تقرير لافريكا كونفدنشيال: العصبة الانقلابية تعاني من نفاد الخبز وفقدان خارطة الطريق

إن تصاعد أسعار القمح وانهيار الجنيه السوداني لا يزال يتسبب في المزيد من الاحتجاجات التي تمضي بإصرار ضد النظام العسكري، ويمضي في اختبار وحدة المكون العسكري، وخاصة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وقتل أكثر من 85 مدنيا منذ استيلاء الجيش على السلطة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وتتركز التوترات المستمرة بين رئيس الدولة الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، ونائبه، جنرال محمد حمدان دقلو ‘حميدتي’ ، قائد قوات الدعم السريع. بينما يترأسان ملف الاقتصاد المزعج، يجادل برهان وحميدتي حول التكتيكات وكيفية كسب الدعم الخارجي. وإلى جانب المجلس العسكري في مالي والنظام العسكري في زيمبابوي، برز السودان كواحد من أعلى المشجعين في روسيا منذ شنت موسكو غزو أوكرانيا. وقد قاد حميدتي هذه العلاقة في حين أصبح برهان أكثر حذراً منها (حماية النسر والدب المجلد رقم ١٨
وخرج المتظاهرون مرة اخرى في 14 آذار/مارس، في مدن مثل عطبرة ونيالا والدمازين ، وكذلك الخرطوم وبورتسودان، للشوارع مطالبين الجنرالات بتسليم السلطة المدنية الانتقالية.
وقد انضم إليهم الآلاف من العمال والطلاب المحتجين على الظروف الاقتصادية المدمرة: حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية بنسبة تتراوح بين 100% و200% عما كانت عليه قبل عام، وفقاً لشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة.
وحتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا في الشهر الماضي، كان اقتصاد السودان على حافة الهاوية. كانت الإدارة المدنية العسكرية في السلطة منذ الإطاحة بالرئيس عمر حسن أحمد البشير في عام 2019 قد فتحت الطريق امام مليارات الدولارات في هيئة قروض وإعفاء من الديون، منهياً عقوداً من نظام منبوذ. (المجلد رقم ٦٢ رقم ١٥، بين المال والجيش .
وقد انعكس كل هذا بفعل انقلاب قاده جنرال برهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول ضد شركائه المدنيين، وهو ما دفع المنظمات الدولية إلى تجميد المساعدات المالية، وبانتزاع الجنرال برهان للسلطة تم تجميد ما لا يقل عن 2.7 مليار دولار أميركي من المساعدات (2 مليون دولار أميركي من مؤسسات برايتون وودز و700 مليون دولار أميركي من الولايات المتحدة). وليس للسودان الآن سوى ميزانية شهر من العملة الصعبة بالنسبة للواردات الاستراتيجية.
أزمة الغذاء
فمنذ أكتوبر/تشرين الأول هبطت الصادرات وقيمة العملة، في حين بلغ معدل التضخم نحو 250%. والآن، يحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن نصف السكان سوف يصبحون في مستويات أزمة من انعدام الأمن الغذائي هذا العام، وذلك بسبب أسعار الحبوب الصاروخية. جدير بالذكر أن السودان يستورد حوالي ثلث القمح من روسيا وأوكرانيا.
في فبراير 2021، تمكنت الحكومة المدنية العسكرية تحت رئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من توحيد أسعار الصرف المختلفة للجنيه السوداني، واستقرت عند حوالي 450 للدولار.
وبفضل إظهار الثقة من جانب جميع الشركاء الدوليين وعقد اجتماع في تموز/يوليه 2021 لدائني نادي باريس، تم فيه الاتفاق على تخفيف عبء الديون بمقدار 14مليار دولارا، ظل الجنيه السوداني مستقرا حتى انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، خسرت العملة 24% على الأقل في السوق الموازية، وقد يتسارع تدهور سعر الصرف في الأسابيع المقبلة.
وعشية غزو موسكو لأوكرانيا، التقى جنرال حميدتي بكبار المسؤولين الروس بمن فيهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين. وكان الغرض الرئيسي من الزيارة إقناع القلة الروسية بالاستثمار في السودان. ولم يحرز تقدم ملحوظ في هذا الشأن، ولا في الخطط التي يرجع تاريخها إلى عهد البشير لإنشاء روسيا قاعدة بحرية في بورتسودان.
