حول مفهوم الدولة وأنواعها وتعاطى كل نوع مع القضايا المصيرية للسودان – الشريعة الإسلامية مثالاً (2-4) .

حسين أحمد حسين

توطئة

سيتناول هذا المبحث مفهوم الدولة المتعلق بتوصيف ما تقوم به من مهام، كما أنَّه يتطرق لأنواع الدولة؛ الدينية منها والعلمانية والمدنية. وسننظر فى ميراثنا من كل نوع، وكيف أجاب كل نوع على أسئلة السودان المصيرية خاصةً تلك المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

مفهوم الدولة

الدولة هى: “حزمة الأجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها إعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض” (لنستحضر ولادة دولة الجنوب – رغم قيصريتها – حتى نتبيَّن تعريف الدولة). وهذا التعريف البسيط يخضع بالطبع لشروط التشكل الإقتصادى الإجتماعى والتى تُفَسِّر لنا صيرورة الدولة ومسيرة نضجها منذ ولادة الحاجة إليها قبل نحو 10 ألف سنة حتى يوم النَّاس هذا.

وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) لإنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين مواطنيها. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا – دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس. بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل. والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة.

ثانياً، الدولة العلمانية

إنَّ من نافلة القول أن نبيِّن للنَّاس بأنَّ أهل السودان كما كان لهم ميراثٌ مهم من الدولة الدينية (وعلى فكرة أهل السودان قد عرفوا التوحيد قبل نزول الأديان الثلاثة المعروفة: اليهودية، المسيحية والإسلام)، فهم أيضاً أصحاب ميراث عظيم فى فصل الدِّين عن الدولة (العلمانية)، بل هم الأسبق فى ممارسة التجربة العلمانية تاريخياً.

وليس ثمة عجب فى ذلك، فالدولة الكوشية هى أوَّل من عرِف الدولة بمعناها المؤسسى المتداول الآن، وهى أول دولة عظمى (Supreme Power) عرفتها الإنسانية. وقد إكتوتْ دولة كوش بتناقض الدولة بمعناها القطرى ومعناها الأمبراطورى، وبسلطة الملك الإله. وبالتالى قد أغنتها التجربة باكراً أنْ تكون أوّل الواصلين إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة.

أمَّا فى الوقت الراهن، فحينما تُذكر كلمةُ العلمانية أو العلمانى، تجد الإسلامويين قد تحسَّسَوا بنادقهم، دون أن يُدركوا ما معناها، ودون أن يكلِّفَ أحدُنا ? نحنُ دعاتُها ? نفسَهُ عناءَ شرحها للنَّاس وتبسيطها لهم، حتى صارت المعانى عندنا كلَّها أنصافاً وحمَّالةَ أوجه، وصارتْ بذلك لقمةً سائغةً للأيديولوجيا تُجيِّرُها أنَّى شاءت؛ والأيديولوجيا لا تُكافحُ بالأيديولوجيا المضادة، بل بالحقيقة.

فمن أكثر المفردات التى تُتَاجر بها سلطة الإنقاذ فى السودان هى مفردة العلمانية، ومن الأخطاء الشائعة المُتَعمَّدة مُتاجرةً، أنْ تصفَ شخصاً ما بأنَّه علمانى. فالعلمانية هى وصف للدولة لا للأشخاص، ولكن يحقُّ لنا أن نسمِّى الأشخاص الذين يُدافعون عن علمانية الدولة بدعاة الدولة العلمانية. خاصةً وأنَّ من بينِ دعاتها أُناسٌ متدينون غاية التَّديُّن، ونعتهم بالعلمانيين (أى المُبتعدين عن الدين) من قِبَل الإسلام السياسى مسألة غير دقيقة ومغروضة وتكفيرية وإقصائية فى نهاية التحليل.

العلمانية إصطلاحاً

العلمانية فى الإطار النظرى (وهى تكاد تكون غير موجودة فى الواقع) تعنى إبعاد الدولة كليةً من التدخل فى شئون المؤسسات الدِّينية وعدم تبنى دِين بعينه ليكون الدين الرسمى للدولة. وتعنى أيضاً عدم التدخل البات للمؤسسات الدينية فى الشئون السياسية. إذاً، العلمانية هى مرتكز يقوم على فرضيتين: الأولى هى الفصل القاطع بين الدولة والمؤسسات الدينية، وعدم تدخل أىٍّ منهما فى شئون الآخر. والثانية هى مساواة جميع النَّاس – بمختلف أديانهم ومعتقداتهم – أمام القانون الذى لا يتأوَّل ديناً بعينه (National Secular Society – What is Secularism?).

مدخل للعلمانية وأنواعها

يذهب المصطلح تاريخياً فى رحلة مخاضات عديدة منذ ولادته فى الفلسفة اليونانية القديمة، غير أنَّ ثورة التنوير فى أوروبا قد أكسبته زخماً جديداً يمتد أثره إلى يومِ النَّاسِ هذا. وهذه الأُطروحة تُعنى بتطوُّر المصطلح المتناغم مع تطور التشكل الإقتصادى الإجتماعى وتطور القوى المنتجة فى المجتمعات المحددة كما أسلفنا.

فمثلاً عند قدماء اليونان، كل ما يُناقض/يُقابل السلطة الدينية يُسمى علمانى؛ وهذا إشتقاق مفاهيمى متعلق بالجماهير فى مقابل النخبة الدينية. أما عند العرب وبنى عمومتهم، فاشتقاق المصطلح إشتقاق لغوى؛ يعود لمفردة العِلْم؛ أى لكلِّ ما هو أرضى/دنيوى (وليس العلم بمعناه الحديث). وقد طوَّر الأنجُلوساكسونيون المفهوم من واقع تجارب مريرة مع السلطة الدينية حتى بلغنا بصيغته الحالية.

