قبل شربوت العيد

التهنأة لكل الشعب السوداني المغلوب على أمره والذي لم يجد بدا من أن يتدبّر أموره بنفسه بعدما يئس من ضعف حكومتنا المنشغلة بخلافات لاتسمن ولاتغني من جوع ، فقد قام نفر من الشعب بفتح الطريق التي أغلقها إخوتهم احتجاجا على تعيين الحكومة لأحد الولاة .
غياب الأمن ، الذي حذرنا منه مرارا وتكرارا يبقى سببا مباشرا في كل مايحدث من عجائب في أرض الوطن ، وقوى الحرية والتغيير خسر فصيل كامل فيها مشروعية التأييد ، فالعهد معه كان إرساء دعائم الحكم المدني ، وبتحالفه مع الحركات العسكرية المسلحة وتوقيعه معها حتى دون الرجوع لقواعده ، أسقط سبب التأييد دون شك ، وماعاد ذاك الفصيل يشبه الثورة أو ينتمي لتطلعاتها ، بعدما قام بانقلابه على المدنية ، وتسبب في ضعضعة قرارات الحكومة التي من المفترض أن يكون مدافعا عنها .
تعيين الولاة الذي وضع كل البلاد أمام الأمر الواقع ، ماكان يجب أن يتم بهذه الطريقة ، ولكن مهما كان رأينا فيه ، فإن الهجوم المنظم على رئيس الوزراء في الأونة الأخيرة أمر غير مقبول ، وهو سيناريو لشغل الحكومة بما يقعدها عن الانجاز ويدفعها للفشل ، فقد أفلح راسم السيناريو في جعل من أطلق عليهم شلة المزرعة يخرجون بتصريحات إعلامية مختلفة ينفون فيها تأثيرهم المباشر على الأحداث ، وربما كان في ذلك فرصة تاريخية للشفيع خضر الذي تحدث بشفافية عن رؤيته الواقعية التي يلتقي حولها كل السودانيين ، الفيديو المتداول كان واضحا وصريحا ونادى بالحوار والمشاركة الوطنية .
ورغم رأينا في مختلف الكتل والمكونات السياسية سارقة الثورة وأعداءها من مختلف التيارات إلا أن الثورة لم تقطع شبرا واحدا رغم انقضاء أكثر من عام على نجاحها ، وماتتداوله وسائل الاعلام من تسريبات ، مضافا إليها انعدام الشفافية من المسؤوولين ، يجعلنا نقول بوضوح أن الجميع يجب أن يلعب على المكشوف ، فلايمكن أن تمضي الأمور بماهي عليه الآن .
الحوار مع الإسلاميين ، والعلاقات مع دول الجوار والإقليم ، والمحاصصات الحزبية ، والحوار مع الحركات المسلحة ، ومختلف التسويات التي تجري بالسر ، والتوترات القائمة بين المكونين المدني والعسكري ، وانتقادات رئيس اللجنة الاقتصادية للحكومة في فشل الاقتصاد الذي يرأس لجنته ، واجتماعات بيت الامام ، ومناطحات قحت فيما بينها ، وتكتل الاسلاميين لتخريب كل ماتقوم به الحكومة ، ومختلف التحركات القائمة من وراء ظهر الثوار ، يجب أن تكون في العلن ، وأتفق تماما مع الشفيع خضر في أن الحوار مع كل الأطراف وإشراك كل المكونات والاثنيات في حكم البلاد ، حق مستحق لايملك أحد أن يمنع منه أحد ، ومن ارتكب أي جرم في حق الشعب يجب أن يحاسب بقدر جرمه ، فالثورة قامت لإرساء دولة الحرية والسلام والعدالة والقانون ، لا للإقصاء والتّشفّي وصناعة مزيد من الأحقاد وخلق هوة بين الشباب بسبب التوجه السياسي أو الإنتماء المناطقي والإثني ، ولكنها دولة للعلماني فيها حق وللاسلامي فيها حق ولليبرالي وغيره حق .
