مقالات سياسية

ملاحظات اولية حول البيان الختامي لاجتماع القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الاطاري

د. احمد عثمان عمر
 اجتمعت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الاطاري بمدينة اديس ابابا في الفترة من ١٤ الى ١٥ اغسطس ٢٠٢٣م ، واصدرت على اثر ذلك بيانا ختاميًا ، نوجز ملاحظاتنا حوله فيما يلي:
١- بدلا من البدء بتحليل طبيعة الصراع وتقديم سرد تاريخي يحدد طبيعة الازمة واسبابها ، بدأ البيان بتداعيات الحرب وبالمسألة الانسانية وحماية المدنيين، وهذا عفى المجتمعين من امرين: تكييف الصراع واتخاذ موقف منه منذ البداية ، بناء الخطوات المطلوبة على هذا الموقف لا استباقًا له، حتى لا يأتي الموقف محايدا او عاما كموقف من هو ليس جزءا من خارطة الصراع السياسي. لذلك ابتدر البيان موقفه بإدانة الجرائم الجسيمة والانتهاكات الناتجة عن الحرب، بمعزل عما سبقها من جرائم مستمرة ارتكبها الطرفان المتحاربان ، وهذا اعفى المجتمعين من التصدي لدورهم في افلات هؤلاء المجرمين من العقاب ، وتمكينهم عبر شراكة الدم ، وخلق المسار الذي ادى الى الحرب الراهنة. والجدير بالذكر ان تسمية الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب بالانتهاكات ، هو تخفيف لها وتغطية لطبيعتها القذرة، و يعتبر خطأ قانونيا بينا يقلل من فرص الضغط في اتجاه تحقيق دولي واحالة هذه الجرائم الى القضاء الجنائي الدولي. فالبيان بعد ان اشار للجرائم الجسيمة مع الانتهاكات في فقرته الاولى، لم يرتب على ذلك النتائج الطبيعية ، وانتقل لمعاملة الامر من حيث النتائج على انه مجرد انتهاكات.
٢- شدد البيان على ضرورة وقف جميع انواع الانتهاكات فورا واجراء تحقيق مستقل يحدد المنتهكين ويحاسبهم، ولم ير تناقضا بين ذلك وبين تحديده في البند الاول منه الدعم السريع والقوات المسلحة كمرتكبة لهذه الانتهاكات ، كما لم يحدد ما المقصود بالتحقيق المستقل ومن سيقوم به. والصحيح هو كان ان يحمل قيادة الجيش المختطف وقيادة الجنجويد “الدعم المسئولية كاملة عن الجرائم الجسيمة وليس الانتهاكات فقط، وينادي بجلب الطرفين للعدالة، مع المطالبة بتحقيق دولي، لاستكمال جلب المنفذين للانتهاكات على الارض عبر تحقيق دولي مستقل فعليا ، باعتبار ان القانون الجنائي الدولي يفترض قيام مسئولية القيادة في الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، لحين اثبات هذه القيادة انها لم تصدر الاوامر ولم يكن بإمكانها منع وقوع الجرائم وانها قامت بمحاسبة مرتكبيها.
٣- السرد لاسباب وجذور الحرب الذي اتى متأخرا بعد اتخاذ موقف من الجرائم التي تم التعامل الفعلي معها على انها مجرد انتهاكات ، جاء معمما جدا ونسب جذور واسباب الحرب لتراكمات سلبية صاحبت انظمة الحكم الوطني منذ الاستقلال وغياب مشروع وطني، لم تحدد سماته العامة ولا طبيعته ، وبذلك اعفت القوى المجتمعة نفسها من طرح هذا المشروع او تحديد ملامحه على الاقل. بعد ذلك تم الانتقال لتحميل الانقاذ دفع الازمة الوطنية الى قمتها، وتأكيد ان النظام الشمولي وحزب المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته السياسية اختطفت اجهزة الدولة ولا سيما المؤسسة الامنية والعسكرية ، وعمدت لتخريب الانتقال بدفع المؤسسة العسكرية الى انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م. وفي هذا امرين خاطئين تمامًا هما:
أ. افتراض وجود انتقال تم تخريبه، في حين انه لم يكن هناك اي انتقال في ظل سيطرة اللجنة الامنية للانقاذ عبر شراكة الدم. وزعم وجود انتقال الغرض منه تبرير هذه الشراكة بالذات ، والايهام بأنها كان من الممكن ان تنتج انتقالا يستحيل انتاجه في ظل استمرار التمكين الامني والعسكري للانقاذ.
