عاش كفاح الشماشة

تمرُّ علينا غداً وعلى استحياء كالعادة الذكرى الثلاثون لانتفاضة أبريل، بعد أن لم يعد لنا في سيرة الانتفاضات من نصيب سوى ذكراها، وأكتوبر، وكعادتي كلما عادت علينا ذكرى الانتفاضة، أعود بدوري لأتذكر ما أعتبره شخصياً من أهم الأدوار التي ساهمت في إنجاحها، رغم أن الشريحة التي أدت هذا الدور باقتدار هي شريحة (الشماشة) المنبوذة والمحتقرة.

وعلى ذكر الانتفاضة وذكراها الخجولة التي لم يبق منها سوى ذكريات لا تصلح إلا لحكاوى النوستالجيا، تعود بي الذاكرة الى تلك الأيام المجيدة العجيبة، لا لأحدثكم عن وقفة الجيش والشرطة والتحامهما مع الجماهير، ولا عن موقف النقابات فرادى وجماعات، ولا عن «ركزة» الطلاب والطالبات، وبالضرورة سيتجاوز حديثي سوار الدهب والجزولي دفع الله وعمر الدقير؛ الذين كانوا يشكّلون رموزاً وواجهات لكل هذه الجهات على التوالي، بل سأحدثكم في ذكرى الانتفاضة بكل الإعجاب عن التحول العجيب الذي طرأ على سلوك شريحة ليست مغمورة فحسب، بل مطمورة تحت أنقاض المدن، تعيش داخل قيعانها وتتغذى على فضلاتها، منبوذة ومطرودة من رحمة الوطن، لا يُذكر اسمها إلا مقروناً بكل ما هو شائن وقبيح ومجافٍ لما استقرت عليه أعراف المجتمع وأخلاقه المرعية، فكان عجيباً وغريباً أن تتحول شريحة موسومة بكل هذا السوء ومعطونة في وحل القاذورات لتصبح فصيلاً متقدماً من فصائل الانتفاضة، تجد الاعتراف وتنال الإعجاب لدرجة أن صحافياً مخضرماً أطلق على صحيفته التي أصدرها عقب الانتفاضة اسم «الشماشة» عرفاناً بدورهم فيها …

ففي الوقت الذي كان الناس يخشون من دور قذر يقوم به الشماشة، كأن يندسوا بين أمواج المتظاهرين ليمارسوا الخطف والنشل، أو أن يستغلوا فرصة خلو الدور من أهلها لانخراطهم في التظاهرات فيهجموا عليها، أو أن يهتبلوا السوانح التي كثيراً ما تهيأت لهم لنهب الأسواق والمحال التجارية، إذا بالشماشة يفاجئون أعدى أعدائهم بوقفة ومشاركة لم يكن ينتظرها منهم أكثر المتعاطفين معهم، فقد تركوا كل ما اعتادوا عليه وراء ظهورهم وتقدموا الصفوف يهتفون ويمارسون الاحتجاج على طريقتهم، ومما يُحفظ للشماشة ويُحمد لهم قبل ذلك هو أنهم ببسالة لم تتهيب غلظة قوات مكافحة الشغب كانوا أهل السبق في كسر حاجز الرهبة الذي فتح الطريق للآخرين، وإن أنسى فلن أنسى ما حييت صورة ذلك الشماشي من معتادي النشل الذي بدلاً من أن ينحشر بين جموع المتظاهرين ليتصيّد جيوبهم بخفة وبراعة عُرف بها كما حدثني رقيب أول شرطة كان ضمن سرية تتابع وتراقب تلك التظاهرة، بدلاً من استغلال هذه الأجواء المواتية، كان ذاك الشماشي يتقدم الصفوف وهو يحمل علم السودان القديم بألوانه الثلاثة؛ الأزرق والأخضر والأصفر يلوّح به عالياً.

لقد كان للشماشة دور مؤثر في انتفاضة أبريل لا يجب القفز فوقه حين تأتي ذكراها، ولهذا دائماً ما أحرص على إيفائهم هذا الحق المستحق حين أجد من يحيون ذكراها يدبجون المقالات ويجرون الحوارات عن كل شيء ومع كل من له صلة بالانتفاضة إلا هؤلاء الشماشة لهم التحية والتقدير في ذكرى انتفاضة كانوا أحد قادتها المغمورين.

التغيير

تعليق واحد

  1. ولماذا لا نعطي كل ذي حق حقه ؟؟؟!!! انهم أكثر الناس تظلما ودفعت بهم قوى الظلم والنسيان الى ما آلوا اليه: مما دفعهم الى العيش تحت لهيب الشمس يفترشون الأرض ويلتحفون السماء… لهم الله جميعهم وأيدهم بعدل منه انه سميع مجيب

  2. سوار الدهب والجزولي دفع الله وعمر الدقير؛ الذين كانوا يشكّلون رموزاً وواجهات

    البطل عمر الدقير الوحيد الذي ركز شامخا علي المبدا مش زي الوساخة الجزولي وسوار الزفت

  3. نعم كان لهم دور عظيم في إ>كاء نار الانتفاضة. مازلت ا>كر في اليوم الاول 26 مارس عندما شاهدتهم بالقرب من نادي الهلال وهم مازالو يحملون لافته كتب عليا (لن ترتاح ياسفاح) و>لك عند الساعة الثالثة ظهرا ,لقد أعجبت بإصرارهم علي مواصلة المظاهرة رغم حرارة الشمس. نعم كانو قلة ولكنهم وميض نار

  4. تعرف ياود المكاشفى لو كان كتبت هذا المقال بلغة الراندوق لكان أجمل .. ومساهمة منك لرد بعض
    الجميل لهذة الفئة التى غدر بها الزمن والناس .. حاول وسوف لن تخيب .. مع قاموس الكلمات الصعبة
    للحناكيش واولاد الشهادة العربية .

  5. التحية لك اخ حيدر وكما تعرف فإن للثورة الناجحة الف اب اما الثورة الفاشلة فيه مولود غير شرعي الكل يتبرأ منه وكما نعلم فإن ثورة ابريل ان جاز لنا التعبير فآباؤها هم الشماشة وانت تشهد وانا اشهد بذلك وعندما نجحت ظهر لها الانتهازيون من كل حدب وصوب والكل يدعي ان له فيها شأن لا يمكن تجاوزه وايضا انت تعلم وانا اعلم ان ذلك الشأن لم يكن إلا الاختباء في الجحور والمراقبة من بعيد وترك الشماشة يؤدون دورهم وهذا بالضبط ما يحدث الآن ولكن هذه المرة يبدوا ان الشماشة قد صاموا او عقموا ولم يعودوا قادرين على القيام بثورة لذلك انتظر الانتهازيون وانتظرنا معهم 25 سنة فقدنا فيها نصف الارض ونصف الشعب وربما يكون هذا هو السبب لأن نصف الشماشة قد ذهب مع النصف المفقود…….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..