ولقد إنطوت العلمانية منذ ولادتها الجديدة فى عصر التنوير حتى اليومِ على كثير من التحوير المناظر أو المغاير للتعريف الإصطلاحى أعلاه. فمثلاً، البريطانى جورج جاكوب هوليوك (1851) يرى فى العلمانية “نسقاً من الأخلاق مرتكزاً على الفعل العقلانى الرشيد، والنَّافع للجميع فى العالم الذى نتقاسم عيشه”. والبعض من أمثال تشارلز برادْلاف – المنتقد اللدود لهوليوك – يرى فى العلمانية “إنتباذ اللاهوت، والرفض الصريح لوجود الإله وكلِّ ظاهرة لا يمكن التحقق من وجودها المادى”. كما أنَّ البعض الأخر لا يرى العلمانية كمركّب أخلاقى ولا لاهوتى، ولكن يتصوَّرها كمركّب سياسى؛ بحسبان أنَّ العلمانية تركِّز بشكل شبه كامل على العلاقة بين الكنيسة والدولة (الدين والدولة).

وعلى عكس الإعتقاد السائد خاصةً فى ذهنية الإسلامويين، فإنَّ المفهوم السياسى والمفهوم الأخلاقى للعلمانية لايعنيان بالضرورة إرجاعهما لمجرد الفصل الحرفى بين الدين والدولة؛ والذى من الممكن أن يكون أحد خيارات البرنامج السياسى العلمانى والأخلاقى العلمانى. ولكن هناك وجوداً لإنواع أخرى للمفهوم تتراوح ما بين: علمانية تصالحية (Accomodationism)، علمانية معارضة لدعم الدولة للكنيسة ،(Disestablishmentarianism) علمانية الحياد المطلق للدولة (Strict State Neutrality)، العلمانية الفرنسية (French laïcité)، والعلمانية اللا ? أدرية (Non – cognizance)، (وقائع مؤتمر العلمانية على المحك: جامعة جورج تاون/ فبراير 2013).

ووجب علينا أن نشير هنا إلى أنَّ الكثير من الدول قد إتخذت من العلمانية بتنوعها المذكور أعلاه فلسفةً للحكم. فالبعض نحا بها نحو المفهوم الإخلاقى (سمّاها نسقاً من الأخلاق)، لم يُسمِّها فى دساتيرِهِ، ولم يُسمِّ ديناً بعينه للدولة (كبريطانيا التى ليست لها دستوراً مكتوباً، ولكنَّ الملكة هى رأس الدولة ورأس الكنيسة). والبعض الأخر ذهب بالعلمانية مذهباً إلحادياً، يُنكر الإله ويحرِّم التعاطى مع الإديان (الإتحاد السوفياتى سابقاً)، وإنْ تعامل مع الإلحاد تعاملاً عقائدياً (كأنَّه دين). والكثير من الدول تبنَّى العلمانية السياسية؛ سمَّاها فى دساتيرِهِ، ولم يتبنَّ ديناً للدولةِ بعينه (أمريكا، كندا، فرنسا، كوريا الجنوبية، الهند، وإسرآئيل) ولكنَّها تعاطت مع الأديان بشكل أو آخر. كما أنَّ هناك دولاً تبنَّتْ العلمانية التصالحية وإن نّصَّتْ دساتيرُها على دينٍ بعينه للدولة (مالطا، اليونان، مصر ((راجع المرجع أعلاه، والموسوعة الحرة).

فالشاهد، ما من دولة إلاَّ وقد كان لها تماس مع الأديان، وحتى التى تبنَّتْ الإلحاد إتخذتْ منه ديناً. كما أنَّ العالم بسقوط العلمانية الإلحادية فى الإتحاد السوفياتى السابق، قد أصبح خالياً بالتمام من أى دولة علمانية إلحادية تناصب الدين العداء. وحينما نصبغ على الدول التى تبنَّتْ العلمانية السياسية صفتها الكالفينية، سنجد أنفسنا أمام عالم ليس فقط خالياً من الدول الإلحادية، بل هو فى غاية التَّدَيُّن. وليس أدلَّ على ذلك من صعود الأحزاب اليمينية؛ المسيحية واليهودية والإسلامية إلى سِدة الحكم فى معظم بلاد العالم فى الثلاثة عقود المنصرمة.

العلمانية فى محك التشكُّل الإقتصادى الإجتماعى

من الواضح أنَّ المفاهيم تتطور بتطوُّر إحتياجات المجتمع؛ تلك المرتبطة بتطوُّر قواه المنتجة فى الواقع الذى يعيش فيه ذلك المجتمع. ومن المؤكّد فى وضعية إقتصاد مشاعى/عبودى؛ قائم على الجمع والإلتقاط، فإنَّ المجتمع لا يحتاج لِأكثر من واعظ دينى (ومن شاكله) لتنظيم حياة النَّاس؛ فكانت النخبة الدِّينية هى كلَّ ما تحتاجه مجتمعاتهم. أمَّا أنْ تكون النخبة الدينية هى كل ما نحتاج فى رأسمالية ما بعد الحداثة، فتلك مسألة فيها نظر.

لا غروَ إذاً، أنَّ نرى فى اليونان القديمة – إمتداداً إلى أزمنة نمط الإنتاج الخراجى – أنَّ الشعبوى، أى كل ما يرتبط بالجماهير/الشعب يكون علمانياً مستحقراً فى مقابل الإكليروس (النخبة الدينية)؛ فكان العلمانيون/الجماهير يأتمرون/يُحكمون بأمر الإكليروس (صلاح نيوف: مفهوم الإكليروس والمثل الأعلى العلماني، إيلاف، 25 مايو 2007). وظلَّ هؤلاء يسيطرون على مجتمعاتهم حتى ظهور الميركانتالية التى حاول الإكليروس مقاومتها بأبشع أنواع الحروب التى عرفتها الإنسانية – الحروب الصليبية. ولكن هيهات، فالتاريخ يذهب فى إتجاه واحد فقط، ولابد للتطوُّر من أن يشقَّ طريقه رغم أنف السيادة السابقة للأيديولوجى.