ب. عدم تسمية اللجنة الامنية للانقاذ بصورة قطعية وتحديد اطرافها ، وتأكيد ان الجيش المختطف والجنجويد معا هما من منعا الانتقال وارتكبا جميع الجرائم بالاتفاق في اطار الجريمة المنظمة. الخطأين هما اساس الاختلاف مع قوى التغييرالجذري، لأنهما يمنعان من تحديد العدو ووضع استراتيجية تحرم الشراكة معه. ماتم حقيقة هو منع الانتقال وليس تخريبه، عبر انقلاب القصر الذي فرض شراكة الدم لاحتواء الثورة بغرض تصفيتها، وشاركت القوى المجتمعة صاحبة البيان بكل اسف في هذا الاحتواء.
٤- الزعم بأن اشعال الحرب تم لقطع الطريق على العملية السياسية واستكمال الاتفاق الاطاري ، يشي بأن الاتفاق الاطاري وعمليته السياسية القائمة على الشراكة كانت صحيحة، وانها كانت ضد المؤتمر الوطني وانها ستخرجه من المعادلة السياسية، لذلك قامت اجهزته الامنية والعسكرية باشعال الحرب. وهذا الامر غير صحيح بكل تاكيد .
سبق ان اوضحنا في مقال سابق ان الاتفاق الاطاري لم يكن سيخرج المؤتمر الوطني المحلول (الحركة الاسلامية ) من المعادلة السياسية. فالاتفاق الاطاري قطعا حافظ على استمرار التمكين بواجهة مدنية. لذلك ما دفع الاسلاميين لاشعال الحرب، هو خروج مليشيا الجنجويد عن سيطرتهم ، واحداث خلل في التوازن الذي صنعه الاتفاق الاطاري لا الاتفاق نفسه. والشاهد على ذلك ان الجناح العسكري الحاكم المختطف للقوات المسلحة، وافق على الاتفاق الاطاري ، في حين عارضه الجناح المدني لاسباب تكتيكية.
لم يلتحق الجناح العسكري بجناحه المدني ، الا عند التفاوض على الاتفاق النهائي وليس الاطاري، حين تبين له ان المليشيا خرجت عن طوعه واخلت بالتوازن الذي خلقه الاطاري، الذي اعطى اللجنة الامنية للانقاذ اليد العليا مجددا عبر مجلس الدفاع ، وشرعن الجنجويد واخرج المؤسسة العسكرية والامنية من دائرة الاصلاح ومن السلطة الفعلية للحكومة، ولكن شرط هذا التفوق هو ان تبقى هذه اللجنة موحدة. اذا ما كان سيضعف مركز الاسلاميين المتفوق هو الاخلال بالتوازن الذي خلقه الاتفاق الاطاري لمصلحتهم، وهذا هو سبب حربهم مع المليشيا التي تمردت عليهم. فلو بقيت المليشيا على توافق معهم عند التفاوض على الاتفاق النهائي، لما اشعلوا حربا ولما اتهموها بالتمرد. واصرارهم على دمجها خلال سنتين، يؤكد رغبتهم في السيطرة عليها للحفاظ على اليد العليا التي اعطاها لهم الاتفاق الاطاري.
٥- لم يحدد البيان من هم اطراف الاتفاق الوطني على المشروع السوداني النهضوي الجديد ، ولا اطراف الحل السياسي السلمي، وهذا يعني فتح الباب او على الاقل تركه مواربا لمشاركة الطرفين المتحاربين ، وقبولهما مجددا اطرافا فاعلة في المعادلة السياسية ، والتأسيس لشراكة دم جديدة ، اي النسج على منوال الاتفاق الاطاري، والاستمرار في نهج الشراكة مع العدو، مما يجعل جميع المبادئ المذكورة لاحقًا مجرد حبر على ورق، لأنها من المستحيل ان تتحقق في ظل شراكة مع اللجنة الامنية للانقاذ او اي من اطرافها (جيش مختطف او جنجويد).
لذلك المدخل الصحيح هو رفض مشاركة الطرفين المتحاربين في المعادلة السياسية ، وابعادهما من اي نشاط سياسي مستقبلي لبناء دولة الانتقال.
٦- البيان اعتبر التأسيس لنظام حكم مدني ديمقراطي عبر انتخابات حرة نزيهة ، احد مبادئ انهاء الحروب، وفي هذا قفز فوق تجربة الحرب الراهنة التي تعتبر امتدادا لدولة التمكين والاستبداد، وإنهائها يتم عبر حكم مدني انتقالي وليس حكم مدني ديمقراطي. ودولة الانتقال ليست ديمقراطية بالضرورة لانها لا تنتج عن انتخابات ، كما ان محتواها يقوم على الهدم بشرعية ثورية والبناء بشرعية ديمقراطية، لذلك هي مزدوجة الطابع بطبيعتها الانتقالية. خلاصة ما تقدم هي ان البيان اتى مؤكدا لاستراتيجية القوى المجتمعة، القائمة على الاصرار على صحة الشراكة مع العدو كوسيلة وحيدة للانتقال من دولة العدو المتمكنة الى دولة كل المواطنين، واستكمال مسار الاتفاق الاطاري. وهذه استراتيجية من المستحيل ان تؤسس لبناء جبهة مدنية واسعة لانهاء الحروب و تأسيس واعادة بناء الدولة السودانية الجديدة ، لأنها ببساطة تبارك الشراكة التي تمنع اي انتقال. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!!
١٨/٨/٢٠٢٣م

