مقالات سياسية

لهجة المركز ولهجة حمدان

اللهجات المستخرجة من اللغة العربية كثيرة وعديدة، وفي بلادنا فُرضت لهجة واحدة هيمنت على اللهجات القادمة من اطراف البلاد – من الشمال والشرق والغرب، وهذه اللهجة المركزية هي مزيج من مفردات العربية والتركية والمصرية والأسكتلندية والكوشية القديمة، ومثل هذه المفردات التي من شاكلة:(سجم وكوراك و آآآآي وأوضة وشفخانة وجبخانة وهلمجرا)، جميعها كونت ما أطلق عليه اليوم (العامية السودانية) التي في حقيقتها لم تعم كل انحاء السودان إلا بعد أن اعتمدت على سطوة السلطة التي اتخذتها معبراً عنها في المحافل الرسمية والشعبية، وساهمت إذاعة أم درمان في بسط استحواذها على مسامع السكان الذين في الأصل لهم لهجاتهم ولغاتهم التي يعتزون ويفاخرون بها.

اللهجة السودانية المركزية غريبة على رصيفاتها من اللهجات الأخرى في البلدان العربية، وهي مصدر تهكم من بعض الأفراد بتلك البلدان، تماماً مثل تهكم فرق تيراب والهمبريب على لهجات إخوتنا الجنوبيين والنوبيين والبجاويين، وقد عايشنا معاناة تهكم هؤلاء الأعراب على لهجتنا المركزية كمغتربين بدول الخليج العربي، فعندما ينادي المنادي عليك (يازووول) فإنّ النداء يحمل في طياته الدعابة المصحوبة بالسخرية المتوارية خجلاً وراء مفردة (زول)، وهذا الأستغراب من كلمة (زول) مازال يكسي وجوه سكان بلدان هذه المنطقة، رغم اجتهاداتنا المستميتة واثباتاتنا المضنية وبحوثنا الغارقة والمنهمكة في القاموس المحيط والقواميس الأخرى، سعياً يائساً منا لإيجاد تعريف معنوي يرفد لنا هذه المفردة برافد من روافد لغة يعرب بن قحطان.

الفرد السوداني إن أراد أن يقول (أُريد) يلهج بكلمة لا علاقة لها باللغة العربية من قريب أو بعيد، وهي كلمة (داير)، التي يدور رأس دهاقنة الأعراب وأذيال المستعربين استهجاناً لها عندما يلفظها ابن السودان البار أمامهم، وترتفع حواجب الدهشة لديهم عندما (يطنجر الزول) ويصيح (ياخي ما تكورك فيني)، لأنهم لا يعلمون شيئاً عن الفعل (كورك – يكورك – كوراك) ولا يستطيعون أن يجدوا له تصريفاً بنصوص كتبهم ومراجعهم النحوية والصرفية، ولأن السبب وبكل بساطة يرجع إلى أن هذه المفردة في أصلها غير عربية البتة، وكثيراً ما سمعنا بالروايات الشعبية التي تمجد اللهجة المركزية وتحاول وضعها في مصاف اللهجات العربية الأصيلة التي يرجع تاريخها إلى عصور زهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد.

النائب الأول لرئيس الجهاز السيادي أعاد حيوية لهجة أحفاد (جنيد) إلى مركز السودان مرة أخرى بعد أن اندثرت، وكان إزدهارها في عهد خليفة المهدي وصحبه الميامين، جراب الراي والدكيم و ولد أحمد وجانو، فكما قال أحد الالمان لواحد من الشرق أوسطيين (لو لم يُهزم هتلر لكنتَ اليوم من الذين يتحدثون الالمانية بطلاقة)، قال هذا بعد أن تباهى هذا الرجل الشرق أوسطي بإجادته للغة الأنجليزية أمام هذا الالماني المناصر والمعتز بالعهد الهتلري، فلعل ذات المستنكرين على نائب رئيس الجهاز السيادي بالبلاد استخدامه لمفردة (الدرت)، في حاجة ماسّة إلى رد مماثل يشبه قول هذا العجوز الالماني.