لقد قوّضتْ الرأسمالية الميركانتالية الإقطاع، واستُبْدِلَتْ نٌخبةٌ بِنُخبة، فحدد المجتمع البرجوازى إحتياجاته: سياسى/رأسمالى، عالم/إنتربرينير، وعامل/ماكينة. أما الإكليروس فاعتقلتهم طريقةُ تفكيرِهِم فى دور العبادة، حتى إشعارٍ آخر.

ومع علو كعب السياسى، أى علو سلطة الدولة على الأيديولوجيا الدينية، أبان الثورة الصناعية وانتشار الفكر الماركسى وابتخاس الديالكتيك الهيقيلى، بدأ النَّاسُ يبتعدون عن الدِّين، خاصةً عن الكاثوليكية الممعنة فى الزهد. ولو لا الإصلاحات التى أحدثها مارتن لوثر على البروتستانتية؛ تلك التى رأى فيها ماكس فيبر إلهاماً عظيماً للرأسمالى (خاصةً البروتستانتية – الكالفينية)، والتى جعلته عابداً مُتنسِّكاً وهو يُمعظم من أرباحه، لهجرَ النَّاسُ المسيحيةَ بالكلية.

وفى تلك الفترة، بدأت العلمانية السياسية، اللا – أدرية، والإلحادية تطغى بشكل واسع وسافر؛ أكثر من الأنواع الأخرى من العلمانية: كالأخلاقية/العلمانية البريطانية، التصالحية، علمانية الحياد المطلق للدولة. ولعلَّ العامل الذى شجعَ على إنتشار هذه الأنواع من العلمانية هو تبنى السياسى (الدولة) لها، وانقسام العالم فى حالة من التنافس بين علمانية إلحادية تبناها الإتحاد السوفياتى ودول المعسكر الشرقى لِأكثر من 70 سنة، وعلمانية سياسية تبنتها دول المعسكر الغربى خاصة بعد إصلاحات مارتن لوثر.

وبالطبع إستمرَّ هذا الوضع المحتدم من التنافس بين أنواع العلمانية المختلفة على أشَدِّهِ حتى سقوط الشيوعية عام 1989م، وعودة الأديان إلى البِيَعِ والكنائسِ والمساجدِ فى أوروبا الشرقية. وعند هذا الحد، أُسْتُبْدِلَ التواكل الشيوعى بالبروتستانتية – الكالفينية النَّهِمة، التى بدأ معها تلاشى العلمانية الإلحادية (التى باتت توجد كمجرد إحتمال)، وذيوع العلمانية السياسية والأنواع الأخرى من العلمانية: كالأخلاقية والتصالحية والعلمانية البريطانية، بين الذين اكتَوَوْا بجحيم الدولة العلمانية الإلحادية خاصةً فى شرق أوروبا ودول العالم الثالث.

ولقد أصبحتْ الرأسمالية العالمية على أيّامِنا هذى، أكثر شراهةً بتحوُّل العلمانى الروسى الملحد إلى علمانى سياسى يتنسَّكُ بالإمبريالية فى أوكرانيا وسوريا والعراق، كما تنسَّك من قبل فى أوروبا الغربية فى الشتآءات التى أعقبتْ البروسترويكا – خاصةً فى بداية الألفية الثالثة – حيث رفض الدُّب الروسى بيع الغاز لأوروبا الشرقية والغربية معاً بالطريقة القديمة المدعومة من قِبَله، وباعه لهم بسعر السوق التنافسى آنئذً، وعاجلاً غير آجل ((Cash on delivery. وقد كادتْ أن تحدثَ كارثة إنسانية للدول الشرقية التى تغربنتْ حديثاً، لو لا دعم الإتحاد الأوروبى لها.

أيضاً، فإنَّ هذا العلمانى السياسى الجديد النَّهم، قد أملى على أوروبا الغربية شروطه حينما بادر بتسديد ديونه عليها فى 2006 عقب طفرات البترول والغاز والذهب، والبالغ قدرها، أى الديون، 400 مليار دولار. وفى البدء رفض الغرب تسديد الروس للديون دفعة واحدة (خدمات تسديد الدين أهم من أصل الدين). لكنَّ الدب الروسى قال لهم: “هذه نقودكم، خذوها أو أتركوها للأبد”. فاضطرتْ الدول الغربية لأخذها راغمة؛ وهكذا خرج هذا الدب الروسى من ربقة الديون للغرب الرأسمالى حتى إشعار آخر.

إذاً فلينتبه الضعفاء، فالرأسمالية العالمية بعلمانيتها السياسية وهى بهذا الشره (وهى فى حالة عبادة قصوى بحسب معايير ماكس فيبر) لا تجد حرجاً فى تبنى أيِّ دين (It can accommodate religions) يضيفُ تجلياً وفتحاً رأسمالياً جديداً إلى النظام الرأسمالى العالمى. وهنا يسقط العجب فى شأن زواج المتعة بين الرأسمالية العالمية/العلمانية السياسية والأخوانوية ـ الكالفينية فى مقابل الدِّين السلفى الذى تتبناه العروش العربية التى يعِدّها الغرب غير مواكبة لرأسمالية ما بعد الحداثة. بل إنَّ الأخوانوية أكثر شراهة من الرأسمالية الغربية نفسِها وذلك لعقليتها اللُّصة، ولكونها مستجدة نعمة، وتحسبُ أنّها تٌحسِنُ صنعاً وِفْقَ ما تتعبَّد به من فقه الضرورة.

ولعلَّ الإرهاص بتمدد العلمانية السياسية على حساب العلمانية الإلحادية (روسيا لا تنتج للإستخدام فقط ولكنها وإنْ سمَّت نفسها إشتراكية فهى تنتج للتبادل مع العالم الرأسمالى. وفائض القيمة التبادلى هذا هو الذى عجل بالتحول إلى الرأسمالية كما يقول رودَنِشتاين رودِن وسمير أمين وبسام طيبى وغيرهما)، قد بَكَّرَ بظهور أول ثورة إسلامية فى العالم العربى والإسلامى حتى قبل سقوط الشيوعية بعشر سنوات؛ وهى ثورة الخُمينى على نظام الشاه، والتى سلَّحها الإتحاد السوفياتى من الألف إلى الياء، فى مقابل تسليح أمريكا لنظام الشاه.

