لنتحدث لغة الأرقام

لنتحدث لغة الأرقام
رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]
يبدو أن العادة التي ورثها الناس في بلادنا , عن أسلافهم, جعلتهم لا يلقون بالاً , لتسجيل و تدوين الحوادث التي تقع في حياتهم. كان الناس قديما, يؤرخون هذه الحوادث بنسبتها إلي أحداث هامة , مثلت علامة فارقة في حياتهم. كانوا يقولون ( سنة البحر ) أي سنة 1946م , التي فاض فيها النيل فيضاناً عالياً, لم يشهدوا له مثيلاً في تاريخهم الحديث. و ( سنة الكرنتينة) , أي سنة 1934م , التي وقع فيها وباء الطاعون , الذي أصاب الماشية, فحجزوها في المحجر البيطري ( الكرنتينة). و ( سنة ستة ) و هي سنة 1306 هـ , الموافق لسنة 1889م و التي حدثت فيها المجاعة الشهيرة, في عهد المهدية. و يروي أن البعض إضطروا لأكل ما لم يألفوا أكله, و بعضهم أغلقوا منازلهم و ماتوا في الداخل, تعففاً من سؤال الناس!
و يبدو أن الجهل الذي كان يسود في الماضي, بسبب عدم توفر فرص التعليم, ساعد علي ألا يسجل الناس, هذه الحوادث التي وقعت في حياتهم, و من ثم إندثر جزء كبير من التراث, و دفنت حقائق مع من ماتوا و دفنوا تحت التراب, و أدي هذا الوضع إلي أن نخسر جزءاً كبيراً من تراثنا القومي , و سادت ثقافة المشافهة, بدل من التسجيل.
الناس في المجتمعات المتقدمة, يتحدثون لغة الأرقام, و يسجلون الحوادث التي تقع في حياتهم, مهما كانت صغيرة و قل شأنها, و لكن هي عادتهم التي إعتادوها . لقد أصبحت لغة الأرقام, جزءاً من حياة الناس في هذه المجتمعات. عن طريق هذه الأرقام, يقفون علي إتجاهات السياسة و الحكم في بلادهم, و يتشكل الرأي العام وفقاً لهذه القراءة . و مثال لهذا , التقارير المالية التي تعدها إدارة الشركات التجارية. تعد هذه التقارير بمثابة حلقة الوصل , بين الشركة و أصحاب المصالح Stakeholders من عمال و موظفين و عملاء و موردين و مجتمع محلي و بيئة طبيعية. بالتالي تعمل هذه الشركات , علي توخي الدقة , في إعداد هذه التقارير, التي صارت متاحة للجميع بفضل الشفافية التي تتمتع بها هذه المجتمعات المتقدمة و بالذات , النشاطات التي تتعلق بحماية المستهلك و البيئة . و معلوم , أن الشفافية Transparency هي من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ما يسمونه حوكمة الشركات Corporate governance, بل أكثر من هذا, صارت الشركات التجارية, تنشط في العقود الأخيرة , في مجال ما يسمونه , المسئولية الإجتماعية للشركات Corporate Social Responsibilty ( CSR), و ذلك عن طريق تقديم خدماتها للمجتمع المحلي و الأجنبي , حتي تحصل علي لقب ما يسمونه, مواطنة الشركة Corporate citizenship , أي لكي تكتسب صفة مواطن صالح. بل أكثر من هذا, فإن المواطن في هذه المجتمعات يتمتع بوعي عالي و قوة في رأيه تجاه ما تقوم به الحكومة من عمل. و يستند المواطن لتكوين رأيه تجاه ما يدور من أحداث علي التقارير التي تعدها و تنشرها الحكومة عن نشاطها, أي ما تنتوي عمله في خلال العام و في المستقبل , و ماذا أنجزت و لم أخفقت في إنجاز ما إختطته , أي أنه توجد مسئولية و مساءلة للنظام الحاكم Accountability. و بالتالي يكون المواطن علي علم بما يدور من أحداث, تدفعه , إما إلي مؤازرة الحكومة أو مناهضتها.
أما في المجتمعات المتخلفة, مثل بلادنا, فالناس لا يلقون بالاً إلي الأرقام و لغتها, بل يتحدثون بلغة الإنشاء , التي تغلب عليها العاطفة. و مثال لهذا , الإنتخابات التي تمت أخيراً في بلادنا. لم اقرأ لأي من الأحزاب المعارضة لسياسة الحكومة, أنها أوردت رقماً , ضمن ما أصدرته من منشورات و دعاية إنتخابية. لم يتم قراءة نشاط الحكومة في الفترة الماضية, بل ميزانية العام السابق لهذه الإنتخابات , بل كان حديث إنشائي عاطفي, دغدغ مشاعر الأهلين. ليس هذا حديث سياسة. السياسة , هي ما تعكسه الأرقام , التي تعبر عن الأداء سواء كان إنتاج أو خدمات . بل حتي الحزب الحاكم , عمد إلي دغدغة المشاعر هذه, و كأن الناس في بلادنا يفكرون ببطونهم و ليس بعقولهم. لقد إنتهي الزمن , الذي كان يقول فيه المرشح للناخب ( سوف نعمل).
و الآن , و قد إتسعت قاعدة التعليم, و أنشئت كليات عدة للتجارة و للإقتصاد , في بلدنا, إذن فلنعمل علي نشر الوعي بثقافة الأرقام, و ذلك من أجل خلق وعي لمجري الأحداث في بلدنا, و التعود علي قراءة الأحداث مدعومة بلغة الأرقام, و العمل علي بلورة الرأي العام, لخير الوطن و المواطن.
يقول تعالي في محكم تنزيله ( و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم و لتعلموا عدد السنين و الحساب ).
و يقول أبوعثمان الجاحظ في كتابه , البيان و التبيين : و الحساب يشتمل علي معان كثيرة, و منافع جليلة. و لولا معرفة العباد بمعني الحساب في الدنيا, لما فهموا عن الله عز و جل معني الحساب في الآخرة. و في عدم اللفظ و فساد الخط و الجهل بالعقد, فساد جل النعم و فقدان جمهور المنافع , و إختلال كل ما جعله الله عز و جل لنا قواماً, و مصلحة و نظاماً.
الرياض / السعودية




كلامك دا كويس بس بعد ما تسقط حيكومة الدجل والنفاق واكلي اموال الشعب تعال قوله لينا (ما تشتت انتباهنا) !!!!!!!