اللهجة المركزية ولا أقول (العامية السودانية)، بها عيوب وثقوب كثيرة لا تؤهلها لأن تتبنى نسباً للغة العربية، كما أنه ليس لها الحق في أن تستحقر أو تستهجن المتحدثين بلهجاتهم الأصيلة في الغرب والشرق والشمال، بمحاولات الأستحواذ والتكويش والإدعاء العروبي الزائف، فبينما يقول المتفاخرون باللهجة المركزية (النسوان مشوا السوق) يقول رهط محمد بن حمدان (العوين مشن السوق)، وهنا الفرق واضح بين من يستخدم واو الجماعة (خطأً) لجمع المؤنث ومن يضع نون النسوة في موضعها الصحيح، وكما اختار أحد الصحفيين جملة (القراية أم دق) عنواناً لعموده اليومي، علينا أن لا نستنكر وصف ممثل السيادة الوطنية الانتقالية للعملية التعليمية بالقراية.

الثورة التي يلهج باسمها شباب المقاومة ليست محصورة بين الحتانة والديم وديوم بحري، فهي ثورة ثقافية وانقلاب اجتماعي كبير واجب عليه أن يتيح للتنوع السكاني السوداني الفريد لأن يعبر عن ذاته دون قمع ولا استهجان، وتحدثنا مراراً حول ضرورة تفرغ وزير الثقافة الاعلام لصياغة الرسالة الإعلامية التي تلبي طموح ثوار نيرتتي وكسلا وكادقلي ثم مناضلي لجان مقاومة الحتانة، بتنقية الأثير الأذاعي والتلفزيوني من شوائب سموم النكتة القبلية وسطوة عروض مسرحية الرجل الواحد، ونوصي أصحاب العقول المركزية بالخروج من (كرش الفيل) ويلقوا بنظرهم على خارطة الوطن الإجتماعية والثقافية من خلال منظار مركوز على قمتي جبل مرة وجبل التاكا.

ما يحدث في مركز البلاد من ممارسات عنصرية مقيتة وإقصاءات جهوية صارخة لن يبني وطناً يسع الجميع، فلندع شعوب السودان وقبائله حرة طليقة كي تعبر عن هوياتها اللغوية والثقافية، فبعد مجيء ثورة ديسمبر قد تزامن معها الخطاب الشعبي الرافض لغرور الدكتاتورية والمقاوم لصلف عنصرية الدكتاتوريين، فحري بلجان مقاومتنا أن لا تكون امتداد لكتائب ظل المنظومة البائدة، فالثائر لا ينتقم ولا يجامل ولايجالس الغوغاء.

إسماعيل عبد الله
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. لو تكرمت اقرأ هذا المقال مرة اخرى بموضوعيه وتجرد وسوف تتمنى انك لم تكتبه

  2. انت اكثر عنصرية وقبلية من المركز يا اسماعيل عبدالله..قبل ان تنصح المركز راجع نفسك وقومها

  3. (وهنا الفرق واضح بين من يستخدم واو الجماعة (خطأً) لجمع المؤنث ومن يضع نون النسوة في موضعها الصحيح، …)
    بالغت فيها المرة دي … قلت لي حميدتي ده مش بس قاطع طريق ومورد مرتزقة … هو أيضا “عبدالله الطيب” في اللغة العربية …
    ياخي عيب ..كثير التلج “المدفوع القيمة” ما كده! بعدين مسح الدوخ بالغباء هذا بجيب نتائج عكسية …على بالحرم لو أنا حميدتي ما أدفع ليك تعريفة وأمنعك من الدفاع عني

  4. والله يا اسماعيل حيرتنا بعنصريتك القاطعا من رأسك دي ،،، تاني القال ليك منو كلمة درت كلمة غرابية دي كلمة وسط اصيلة قد يكون الشباب الجديد لا يعرفها لكنها كلمة وسط ( شمس الدرت البتنجض العيش) وليس الدخن ذي ما عندكم في الغرب ،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..