فتلك الثورة الإسلامية، وذلك السقوط المدوى للشيوعية والتحوُّل للعلمانية السياسية، قد كانا ملهمين وكافيَيْن للعديد من الحركات والصحوات الإسلامية المتشبعة بالكالفينية (الجبهة الإسلامية القومية فى السودان مثالاً)، لتشعلها حرباً إنتهازيةً على العلمانية بوصفها كلها إلحادية بالرغم من وجود أنواع أخرى للعلمانية وهى ليست بالطبع إلحادية كما بيَّنا؛ والأهم من ذلك أنَّ هذا الحركات والصَحَوات الإسلامية تعلم ذلك. ولكنَّها راحت تَصِمُ بالكفر كلَّ من يتكلم عن العلمانية؛ حتى تلك التى تتبنَّى ديناً رسمياً للدولة (كمصر وغيرها).

هذا التحوُّل بالطبع يواكب جدلياً التحوُّل على مستوى التشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى فى الأطراف، وهو هيمنة الإقتصادى مع إكتمال تمدد النظام الرأسمالى هناك، وبداية الإبتزاز غير المباشر للعمل (سياسى/رأسمالى، عالم/إنتربرينير، عامل/آلة). وسيظل الإقتصادى مهيمناً فى الأطراف، مصحوباً بهيمنة تدريجية للنظرى/للعلمى الذى هو فى الأصل قد ساد فى المركز منذ زمنٍ ليس بالقصير؛ حيث صار النَّاس يعتقدون فى العلم أكثر من إعتقادهم فى الأديان.

وقد حاولت الجبهة الإسلامية جاهدة أنْ تُخرج تديُّن أهل السودان الصوفى من زهدِهِ، بزرع الروح البروتستانتية الكالفينية فيه، وبالتالى إضفاء صفة العلمية على طريقة تديُّنها، وذلك بتدريب آلاف من كوادرها على حساب الشعب السودانى الذى سرقت تعليمه وصحته وحاربت خياراته العلمانية ومن يدعو لها. وعليه صار الأخوانوى متعلِّماً ومتديِّناً على الطريقة الكالفينية، ومن ثمَّ ما عاد يرى من حاجةٍ لعلمانية الغرب مع علمية الجبهة الإسلامية القومية ودولتها الدينية التى تعتقد فى العلم والدين معاً.

وبهذا السلوك باتَ من الواضح أنَّ الدولة الدينية ضيقة الصدر بمن هم ليسو على شاكلتها، وغير متصالحة مع الأقليات الدينية (ففصلتها، ببساطة لأنَّها لا تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة)، وبغيضٌ لديها الحديث عن العلمانية ودعاتها. ورغم تعدد أنواع العلمانية وإنتفاء العلمانية الإلحادية من الوجود، إلاَّ أنَّ الدولة الدينية راحت تصمها كلها بالكفرِ إصراراً وترصداً.

إذاً ما تفعله الدولة الدينية بالعلمانية باطلٌ أُريد به باطل، والغرض من كلِّ ذلك هو أنَّها تُريدُ أن تتأبَّدَ فى لحظتها التاريخية، بعيداً عن المنغِّصات. ولحسنِ حظ الدولة الدينية الأخوانوية (وسوء حظها فى المدى الطويل) أن العالم الغربى منذ سقوط الشيوعية وإنحسار العلمانية الإلحادية ونبرها الأيديولوجى المُبْغِض/المُغالِب لكلِّ ما هو دينى، بدأ يبحث عن غريم للشيوعية؛ ولعلَّه قد وجده فى هذه الأخوانوية المنوط بها الآن تثوير التشكل الرأسمالى فى بعض الدول خاصةً الغنية بالموارد. الأمر الذى جعل صوت الأيديولوجيات الدينية يعلو من جديد، وجعل الأخوانوية تتغنَّى بمعزوفة مناصرة الغرب لها المؤقتة والغير محمودة العواقب. ويترافق مع ذلك تشدُّد دينى مسيحى ويهودى على مستوى الكوكب كما أسلفنا؛ نتج عنه صعود العديد من الأنظمة اليمينية المتشدِّدة فى أوروبا وإسرائيل (راجع مؤتمر العلمانية على المحك المذكور بعاليه).

والسؤال الذى يطرح نفسه: هل من قراءة فى مسطورات التاريخ والتشكل الإقتصادى الإجتماعى تُضفى على الدِّين الأهمية التاريخية التى يمرُّ بها الآن فى الشرق (وفى الغرب على نحوٍ ما) وفتنته بالمال والسلطان – حتى طُمِسَ جوهرُهُ بالفساد والدموية – خارج كونه البديل الغريم للشيوعية؟

والمحصلة، أنَّنا إذا أخذنا العلمانية فى الإطار النظرى: “منع الدين من التدخل فى شئون الدولة ومنع الدولة من التدخل فى الشئون الدينية بغرض مساوات جميع النَّاس أمام القانون، والتعاطى مع معتقداتهم بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بحقوقهم الأساسية”، سنجد أنَّ جميع دول العالم تتخلَّف عن هذا التعريف المثال بدرجات تعكس مدى تطور القوى المنتجة فى المجتمعات المختلفة (الأمر الذى يجعلها جميعاً دولاً دينيةً بالمِعيار النسبى).

وقد شهدنا بعاليه دولاً أقرَّتْ العلمانية فى دساتيرها، لكنَّها لم تجد بُدَّاً من التعاطى مع الدين. وشهدنا دولاً أُخرى تبنَّتْ العلمانية الإلحادية (كعقيدة)، ثمَّ تركتها وتعاطت مع الدين عقب العام 1989م. وثمَّة دول أُخرى فى العالم وصلت حد تديُّن الدولة بصعود اليمين اليهودى/المسيحى والتيار الإسلامى المتشدِّدَيْن.

