سعودية ولي العهد ومصر السيسي وسودان النخب الفاشلة

طاهر عمر
ولي العهد السعودي إلتقط موجات إرسال عالم حديث أصبح تاريخه مشترك منذ قيام الثورة الصناعية عام 1776م وأصبحت فيه حيلتا الإنكفاء والإلتواء لا تجديان في عالم أصبح متداخل وأصبحت همومه وشجونه لا تهدهدها غير معادلة الحرية والعدالة.
قدم ولي العهد السعودي مشروعه النهضوي 2030م لكي يتخطى حيرة ما بعد الصحوة الإسلامية وقد أخذت من العالم العربي والإسلامي نصف قرن وهو غارق في معاداته للحداثة بعد فشل جمال عبدالناصر في إنزال قيم الجمهورية فاذا بحشوده تورثها الحركات الإسلامية وتسير بها كالسائر في نومه لتستيقظ على كابوس أي أنها تتأهب للخروج من التاريخ.
منذ بدايات سبعينيات القرن المنصرم لم تنتبه النخب في العالم العربي والإسلامي أن تاريخ العالم بعد الثورة الصناعية أصبح ولأول مرة تاريخ مشترك للإنسانية كافة وتسوقة معاني الشرط الإنساني الذي يصبح الأفق الذي لا يمكن تجاوزه وهو يتجسد في الفلسفة السياسية فيما يتعلق بتجسيد فكرة العدالة والمساواة نتاج الفعل الإجتماعي لظاهرة المجتمع البشري.
بالتالي يصبح المدخل لبوابتها المفتوحة فكرة النزعة الإنسانية القائمة على مجد العقلانية وإبداع العقل البشري أي أن تجربة الإنسانية قد أتاحت في نضجها أن يفارق الفكر الإنساني ما ظل المفكر في العالم العربي غائص في وحله أي وحل الفكر الديني الذي يقف خلفه رجال دين في العالم العربي والإسلامي بنهضة عرجاء لم تستطع أن تساير عقل العالم الحديث منذ أيام الأفغاني و تلميذه الإمام محمد عبده بل هي نفسها نتاج أزمة حضارة عربية إسلامية تقليدية لم تنتج غير إختناقات إقتصادية متسلسلة وإزمات سياسية متسارعة.
وعليه يمكننا أن نقول أن فكرة ولي العهد السعودي بإبعاده لرجال الدين وخطابهم وأنه بهم ومعهم لا يمكن تحقيق تنمية على صعيدي الإقتصاد والإجتماع هي نقلة فكرية هائلة وغير متوقعة أن تخرج من السعودية التي قد كانت في قلب موجات الصحوة الإسلامية بل كانت متماهية مع خطاب الإسلاميين الى أن وصل لمرحلة التضخم وبداءت نيران إرهابه تلحق بالداخل السعودي في بعض مدنه.
وحينها قد أدركت السعودية أن برامج الصحوة والهوس الديني لا يفتح إلا على أبواب الخروج من التاريخ وبالتالي إستدارت السعودية لتتصالح مع العالم الحديث بإبعادها لرجال الدين من المشهد ويصبح طريقها مفتوح لتنقل تجربة المجتمعات الصناعية وتصبح أول من يلتقط موجات البث أي أن تاريخ العالم بعد الثورة الصناعية قد أصبح تاريخ للبشرية كافة أما تاريخ بلدك لوحده أو تاريخ قارته التي ينتمي لها ليس له معنى في مسيرة تكامل العالم لكي يصبح وحدة يهمها سلام وإزدهار العالم في مواثيقه فيما يتعلق بحقوق الإنسان وقطفه لثمار الإزدهار المادي.
من هنا يمكننا القول أن ولي العهد السعودي يدرك أن السعودية على المدى الطويل تنتظر قفزة أخرى كقفزته التي أبعدت رجال الدين من المشهد السياسي والفكري بل هي أكثر أهمية وهي مسألة الإصلاح السياسي الذي ينقل المجتمع بإتجاه التحول نحو مجتمعات الحرية والعدالة وهي أكثر حرج للملوك والسلاطين والأمراء في العالم العربي والإسلامي فيما يتعلق بالتحول نحو الديمقراطية ونضج المجتمعات في العالم الحديث.
لذلك نجد أن دول الخليج كانت محرجة بربيع الحريات ولم تدّخر جهد لم يفشله لصالح الدكتوريات والملوك والسلاطيين والأمراء ريثما يتجهزوا للتحول والإصلاح السياسي وبالتالي نجد دول الخليج قد ساعدت السياسي في مصر إقتصاديا ليؤسس نظام حكم تسلطي ويفشّل مثيرة التحول الديمقراطي نتيجة ثورة الربيع في مصر لأن نظام حكم تسلطي في مصر يشبه نظم الحكم التقليدية في دول الخليج من ملوك وسلاطيين وأمراء وكما رأينا كيف أعادت الدول العربية ترتيب البيت لعودة سوريا الى حضن النظم التقليدية في الجامعة العربية وكلها جهود تقوم بها نظم الحكم التقليدية في العالم العربي لكي تعطل نتاج ثورات الربيع العربي وتوق الشعوب للحرية والعدالة ريثما تجهّز النظم العربية التقليدية بيتها وترتبه من الداخل لإصلاح سياسي لا محالة آت.
