بها من سلطان .. في الإذاعة والتلفزيون ومع الصحفيين المهمين و لا أستطيع أن أعدك باي لقاء ..فأعذرني يا شاب .. ثم إنصرف عني وسط إستغرابي لهذا التبدل المفاجي بل والمبكر على من لا زال يحبو في طريق الفن الطويل ولعله قد تلبسه شعور الكبرياء والوهم الذي سيقتل موهبته في مهدها!
ومن يومها بالفعل أدركت أن نسمة الغرور التي داعبت أجنحة ذلك العصفور القادم الى قلب العاصفة لن تصمد طويلا في تحليقه بعيداً عن المدى المرسوم له كمبتديْ . وبالفعل لم يعرف له الناس تسجيلاً في التلفزيون إلا بيضة الديك تلك .. وأندثر ذكره في ركام التكبر و ولم يلبث أن تناثر فوقه غبار النسيان على القل على المستوى القومي!
هي رسالة أبعثها لكل من وضع او ..وضعت قدميها على عتبة الشهرة من خلال الفرص التي قد يجود بها الدهر عليهم أو عليهن .. فحذاري ان يعتقدوا أو يعتقدن أن مجرد نقطة الضوء العابرة هذه هي إمتلاك شمس المجد !
فالصعود على العتبات الهشة بحذر و تروٍ هو ما يوصل الى القمة الحقيقية ولو طال المسير أما التهافت لتخطىي الدرجات بلهفة وتشوق الى أعلى فهو السقوط المدوي بعينه !
فاشهد اللهم إني بلغت .

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..