يؤيد حميدتي فكرة القاعدة البحرية، قائلاً عند عودته إلى الخرطوم «ليس لدينا مشكلة في التعامل مع أي شخص، روسي أو غير روسي»، يرغب في فتح قاعدة على ساحل البحر الأحمر السوداني. لكن البرهان أكثر تناقضًا بشأن العلاقات مع موسكو. إنه يحاول إقناع الدول الغربية باستئناف بعض الدعم المالي للخرطوم. مثل هذا القرار بشأن القاعدة البحرية سيتطلب إجماعًا بين كبار الجنرالات، وليس فقط اتفاقًا بين البرهان وحميدتي.
الحبوب الذهبية
وكان كثيرون يشتبهون في أن حميدتي ــ الذي كان برفقة وزير التعدين والنفط محمد بشير أبو نمو، فضلاً عن وزير المالية جبريل إبراهيم ــ كان له هدف آخر في رحلته إلى روسيا وهو تأمين إمدادات قمح إضافية، مدفوعة الثمن بالذهب، لدرء الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتصاعدة.
وقد غذت هذه الفكرة جزئياً التقارير الدولية التي تفيد بأن روسيا تقوم بتهريب الذهب من السودان لبناء احتياطي هائل من السبائك الذهبية، بمساعدة عملاء من إمبراطورية التعدين والمرتزقة التابعة لمجموعة فاغنر في يفغيني بريغوزين. وأفادت بيانات غير رسمية من الإمارات العربية المتحدة أن ما قيمته أكثر من ١،٧مليار دولار من الذهب السوداني هبط في دبي العام الماضي، وهو ما يقل قليلا عن نصف قيمة جميع صادرات البلد. ولكن هناك القليل من البيانات الدقيقة تتبعها بعد وصولها إلى الإمارات العربية المتحدة. وتعتقد معظم صادرات الصناعة أن الأرقام الرسمية تمثل أقل من ربع مجموع مبيعات الذهب. وسجل المصرف المركزي للخرطوم صادرات من الذهب بلغت 26.4 طنا في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى أيلول/سبتمبر في عام 2021، ولكن تقديرات أكثر من 100 طن كانت ستهرب خلال تلك الفترة.
بالنسبة للمجلس العسكري، فإن القضية لا تتعلق فقط بتأمين ما يكفي من القمح ولكن أيضًا تمويل الإعانات لتخفيف ارتفاع الأسعار عن السودانيين.
أما بالنسبة للشوارع، فمن المقرر أن تستمر احتجاجات لجان المقاومة السودانية على الرغم من حملات القمع الأكثر قسوة والتي اتُهمت فيها قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، والتي تعمل بشكل مستقل عن التسلسل القيادي الرسمي. وهناك اتهام لجنود نظاميين في القوات المسلحة السودانية بارتكاب جريمة اغتصاب جماعي لشابة في 14 مارس/آذار، مما أثار موجة جديدة من الاحتجاجات.
الفصائل
وفي حين أن قوة لجان المقاومة تكمن في قاعدتها الشعبية المعادية للحكم العسكري، فإن الخلافات السياسية بين مختلف الفصائل تزداد حدة. وقد نشر مقربون من الحزب الشيوعي السوداني في 27 فبراير ميثاقاً يدعو إلى إنهاء النظام العسكري ويستبعد أي مفاوضات أو حلول توفيقية. ولكن نهجهم قد يكون متطرفاً للغاية بالنسبة للعديد من الساسة والناشطين المدنيين الآخرين، وهو ما قد يقضي على المحاولات الرامية إلى تشكيل وحدة بين أولئك الذين تجمعوا في صفوف قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بالرئيس البشير في عام 2019.
وبعد أشهر من المبادرات المحلية في الريف، التي يضطلع بها أعضاء هيئة التدريس في جامعة الخرطوم، من المقرر عقد تجمع وطني للجان المقاومة والأحزاب السياسية في 20 آذار/مارس في جامعة الجزيرة التي تقع على بعد حوالي 100 ميل جنوب شرق الخرطوم. وقد بذل نائب رئيس جامعة الخرطوم جهودا قوية لإنجاح المبادرة قدر الإمكان.