ميراث أهل السودان من الدولة العلمانية

كما جاء فى (1-4)، فإنَّ الإله آمون المصرى كان يخوِّل الكهنة بالقتل المقدس، الذى بموجبه يُعزَلُ الملوك والحكام، وبه يُقتلون. غير أنَّ الملك أركامانى قد ثار على الإله آمون وتمرَّدَ عليه، وأجهز على كلِّ الكهنة الثيوقراطيين الذين كانوا يحتكرون لِأنفسِهم الحق المطلق فى التكلُّم بإسم الإله وتفسير وَحْيِهِ، وقام بتحريم قتل الملوك الطقوسى.

لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إنَّ الملك أركامانى قام بفصل السلطتين الدينية والدنيوية التى كان يحتكرها الكهنة النَّبَتِيُّون، فآلت له سلطة الدنيا وعين لسلطة الدِّين الحارسة لدولته الإله الأسد أباداماك (بروفسير أسامة عبد الرحمن النور: مجلة أركامانى الإلكترونية).

كان ذلك أوَّل ميراث لِأهل السودان (إن لّم يكن للإنسانية جمعاء) من ممارسة فصل الدين عن الدولة، الذى أفرزه واقعٌ مهمٌّ هو إستحالة أن يكون لفردٍ/أو جماعةٍ ما، إحتكار تفسير الوحى الإلهى واحتكار الحديث بإسمِ الذات الإلهية غير الأنبياء المرسلين. وكل من يسعى لذلك من البشر بإدعاء معرفة (لم يتلقَّاها من الله خالصة كالأنبياء) بمراد اللهِ فى خلقِهِ من غير مؤسسات جماعية حرة، وديموقراطية ومؤسسات رقابية تُعاير إدِّعاءه، فإنَّه يُساهم فى إنحراف الدِّين عن لحظةِ الرحمة (كان هذا الأمرُ نبوةً ورحمة، وكائنٌ خلافةً ورحمة) بدرجةٍ أو بأُخرى؛ وَعِىَ ذلك أم لم يعِ.

ولم يقف على أىِّ حال ميراثنا كسودانيين من الإرث العلمانى عند تلك التجربة، فقد تلتها فترات أُخرى من فصل الدين عن الدولة ولو بدرجات متفاوتة ونسبية. وإذا تجاوزنا الرِّدة عن إرثنا العلمانى ما بين 550 – 1500م (فترة الممالك المسيحية: نوباتيا، المَقرَّة، عَلَوَة؛ حيث جمع ملوك النوبة المسيحية فى السودان بين سلطتى الدولة والدين من جديد)، فإننا نجد ? مثلاً – أنَّ ملوك السلطنة الزرقاء، لم يجمعوا بين السلطتين السياسية والدينية بذات درجة الممالك المسيحية، حيث كان شيوخ الطرق الصوفية على رأس المؤسسة الدينية وكانوا أقرب وألْصَق بالجماهير منهم بالملوك (حيدر إبراهيم على: الإنتلجنسيا السودانية بين التقليد والحداثة: المستقبل العربى 1987م، تاج السر عثمان: الميدان، ديسمبر 2013).

ولعلَّ عدم وجود طبقة دينية متماهية فى السلطة والسلطان، قد مهَّدَ الطريق ليبتدع سلاطين السلطنة الزرقاء “ما – يشبه – الدستور ? العلمانى” المعتمد على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية (تاج السر عثمان، المرجع أعلاه). وكأنِّى بالشريعة هنا ترمز للمؤسسة الدينية، والأعراف المحلية ترمز للسلطة السياسية فى إطارين شبه مستقلين، لا يتدخل أحدهما فى شئون الأخر إلاَّ فى حدودٍ ضيقةٍ ومعروفة، وربما كان تدخلاً حميداً (Benign).

لقد إستمرَّ منوال العلمانية “الزرقاء” فى ظل الحكم التركى؛ ذلك المتداعى الزائل بظهور الميركانتالية وهيمنة السياسى على الأيديولوجى. وما كانت تركيا “المريضة” آنئذٍ تهتم بالدِّين مقدار إهتمامها بحكمها المتهافِتْ والمحاولات اليائسة لتثبيته. وفى هذا الأثناء حاول الأيديولوجى فى السودان الإنتصار لنفسه فى لحظة قاتلة من التشكُّل الرأسمالى العالمى (الرأسمالية التجارية) متمثلاً فى الدولة المهدية التى كانت تسبح عكس التيار بكلِّ المقاييس. ولذلك لم تكن المهدية لتعيش طويلاً، فقد كانت مجرد فَوَاق صيرورة (Hiccup) فى ظل شراهة الرأسمالية الميركانتالية التى إكتسحت كل العالم.

هذا الواقع عجّل برحيل دولة المهدية الدينية بالطبع، وعودة العلمانية من جديد، متمظهرة فى الحكم الثنائى الإنجليزى المصرى فى السودان. واستُعيدَتْ/استُلهِمَتْ العلمانية الزرقاء من جديد، ولكن بشروط رأسمالية متجاوزة للميركانتالية. وهنا لم تعد السلطة الدينية ذات تأثير كبير فى المجتمع، إذا ما قارنَّاها بسلطة فئة التجار (الأجانب بخاصة والمحليين على وجهٍ عام) فى المرحلة الأولى من الإستعمار. بل إنَّ المستعمر بإيحاء من الرأسمالية المستبطنة للبروتستانتية الكالفينية، قد قام بدعم الفئات الدينية فى الفترتين الثانية والثالثة من الإستعمار لتقوم هى الأخرى برسملة كل المجتمع السودانى نيابة عنه كما جاء آنفاً.

غير أنَّ تلك المجموعات الدينية (كما جاء بعاليه) ذات الخلفية الصوفية الزاهدة لم تلتقط الروح الكالفينية فى الرسملة، فراح يغذيها الإستعمار الجديد تثويراً بطموحات العسكريين النَّزقِة تحالفاً مع أُؤلئك التُجَّار، إلى أنْ أطبقتْ الفئات المتشبعة بالروح الكالفينية (الجبهة الإسلامية القومية)، فأسرفت فى الرسملة فوق ما تطمع الرأسمالية نفسُها.

