مقالات وآراء

متي يعلنون وفاة وادي حلفا؟

بعد اتفاقية الحريات الاربع التي تخدم اطماع النظام المصري مستغلا محاولة اغتيال حسني مبارك، عقدت الحكومتان عدة برتكولات منها تمليك المصريين ملايين الافدنة في الحوض النوبي المتاخم للحدود المصرية والغني بالمياه الجوفية، وشرع الجانبان لمد الطرق البرية شرق وغرب النيل, ثم ظهر مشروع الربط السككى بين مصر والسودان لنقل البضائع والركاب في بدايات القرن، وتم طرحه ومناقشته بصورة جادة خلال اجتماع وزراء النقل العرب عام 2010.

عام ٢٠١٢ اوكلت مهمة الدراسات للمكتب الاستشارى «إيطاليا فير»، كان المشروع المقترح تنفيذ خط السكة الحديد بين البلدين مرورا بوادي حلفا، بطول 630 كيلومترا، وإنشاء محطة تبادلية حدودية(وادي حلفا) لتدخلها القطارات من الجانبين ويحدث بينها عملية شحن وتفريغ سواء للأشخاص أو البضائع، ومساعدة السودان لتطوير شبكته الداخلية إلى الاتساع القياسى للسكك الحديدية مستقبلا، بترقية خط السكة الحديد من السعه الضيقة «١٠٠ سنتيمتر» إلى السعة القياسية المصرية وهو «١٤٣» سنتيمترا, وكان الدراسة ان يتحمل كل طرف تكلفة المسار داخل دولته حتي المحطة التبادلية.
في يوليو ٢٠١٨ تم الاعلان رسميا عن ربط البلدين بالسكك الحديدية اثناء زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للسودان, بعد حوالي ثلاثة اشهر من هذه الزيارة انعقد الاجتماع التأسيسى الأول للمشروع، وتقرر خلاله تغيير المسار بحيث يبدأ من مدينة أبوحمد حتى الحدود المصرية لمسافة تزيد علي ٣٢٠ كيلومترا, واختيارها كمحطة تبادلية ويجتاز الخط الحديدي الحدود الدولية بين البلدين علي مسافة تبعد اكثر ٢٠٠ كلم شرقا من مدينة وادي حلفا.

هذه الاتفاقية تحديدا تعني تحرير شهادة وفاة لمدينة وادي حلفا وكل المنطقة النوبية جنوبا حتي دنقلا.
من الواضح ان هذه الاتفاقية بصورتها الاخيرة تعيد للاذهان من حدث في بدايات استيلاء نظام البشير علي السلطة واغلاق ميناء وادي حلفا وتحويل مركز التجارة البينية بين مصر والسودان لمنطقة العبيدية , وكان الهدف الرئيسي افراغ المنطقة من السكان وهذا ما افصح عنه عبدالرحيم محمد حسين عام ١٩٩٩ عن اجتماعه بعمر سليمان للتفاوض حول حلايب, في المؤتمر الصحفي الذي اعقب ذلك الاجتماع تحدث رجل المخابرات المصري المدرب معربا عن اندهاشه لجرأة الوزير السوداني (تقرأ غباء), فيلتقط عبدالرحيم المايك ويقول:انا قلت ليهو حلايب شنو النتفاوض حولها حلايب دي ارض فاضية نحن عندنا محافظة كاملة(محافظة وادي حلفا) شبه فاضية وانتو عندكم انفجار سكاني تعالوا وسكنوا ناسكم عشان تعمروها, من هنا بدأت اتفاقيات الحريات الاربعة التي تخدم اطماع الانظمة المصرية.

من الاستراتيجيات الغير معلنة بين حكومتي البلدين احداث مانع بين النوبيين علي جانبي الحدود في مصر والسودان وظهر ذلك جليا عند تهجير النوبيين في مصر الي كوم امبو والسودانيين الي خشم القربة عند بناء السد العالي ورفض الحكومتين الخيارات المحلية لاعادة التوطين.