‫5 تعليقات

  1. (دفع الاسلاميين لاشعال الحرب، هو خروج مليشيا الجنجويد عن سيطرتهم)
    هل القصد من ذلك تبرئة الجنجويد من اشعال الحرب؟
    بالمناسبة ممكن الكلام كله يكون متسق لكن اقل خلل بنيوي يجعل القارئ متشككا في القدرة التحليلية للكاتب
    صرف النظر عن رأينا في الكيزان هل تحشيد الجنجويد الذي سبق الحرب وسرعة انتشارهم واندفاعهم شمالا لتأمين مطار لهم اليس في هذا اي دلالة على ان الجنجويد هم من اشعل الحرب، هل احتلال القصر والقيادة والاذاعة والتلفزيون وعدد من المعسكرات ومهاجمة البرهان وقتل حراسه وكل ذلك في ظرف ساعات محدودة الا يدل على ان الجنجويد هم من خطط للحرب وأشعلها وخططوا لها كانقلاب عسكري ينقصه فقط اذاعة البيان؟
    لماذا تفوت مثل هذه البديهيات على الكاتب رغم ان التحليل فيه الكثير من النقاط المفيدة.
    حين نحلل امر يجب ان لا نتجاهل فطنة القارئ او ننحاز لفكرة او جهة بطريقة مخلة فذلك يكون خصما كبيرا على التحليل.

  2. يا زول انت عندك منو ولا عندك شنو غير الحرية و التغيير!! داير تفتش ليك ناس تانيين من وين في البلد الدمار دي!! لجان مقاومة مثلا.. دايرننا نبقى زي الشيوعين لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى!! يا اخوي الناس ديل ما هم قمة المثالية زيهم زي اي جماعة في الدنيا فيهم نقص و عيوب بس خلى بالك الملعب مليان ابر و حفر و جمهور اغلبهم بتاعين زعيق و صراخ؛ يا خوي ديل جماعة سياسية ما هم مركز بحث علمي ما تشبكنا تحليل صراع و سرد تاريخي .. دي مواضيع اعملوها انتو.. يا مواطن الجدال اهلك اقواما قبلكم اصلا الفرصة ضاعت لما العنقالة طردوا الانسان الوقور الفاهم حمدوك عشان كدة الطريق القدامكم دة حنضل امشوا ساي قللوا الورجغة ولا تتحدثوا بالاماني و الاوهام

  3. قال الكاتب: ودولة الانتقال ليست ديمقراطية بالضرورة لانها لا تنتج عن انتخابات ، كما ان محتواها يقوم على الهدم بشرعية ثورية والبناء بشرعية ديمقراطية:
    هذا استعباط.
    دولة الانتقال اذا لم تكن ديمقراطية فهي دولة دكتاتورية ولن يكتب لها النجاح لأنها لا تمثل الشعب. صحيح هي لم تقم على الانتخابات ولكن على الاقل يجب أن تقوم بتوافق يشمل كل الشعب السوداني، والسبب هنا واضح وبسيط من الذي يهدم بشرعية ثورية؟ الشيوعيين والبعثيين مثلا؟ وماذا يتم هدمه وكيف يتم هل يتم وفق الرأي اليساري، هل هذا يمثل تجاهلا ان هناك مواطنين سودانيين يمينيين لهم نفس الحقوق ونفس الواجبات في دولة المواطنة المتساوية وبالتالي يجب أن يكون لرأيهم وزن؟ قصدي ان التسلط بالرأي دون شرعية تعكس صوت الشعب فهو باطل ولن يستمر ولن يقود البلاد الا للمزيد من الدمار والهلاك.
    بعدين الشرعية الثورية ممكن تكون في لحظة الثورة، ولكن يستحيل بعد 5 سنوات تجيني تقول لي عايز املي ما اريد بشرعية ثورية، طيب يجي واحد بعد عشرة سنوات ينقلب عليك ويفرض رايه بشرعية ثورية لأن هذه الشرعية بهذا المنطق تتمدد الى ما لا نهاية وهي في حقيقتها دكتاتورية لبست ثوبا ثوريا احمر!

  4. انتقل الشيوعيون والحزب الشيوعي من دائرة الحدث والفعل الإيجابي وهذا هو الشئء المتوقع من اي حزب سياسي مسئول وملتزم بقضايا شعبه الي منصة اعلامية حنجورية هتافية متهافته تنتظر فعل الحرية والتغير لتعمل فيه ادواته الصدئة من تشريح وتحليل تبخيس وتخوين
    هذا هو جهدهم لوقف الحرب واحلال السلام فاين جهدكم ؟
    الحزب الشيوعي في محنة حقيقية وتحالف خفي مع الفلول والكيزان

  5. حتى لو سلمنا بوجود ما يسمى الشرعية الثورية فمن يقوم بتنفيذها هم الثوار المستقلين ان وجدوا وليس الأحزاب لان الأحزاب ستعمل على استبدال تمكين بتمكين اخر يخدم اجندتها السياسية والايدولوجية وهذا مرفوض عقليا وشعبيا..هو شنو الإسقط الإنقاذ غير اجندتها السياسية والايدولوجية الخاصة التي قادتها لاحتكار السلطة مما اخل بنذاهة الحكم وشفافيته.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..