وقد يتذكر السودانيون كيف حاولت كل من السعودية ومصر عرقلة التحول الديمقراطي في السودان ولكن بفضل إعجاب العالم بثوار ثورة ديسمبر نتذكر كيف خاطبت الولايات المتحدة كل من مصر والسعودية ومنعهما من تدخلهما فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي في السودان وها هي الحرب العبثية قد أخمدت شعلة الثورة بتشريد الشعب نتيجة لحرب الكل ضد الكل.
يبقى في هذا المقال إمكانية مقاربة إبعاد ولي العهد السعودي لرجال الدين المزعجين من المشهد السياسي والفكري في السعودية وهنا يمكننا أن نقول أن ولي العهد السعودي قد حقق جزء من نظرة ماكس فيبر الفكرية في أن الايمان الديني التقليدي لم يعد كجالب لسلام العالم كما أكده ولي العهد السعودي عندما قال مع الفكر التقليدي والايمان التقليدي به ومعه لا يمكننا تحقيق تنمية ولا إنتماء لعالم حديث إلا أن السعودية كمملكة تظل في فكر ماكس فيبر تجسد نظام ملكي تقليدي قد تجاوزه الزمن.
في نظر ماكس فيبر عندما يتحدث عن النظم الملكية التقليدية وقد تجاوزها الزمن وكذلك نظم الحكم الشمولية في نظر ماكس فيبر قد تجاوزها الزمن وكما قلنا في هذا المقال وشبهناه بما يؤسس له السيسي في مصر وسيفتح على نظام حكم شمولي تسلطي يبقى يمكننا أن نقول أن إبعاد السعودية للفكر الديني التقليدي هو تطبيق لنصف فكرة من أفكار ماكس فيبر وحديثه عن زوال سحر العالم أي أن الدين لم يعد أن يكون قادر على لعب دور بنيوي على صعد السياسة والإجتماع والإقتصاد كما أكده ولي العهد السعودي إلا أن النظام الملكي التقليدي في السعودية يظل في فكر ماكس فيبر لا علاقة له بمفهوم الدولة الحديثة.
وعنده أي أن مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر تجسيد لقيم الجمهورية وتحقيق للعدالة والمساواة عبر معادلة الحرية والعدالة و لا تفسرها غير مسيرة الفكر الليبرالي لهذا قد قلنا في أعلى المقال على المدى الطويل ينتظر السعودية إصلاح سياسي يسير بإتجاه مفهوم الدولة الحديثة التي تحدث عنها ماكس فيبر وهو يعني قيم الجمهورية والقيم الليبرالية التي قد إنتصرت على النظم الملكية التقليدية والنظم الشمولية كالشيوعية وتبقى مسيرة الفكر الليبرالي عند ماكس فيبر هي ما تفسر ظاهرة المجتمع البشري.
من هنا في هذا المقال دعوتنا للنخب السودانية وقولنا لهم أن مسيرة التحول الديمقراطي تتطلب أن ينتشر فكر ماكس فيبر في حديثه عن مفهوم الدولة الحديثة وهي تجسيد لقيم الجمهورية وعند ماكس فيبر أن البشرية قد تخطت النظم الملكية التقليدية والنظم الشمولية كالشيوعية.
هذا هو فكر ماكس فيبر في إرتكازه على فلسفة النيوكانطية في قدرتها على فصل الدين عن الدولة وبعدها تصبح الديمقراطية ليست نظم حكم فحسب بل فلسفة لتجسيد فكرة العيش المشترك لتحقيق فكرة العدالة والمساواة التي لا تتحقق في ظل الخطاب الديني أي دين.
ونختم مقالنا ونؤكد فيه أن ماكس فيبر عندما يتحدث عن مفهوم الدولة الحديثة يقصد إنتصار الفكر الليبرالي وشرحه لظاهرة المجتمع البشري في تخطيها للنظم الملكية التقليدية والنظم الشمولية كالشيوعية والمؤسف نجد كثر من المفكريين السودانيين ما زالوا من ضحايا الإلتباس عن مفهوم الدولة الحديثة ويظنون أن الدولة يمكن تكون تحت نظام شمولي أو ملكي تقليدي أو عسكري مثل البرهان وجيشه وكثر يعتقدون أنه أي البرهان وجيشه في حربه العبثية مع صنيعته الدعم السريع يمثل الدولة.
وهذا الإلتباس قد أفسد مفهومي ممارسة السلطة في الدولة الحديثة ومفهوم الدولة الحديثة كما يتحدث عنهما ماكس فيبر عند أغلب النخب السودانية لذلك تجد أغلب النخب السودانية يطلبون النصح من الدكتاتوريات من حولنا في الدول المحيطة بالسودان كنظام سلفاكير أو رئيس إترتريا أو عبد الفتاح السيسي في وقت كان على النخب السودانية أن تنتبه أن التحول الديمقراطي أفكاره تحتاج لإجتهاد مفارق لآفاق الأسر الملكية التقليدية والنظم الشمولية المحيطة بالسودان.