هذه الجبهة الإسلامية القومية الكالفينية عطْلتْ دستور السودان شبه العلمانى السودانوى المنحدر من كوش والسلطنة الزرقاء، واستبدلته بدستور المودودى وحسن البنا: “الحاكمية لله”، و “المستخلفة فيه” الجبهة الإسلامية الكالفينية بإنقلاب عسكرى منذ أكثر من ربع قرن.

خاتمة

هل يستطيع العقل الإسلاموى أن يُثبتَ لنا وجود دولة علمانية واحدة (بالأخص العلمانية الإلحادية التى يتخوَّف منها) بالمعنى الحرفى للتعريف أعلاه بعد العام 1989م فى محك التشكل الإقتصادى الإجتماعى العالمى (أى خارج نطاق أيديولوجيته الدينية)؟ والإجابة هى: أنَّ الإسلاموى يعى تماماً بعدم وجود العلمانية التى يتخوف منها فى كل العالم (العلمانية الإلحادية) منذ نهاية الحرب الباردة، ويعى بأنَّ الحزب الشيوعى السودانى كحزب متهم بالعلمانية قد إنتبذ العلمانية الإلحادية رسمياً منذ بواكير نشوءِهِ (وبذلك هى مسألة شخصية لمن يريد أن يعتنقها، وليست رسمية). يعى الإسلاموى كلَّ ذلك، ولكنَّه يتخذ من العلمانية فزَّاعة أيديولوجية يستدر بها عطف النَّاس البسطاء ويُجيِّرُهُ لجهة تأبيد نظامه ولحظته التاريخية وسرقة هؤلاء النَّاس البسطاء (قال عضو البرلمان المستقل الطيب إبراهيم: إنَّ السودان ليس ببلد فقير، ولكن أفقره الشعب السوداني بسياساته). ومتى كان الشعب السودانى يصدر السياسات أيَّها العاطلون عن المواهب، العاطلون عن الوطن!

أقول ما أقول، وقد يكون بإمكان دولة العلمانية السياسية مساواة جميع النَّاس أمام القانون بمثولهم أمام قانون وضعى يُتّفق على تطبيقه على الجميع، ولكنَّه لن يرفع الحرج العَقَدى عمَّن يُريد تطبيق معتقداته على نفسه (عمَّن يُريد تطبيق الشريعة الأسلامية على نفسه) أفراداً أو أقليات، مما يجعل الحقوق الأساسية لهؤلاء الأفراد والأقليات على المحك. وإذا كان بالإمكان لدولة العلمانية الإلحادية أنْ تتنزل فى أرض الواقع من جديد ? وذلك خيارٌ محتمل كما أسلفنا ? فكلُّ ما هو دينى سيكون على المحك. ونرجو أنْ تبتدع العلمانية السودانية حلولاً تُجيبُ بها على مثل هذه التساؤلات بشكل ديموقراطى غير متعسِّف، حتى لا ينفر منها المتدينون المدافعون عنها (الفكر الجمهورى مِثالاً).

تعليق واحد

  1. الاخ حسين السلام عليكم و اسعد الله اوقاتكم بكل خير.

    ما يلي هو تعليقي علي الجزء الاول من مقالك 1-4 و ردك علي تعليقي و رد احد الاخوان

    —————————————–

    #1361077 [عمر الياس]
    5.00/5 (1 صوت)

    10-27-2015 09:55 AM
    الاخ حسين السلام عليكم

    هل في اعتقادك و ايمانك بان التنظير هذا سيحل مشاكل السودان؟ و هل تنتظر و ننتظر معك حتي ياتينا مشرِّع علمانى أو مدنى فيخرجنا مما نحن فيه؟! و شنو ما عاجبك في الترابي علشان تفتش لينا عن واحد تاني… اكيد مافي مشكلة ما اصلا نحن حقل تجارب!!! لك الله يا وطني…

    مشكلة السودان في جيل ما بعد جيل الاستقلال الذين درسوا في الشرق و الغرب و تبحروا في العلوم و المعرفة و الكل يدعي الحق و يٌريدوا ان يطبقوا ذلك علي الزول المسكين….

    ماذا يريد المواطن السوداني البسيط؟

    1- ماء صحية للشرب
    2- ماء للزراعة و شرب الحيوانات
    3- صحة
    4- تعليم
    5- عدالة
    6- ثغافة احترام القانون و حقوق الاخرين
    7- توزيع عادل للفرص و الفرص كثيرة في السودان

    الدين هو المعاملة مش تنظير و كلام كثير و ال7 نقاط دي ما محتاجة لتنظير ماكس فيبر و لا تنظيرات النبي حسن الترابي محتاجة لقيادة رشيدة تخاف الله و شعب واعي يعرف حقوقه و يحميها بالقانون.

    الرد على [عمر الياس]

    ردود على عمر الياس
    [ابوبكر حسن] 10-27-2015 05:34 PM
    يا أخي تحليل الواقع ومعرفة أسباب أزماته جزء أساسي وأولي وأصيل لحل مشاكل البلاد .. والعقلية التي ترفض هذا المبدأ هي عقلية تبسيطية تبدأ من مقولة الإسلام هو الحل وتنتهي بالبلد محتاجة لقيادة رشيدة تخاف الله الخ. كانو البلاد المتقدمة التي تطورت كثيرا كانت تقودها قيادة رشيدة تخاف الله !!
    من وجهة نظري هذه العقلية هي سبب رئيسي في ضمور الوعي في الشخصية السودانية ومن أسباب تأخرها , وهذا ما لم يتطرق إليه المقال الجيد لكاتبه الشكر الجزيل .
    ملحوظة ( حينما حاولت ارسل التعليق وجدت تعليقك أستاذ حسين أحمد حسين وبالرغم من ذلك بعدت التعليق على زعم أن به إضافة فاليعزرني الجميع )

    European Union [حسين أحمد حسين] 10-27-2015 03:01 PM
    السيد النابه عمر الياس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

    التنظير يساهم فى حل المشاكل بالطبع، والما عاجبنى فى الترابى يا عزيزى إنو هو سبب المأزق الذى نحن فيه. ونحن ننظر لمحاولة الخروج من هذا المأزق بالتى هى أحسن قبل التى هى أخشن.