وفي حين أن التطرف الذي تمارسه لجان المقاومة يعزل بعض من اليائسين من التوصل إلى حل للمأزق، فإن آخرين في المعارضة قد بدأوا يتبادرون إلى التفكير. وقد كشف انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر، وما تلاه من تسوية فاشلة بين برهان ورئيس الوزراء السابق حمدوك، بعض خطط المدنيين على أنها تفتقر إلى الواقعية. واستقال العديد من السياسيين المدنيين من مناصبهم الحزبية، معترفين بالمسؤولية غير المباشرة عن الانقلاب.
ويشكل تكوين نوع من الوحدة التحدي الأكبر للمعارضة المدنية. فلأول مرة، سوف تكون هنالك محادثات بين حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي، ـ الذي شكله حسن الترابي، وهو المرشد الإيديولوجي لنظام البشير منذ أمد بعيد ـمع مكونات من قوى الحرية والتغيير، بما في ذلك حزب الأمة الوطني المركزي.
وسيراقب برهان، في الوقت نفسه، جهود الوساطة التي يقودها فولكر بيرتس، ممثل الأمم المتحدة الخاص للسودان. وكان التقرير الهائل المؤلف من 36 صفحة في أواخر شباط/فبراير موجزا بشأن مقترحات ملموسة، ولم يعط أي أمل في إحراز أي تقدم قبل نهاية العام. ويبدأ هذا التقرير بلا أمل: ‘قد يخيب هذا التقرير آمال أولئك الذين كانوا يتوقعون حلاً من الأمم المتحدة، يظل الهدف من هذه العملية دعم الحل السوداني نحو الخروج من الأزمة السياسية الحالية نحو تحقيق أهداف ثورتهم’. ثم أنها حددت مجالات توافق الآراء بين من تشاورهم من واضعيها، مطمئنة جميع القادمين بأن “الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الحكومة الديمقراطية التي يقودها المدنيون بوصفها الهدف النهائي للفترة الانتقالية في السودان”.
وقد تحدث واضعو تقرير الأمم المتحدة، الذين بحثوا على مدى خمسة أسابيع، إلى الجنود والسياسيين وموظفي الخدمة المدنية ولجان المقاومة والجماعات النسائية ومقاتلي الميليشيات وقادة الصوفية ورجال الأعمال. وعلى الرغم من أن البحث ذهب إلى ما هو أبعد من إدانة العنف العسكري ضد المتظاهرين المدنيين والدعوة إلى إنهاء سوء الإدارة الاقتصادية، إلا أنه فشل في التعبير عن الأفكار الدينامية والخلاقة التي تدور حول المناقشات السياسية في السودان. بينما يقود برهان وحميدتي المجلس العسكري مرة أخرى إلى أسوأ أيام القمع العنيف الذي كان ايام حكم البشير، يتساءل العديد من السودانيين عن الاسباب التي ادت لقيام ثورة 2019. فهم لا يثقون كثيرا بقدرة الأمم المتحدة على تغيير الأمور.
لم تكن جهود بيتريس مثمرة مما اثار اعجاب البرهان إلى حد كبير، حيث أن هذا من شأنه أن يوفر لزعيم المجلس العسكري المزيد من الوقت لكي يتماسك مع مجموعة أصدقاء السودان التي يهيمن عليها الغرب من المانحين الدوليين والمؤسسات المتعددة الأطراف.
صفقة الوساطة
وفي 7 مارس/آذار، تم التوصل إلى اتفاق لإعطاء الاتحاد الأفريقي دوراً أكبر في الوساطة. ويتعين على بيرتس والاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات أن يتعاونا لتعزيز الجهود الرامية إلى إنهاء الجمود والمواجهة بين الجنرالات والمدنيين.
ويتفق كلاهما على ضرورة “إنهاء الانقلاب” وإعادة البلد إلى مرحلة انتقال متفق عليها وصولا إلى الانتخابات. وإلا فالبديل هو الخراب الاقتصادي و “انهيار الدولة”. ومع ذلك فإن مثل هذه العبارات القوية تتلخص في الوزن الدبلوماسي الذي يحمله بيرتس أو لبات وأفكارهما من أجل الانتقال. وهذا يساعد في تفسير استمرار شعبية وشجاعة المتظاهرين المناصرين للديمقراطية في ظل القمع العسكري الأشد شراسة.
مداميك- أفريكا كونفدنشيال