ان كارثة تجاوز وادي حلفا واغفال وضعها كمدينة حدودية وتجفيفها بافراغها من وضعها المكاني كمدينة تعيش علي التبادل التجاري وحركة المسافرين, تعتبر صفعة قاتلة ومدبرة لهذه المدينة التاريخية التي ظهرت كالعنقاء من تحت ركام الاغراق والتدمير وربما ستعتبر رصاصة الرحمة لها, ليس لها فقط بل جرس انذار لكل المنطقة النوبية ان اطماع المصريين لابتلاعها فقط مسألة وقت مع رضوخ الحكومات السودانية وتذللها لمصر.

|بعد اقل من شهر من تغيير المسار و قبل نهاية العام اندلعت ثورة ديسمبر التي اطاحت بنظام البشير في السودان , وتشكلت الحكومة الانتقالية في السودان برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك وكانت آمال كل السودانيين معقودة علي حكومته لتغليب مصلحة السودان والحد من الاطماع الاقليمية والدولية الا ان الكثير من تلك الآمال تذروها الرياح خاصة ان علاقاتنا مع دول المحاور تديرها منظومات المخابرات, وسط تذلل كامل للسلطات الحاكمة في السودان حيث اصبح القرار السوداني في ايادي دول بعينها.

فحكومة الثورة اعلنت انحيازها الواضح للموقف المصري في مفاوضات سد النهضة , وهنالك تسريبات مؤكدة ان المخابرات المصرية لعبت دورا محوريا في رفض تعيين احد النوبيين لمنصب والي الولاية الشمالية, ومما يزيد من هذه الهواجس ان الاتفاق بين الجانبين علي وشك الدخول لحيز التنفيذ خلال زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء المصري للسودان يوم غدا, حينها ستعلن وفاة وادي حلفا بصورة رسمية وستتبعها كل المنطقة النوبية.
منطقة المرفقات

سراج محمود
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. لقد هرمنا مما ظللنا نردده ولن نتوقف أبدا ما من عجب سوى التنسيق الكذوب بين مصر والسودان أنه تنسيق بين الضبع والنعجة..فالنعجة لامحالة مأكولة في النهاية مصالح البلدين لا ولن تلتقى بالمنطق المجرد لأن عجز السودان في الإستفادة من نصيبه المائى مفيد لمصر يعنى باختصار تخلف السودان وبقائه فى مستنقع الفقر هو ما تتمناه مصر بل تعمل على تحقيقه وبالتالى الغباء الذى نمارسه سيودى ببلادنا دون أدنى شك إلى الهاوية وما اقربها إلينا اليوم. كيف ننسق مع مصر وهى تحتل حلايب وشلاتين وابو رماد لتنسحب منها قبل أية خطوة من تلك الأراضى ونضيف لها بندا أخر الأراضى التى تغمرها مياه السد العالى يتم التوصل إلى إتفاق لتاجيرها ودفع قيمتها على ضوء المساحة السنوية بما يكفى لتعويض أهالى حلفا واستثمار جزء منها في تنمية إقليم بحيرة السد أو تسدد به قيمة الكهرباء التى نستوردها من مصر؟.الموضوع مياه النيل الأزرق وهو شأن فنى بحت فما دخل المخابرات المصرية نعلم أنها تتدخل فى أى شأن ولكن مع السودان الامر مختلف يا ساستنا بالله عليكم أخرجوا من بؤسكم وأطرحوا الخنوع لمصر جانبا واستردوا لنا حقوقنا منها فنحن الجيل الذى لا يحمل أى دين لمصر درسنا في السودان وكتبنا كانت تطبع في بريطانيا ولبنان درسنا بضعة أساتذة في المرحلة الثانوية وهؤلاء أستفادوا هم ايضا من السودان.. الزعم بالروابط التاريخية هراء إنما هى علاقة مستعمر بكسر الميم( بالمستعمر بفتح الميم).فالروبط التاريخية والقبلية لم تجعل الخليج بلدا واحدا ولم تتحد ايرلندا وبريطانيا على ضوئها والكوريتين كذلك فما الذى يجعل هذه العلاقة تتحكم في مصير شعب السودان .. ضعوا مصالحنا بوضوح على طاولة التفاوض فلاعيب فى ذلك أما الإنكسار فلا وألف لا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..