    وأتفق معك جملةً وتفصيلاً فى أنَّ الشعب السودانى لا يريد أكثر من نقاطك السبع؛ وحولها كلنا ندندن.

    لكن حا نطبق السبع نقاط دى كيف من غير ما نزح المصيبة النحنَ فيها دى؛ سواء سلماً أو حرباً.

    لا تيأس يا عزيزى، لكى لا نيأس.

    مع الشكر.

    ———————————————

    استحضار التعليق السابق الهدف منه تمكين من لم يقرأه بقراءته و كمقدمة لتعلقي هذا و قبل ان ابدا تعليقي اقترح اعطاء خلاصة للاجزاء السابقة في مقدمة الجزء الجديد مع وضع رابط للاجزاء السابقة لمن يريد الاطلاع علي ما سبق و الاسفادة من التسلسل المقالي.

    اشكرك و اشكر كل سوداني حادب علي مصلحة الوطن…

    انا كسوداني بسيط لم استوعب في جميع ما قرأت عن مفهوم فصل الدين عن الدولة و بما انني مسلم يعني ما كوز و لا انصاري و لا ختمي و لا سلفي مفهومي في الحياة ان الدين هو المعاملة فاذا استحضرت الدين في كل معاملاتي كيف افصل ديني عن دولتي؟؟!!

    المفهوم الاخر عندي للديمقراطيه التي يتغني بها العلماني هو سيادة حكم الشعب و ما يرتضيه الشعب و بما ان غالبية الشعب السوداني مسلم و الاسلام كفيل بحفظ حقوق غير المسلمين اذن نعم الاسلام عندي هو الدين و الدولة و لا يمكن فصلهما و لكن السؤال الجوهري اي اسلام نطبق؟! الاسلام الصحيح و ليس اسلام الكيزان او الاخوان… و عندما ذكرت في تعليقي السابق باننا نحتاج الي قيادة رشيدة تخاف الله فانني اعني بالقيادة علي نطاق الفرد قبل الاسرة و الجماعة و الشعب قيادة بمعني حديث رسول الله لا يكون احدكم امعة يقول انا مع الناس و الاية الكريمة اني جاعل في الارض خليفة… فان وطًن الانسان نفسه و دافع عن حقه و حقوق الاخرين لما سيطر الكيزان علي السودان بالعزف علي وتر الدين

    ذكرت في تليق سابق ان الشعب السوداني شعب عاطفي متحمس للدين لهذا استغل الكيزان نقطة الضعف هذه و سيطروا بها علي الشعب… اذن اي دعوة لتطبيق اي مفهوم من انواع العلمانيات هو مساعدة للكيزان في الاستمرار في السلطة…

  2. المشكلة في مرجعية القوانين… حينما نقول القانون و تجاوزه فعلام نستند .. السرقة مثلاً عند بعض القبائل شرف!!!
    بعض القبائل تزوج البنت لمن يختطفها من أهلها !!!!
    الهمبتة ظاهرة مشهورة في السودان !!! و هي فخر لممارسيها !!! طبعاً الآن صارت مقننة و على عينك يا تاجر
    النهب المصلح يتبجح به رئيس أمام مرؤوسيه بداعي التطبيع !!! حتى يغدو و كأنه عمل مألوف !!! تطبيع … بس مش مع إسرائيل !!!
    الصحبة ( صحبة النسوان) ليست زنا و الوالد يعترف دا ولدي!!! بو فريند و قيرل فريند !!! و هي ليست جريمة !!! عند مجتمعاتها
    إذن ما هو مرجع القوانين !!!
    الأدبيون تعودوا على اللف و الدوران و الثرثرة الفارغة !!!
    لو القتل لم يحرمه الإسلام لن يقف في طريقي أي وازع سأقتل و أسلب و أنهب و كله عندي حلال ما دام ليس حراماً في ديني….
    سيبونا من التشعيب …. لا شئ اسمه قانون يمنع بل هناك وازع ديني يمنع و إلا فالحدود تمنع المجرمين …
    غير ذلك كله يمكن التحايل عليه .

  3. كما ذكر احد المعلقين ،نحن شعب بسيط ،مطالبنا بسيطه ،ولكن يؤلمنا ما يدور في السودان اليوم من تمزق وقهروالم ، وبما أنني اتولدت في هذه البقعه من الارض فهذا وطني وارضي وسوف افديه بدمي ،وانتم جميعا تعرفون تاريخ منطقه جبال االنوبه حتي التاريخ القريب كان يطلق عليها المناطق المغلغه، لم يكن لنا عداوه مع احد، كل قبيله عايشه في جبلها في سلام تام.
    اريد ان اقول لدينا عادات وتقاليد واعراف وديانات مختلفه، ولكن القاسم المشترك القوي الذي يجمعنا هو السودان .الشعور بروح الوطنيه.
    الله الذي خلق هذا الانسان يعلم مصيره الابدي. واني ارفض من يأتي اليوم ويفوض نفسه وكيلا لله في الارض بأسم الدين ،هم الذين اوصلونا فيما نحن عليه اليوم. احترم واقدّر الانسان لانه خليقه الله وارفض عندما يفّرض عليّ عقيدته الدينيه بأسم الجهاد وهذا ما حدث في بدايه التسعينات الشراره الاولي في جبال النوبه.
    قد ينتقدني البعض بأن الدين الاسلامي برئ ؛ ولكن للاسف الشديد بعد إطلاعنا لإمهات الكتب والمراجع وحتي اقدّم المخطوطات الاسلاميه، من الطبيعي ان تكون المحصله ما نعيشه اليوم.
    فتعالوا نتمسك بوطنيتنا واحترام بعضنا لبعض بعيدا عن الجهويه والعنصوريه ونتعايش مع كل العالم حتي نتعالج من هذا السرطان الذي اصيبنا به ونعيد وحده السودان.