المطالبة بالعلمانية استفزاز لقطاع كبير من الشعب السوداني لا الإسلاميين وحدهم ، فتركيبة الشعب السوداني في معظمها صوفية ، واستمداد القوانين من الشريعة الاسلامية أمر طبيعي وواجب ، وكل دول المنطقة استهلت شرائعها وقوانينها بالاستمداد من شرع الله ، وثورة المحسوبين على الاسلام على التعديلات الدستورية الأخيرة لم تنبع من فتوى أو منطق ، وقد خصمت كثيرا من مفهوم الدين في عقل الشباب اليافعين ، فاستمداد القوانين من الشريعة لايعني تقييد الحريات ، ولايعني مجافاة الثورة ، فالاسلام يقرّ بأن الكل يولدون أحرارا ولايجوز استعبادهم ، ويقرّ بحقوق المرأة والرجل والطفل ، ويقرّ بكل ماطالبت به الثورة من حرية وسلام وعدالة ، ووزير العدل عندما قام بتعديل بعض القوانين ، لم يخرج عن هذا النطاق ، ولكن الظرف الذي أعلن فيه تلك التعديلات والطريقة التي طرحها بها هي التي أدّت لكل هذا اللقط والجدل .
الحكومة المدنية منذ نجاح الثورة جاءت منقوصة معاقة ، ويكفي أن الجدل حول الوثيقة الدستورية لايزال مشتعلا ، وتعيين ولاة مدنيين لاكمال خطوة أخرى في طريق الحكم المدني يجب أن لايقابله الناس بالرفض ، فالولاة المكلفين أمدهم محدود ، والوالي لايحكم الولاية وحده ، فحكم الولاية يستوجب جيشا من الحكام بدءا بنائب الوالي ومجلسه الاستشاري ووزراءه ومستشاريه ومدراءه وغير ذلك من الوظائف الحكمية المؤثرة والتي يمكن أن يتم فيها توافق وتوازن لايخل بمعايير الثورة ، وفي ذات الوقت يساهم في إشراك أكبر قدر من المكونات وبروح الفريق الواحد ، فلدولة القانون ثمن لابد أن تسديده ، ومن ذلك الثمن قبولنا بمن يتم توليته علينا بالمعايير المتفق عليها ومعاونته بدلا عن محاربته ، لأن الصراع يقعد الولاية ويدفع الجميع ثمنه ،ونحن نريد للفترة القادمة أن تكون فترة تنافس إيجابي بين الولايات في التنمية والنهوض والتطور .
شباب الثورة لازالوا يسيرون في الاتجاه الصحيح ، ولجان الأحياء في كل مكان تعمل بهمة ونشاط في التعمير والترميم والتوعية وبسط الأمن والاستقرار وتخفيف عبء المعيشة ، وساستنا الذين يفترض فيهم القيام بتلك المهام منشغلون بصراعات لامعنى لها ، فالمؤتمر الوطني لن يعود قريبا سواء تحاور مع هذا الفصيل أو ذاك ، وسواء دعمه هذا المكون أو ذاك ، والانقلابات العسكرية لن يقبلها أحد سواء رضي الجيش أم أبى ، والحركات المسلحة لن تتمكن من فرض واقع بالضغوط أو القوة حتى لو تحالفت مع تجمّع المهنيين أو قحت أو الاسلاميين ، والإمام لن يجلس من جديد على كرسي رئاسة الوزراء ، ولا أبناؤه سيحتلون موقعا قياديا في الدولة إلا بمعيار كفاءتهم وأحقيتهم كمواطنين لا كأبناء المهدي ، ومايحدث في الساحة ليس سوى مساومات غبية تنتظر عطاء من لايملك لمن لايستحق ، فصاحب الكلمة الأولى والأخيرة هو الشعب ، والسواد الغالب من الشعب السوداني ينتمي لفصيلة الشباب ، وهم الأمل المرتجى الذي نتمنى منه نبذ كل أسباب التباغض والفرقة ، والتكاتف والتوحّد والقفز فوق المرارات ليتمكنوا من بناء الوطن ، فهم آخر أمل تبقّى ، وقد بلغت
عبدالدين سلامه
[email protected]