  4. الغوغائيه هى التى تتحكم فى الشعب الجاهل ..شريعه شريعه ولا نموت ..الاسلام قبل القوت ..
    لقد زرع الكهنوت الدينى المرتشى الخائف على مصالحه فى اذهان العامه ان علمانية الدولة تعنى ابعاد الدين عن حياة الناس واباحة الزنا والفسوق والفجور ..
    نحن مع شريعة الكهنوت الدينى الظلامى ولكننا نريدها شريعة كامله نريد امتلاك العبيد ونريد ان نتسرى بالجوارى والاماء ونستمتع بملك اليمين ونفتح الدول الاخرى ونسبى نسائها وبناتها ونحصل على اموالهم غنيمه وفئ وغلمانهم عبيد ..

  5. مع احترامي للكاتب الا انه و بالرغم من أنه يعيش في لندن في اقصى الشمال العالمي الا انه يتحدث عن أمور ايدلوجية و سياسية – بغض النظر عن صحة رأيه من عدمها- يتحدث و كأنه لم يغادر قريته قط.
    فمثلا عندما تحدث عن الدولة الدينية حصر النقاش في كيزان السودان بشكل كبير و معيب و ايضا عندما تحدث في هذا المقال عن العلمانية الالحادية , تحدث مباشرة عن أن الحزب الشيوعي السوداني لا يمثل ذلك.
    هذا مع العلم بأن العلمانبة بكل صورها تتناقض مع العقيدة الاسلامية التي من أهم معالمها أن الحكم لله , قال تعالى : ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم). و سأعلق على ذلك لاحقا.

    لكي نقدم نقاشا مفيدا ينبغي عدم حصر الامور العامة في حدود الوطن فقط , فالعالم الان أصبح قرية و نحن ما زالت النخبة منا بكل اطيافهم الفكرية لا يرون ما هو خارج حدود الوطن , بل ان بعضهم ينظرون دوما الى الماضي و أعتقد انهم عندما يبدأون بالنظر الصحيح -الى الامام -سيصابون باصدمة رهيبة بسبب السرعة الرهيبة للاحداث من حولهم

  6. استاز حسين الفكر الجمهوري كيف يدافع عن العلمانيه …؟؟
    وفي مضمون الفكره الجمهوريه توجد الحدود الاسلاميه يجب تطبيقها بطريقه معينه
    تلاقيها مكتوبه في كتب الاستاز محمود

  7. تتناقض العلمانية في كل اطوارها مع العقيدة الاسلامية فالعلمانية المشتقة من كلمة عالمي او عالماني حيث حذفت الالف ,ربم عن عمد ا بقصد ربطها بالعلم في اذهان الناس , و هي حرفيا دنيوي أي عكس الديني , هذا من الجانب اللغوي البحت . أما من حيث المعنى فهي تتلخص في فصل الدين عن تنظيم شئون المجتمع سياسية كانت او اجتماعية او حقوقية و بالتالي حسب العلمانية لا ينبغي التحدث عن الربا لان هذا فيه ادخال للدين في امر اقتصادي , أما مسألة الا يكون للدولة دين رسمي فهذا من باب ذر الرماد في العيون و ذلك ببساطة لأن العلمانية لا تعترف بمكان للدين في الدولة من الاساس!!!
    و هناك بعض الوقفات مع كاتب المقال :
    1.عرف كاتب المقال العلمانية بقوله : علمانية فى الإطار النظرى (وهى تكاد تكون غير موجودة فى الواقع) تعنى إبعاد الدولة كليةً من التدخل فى شئون المؤسسات الدِّينية وعدم تبنى دِين بعينه ليكون الدين الرسمى للدولة. وتعنى أيضاً عدم التدخل البات للمؤسسات الدينية فى الشئون السياسية
    تعليق : من يقرأ هذا التعريف يدرك من الوهلة الاولى ميل الكاتب عن التعريف الصحيح للعلمانية و محاولته الخجولة لاظهار العلمانية كمبدأ بريء و وديع لا يهاجم الاخرين بل هو الذي يتعرض للهجوم.هذا مع العلم ان كل من عرفوا علمانية الدولة كانت اقل عباراتهم تعني فصل الدين عن الدولة و ليس كما بدأ الكاتب تعريفه بقوله ((تعنى إبعاد الدولة كليةً من التدخل فى شئون المؤسسات الدِّينية)) فكل المدارس العلمانية تفصل الدين عن الدولة و الدستور و القانون و ليس فقط الشئون السياسية كما أوهم كاتب المقال.
    2.لا أدري لماذا لم يشر الكاتب الى ان العلمانية ظهرت في أوربا كرد فعل على تغول الكنيسة على شئون الناس حتى في الجوانب العلمية البحتة التي يضع الدين الصحيح عليها قيودا و لا توجد نصوص دينية تقيدها . فعندما ضاق المتنورين من المسيحيين ذرعا بتجبر الكنيسة و سطوتها كانت ردة فعلهم فصل الدين عن الحياة و ليس الدولة فقط , كما أن هذا الفصل لم يتوقف عند رجال الكنيسة بل امتد الى الدين نفسه و هذا ما لم يحدث في تاريخ الاسلام

    3.ذكر كاتب المقال ان الدولة الكوشية صاحبة ميراث عظيم فى فصل الدِّين عن الدولة (العلمانية)، بل هي الأسبق فى ممارسة التجربة العلمانية تاريخياً و لكن لم يشر الى ما استند عليه .
    بل الاهم من ذلك أن مفهوم العلمانية لم يتطور الا بعد النهضة الاوربية و قبل ذلك لم يمكن من الوارد الحديث عن دولة دينية او علمانية حيث ان كل السلطات كانت تعتمد على الارث الديني -و الذي ربما كان ديانة وثنية – كأهم عنصر في اغلب تلك الدول , فمثلا نجد امما مثل اليابان تعتبر الامبراطور منحدرا من اله الشمس الى عهد قريب , بل ربما الى يومنا هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..