آخرها اتفاق إماراتي.. ما سر الاهتمام الدولي بموانئ السودان؟

تحولت موانئ السودان على البحر الأحمر إلى ساحة جديدة للصراع الدولي في محاولات متواصلة تبذلها دول إقليمية وعظمى للسيطرة عليها وتعزيز نفوذها بالمنطقة اقتصادياً وعسكرياً مستغلة الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها الدولة العربية في الأعوام العشرة الأخيرة.
وتتركز الموانئ في شرق السودان، وهي منطقة استراتيجية تحدها إريتريا ومصر وإثيوبيا، وتطل على المملكة العربية السعودية، ويمتد ساحلها على البحر الأحمر بطول 714 كم، وهذا أهم عوامل الصراع حولها.
صراع دولي
وأبرم السودان في السنوات الأخيرة، سواء في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، أو النظام الانتقالي الحالي، اتفاقيات مع عدة دول بينها قطر والإمارات وتركيا والصين وروسيا لتطوير موانئ شرق البلاد.
وفي 13 ديسمبر الجاري، تم توقيع أحدث الاتفاقيات المرتبطة بالموانئ بين السودان وتحالف إماراتي يضم شركتي “موانئ أبوظبي” و”إنفيكتوس” للاستثمار، وذلك بهدف تطوير وإدارة وتشغيل ميناء “أبو عمامة” والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر.
وحسب وكالة “رويترز”، فإن مراسم توقيع الاتفاقية تمت في القصر الجمهوري بالعاصمة الخرطوم، بين وزارة المالية السودانية وائتلاف الشركتين.
وذكرت أن قيمة الاستثمارات في ميناء أبو عمامة والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر تبلغ 6 مليارات دولار.
وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، خلال مراسم توقيع الاتفاق، إن المشروع يضم منطقة اقتصادية ومطاراً ومنطقة تجارية وأخرى زراعية.
ويقع ميناء أبو عمامة على بعد حوالي 200 كيلومتر إلى الشمال من بورتسودان، وسيتم بناؤه على غرار ميناء “جبل علي” في دبي، حسب تصريحات سابقة لوزير المالية السوداني في يونيو الماضي.
وفي العام 2021، كانت السلطات السودانية قد وقعت اتفاقية مع شركة صينية لتطوير ميناء “بورتسودان”، وقد بدأت الشركة بالفعل الأعمال المتعلقة بالمناولة وتعميق الميناء في الميناء الجنوبي.
كما تعاقدت الحكومة مع شركة ألمانية للتطوير وزيادة القدرة الاستيعابية للميناء ذاته، في سبيل تطوير الموانئ التي ما زالت تعتمد على الأنظمة القديمة في عملها، وجذب المزيد من السفن الكبرى.
وكان السودان قد وقع اتفاقية مع قطر في 2018، بقيمة 4 مليارات دولار من أجل التطوير المشترك لميناء جزيرة سواكن على البحر الأحمر.
وأبرمت الحكومة السودانية، في ديسمبر 2017، اتفاقية مع تركيا من أجل إعادة تأهيل جزيرة سواكن اقتصادياً، على هامش زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها إلى العاصمة الخرطوم.
ان ميناء سواكن مرفأ رئيسياً في السودان أثناء خضوعه للحكم العثماني، لكنه تعرض خلال القرن الأخير للإهمال بعد إقامة ميناء بورتسودان الواقع على مسافة 60 كيلومتراً إلى الشمال منه.
والاقتصاد ليس كل شيء؛ ففي نوفمبر 2020، وافق رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، على مشروع اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان للحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي.
وقد وافقت الحكومة السودانية على إقامة القاعدة في منطقة فلمنجو الاستراتيجية، وبدأ الروس فعلياً بعمليات إنشاء القاعدة.
غير أن المشروع توقف بعد أيام من وصول بارجة أمريكية إلى ميناء بورتسودان في منتصف يونيو 2021، وبررت الخرطوم توقف المشروع، حينها، بأن الاتفاقية لم تتم المصادقة عليها من قبل البرلمان الذي لم يشكل بعد.
أهمية استراتيجية
ولكن لماذا كل هذه الاتفاقيات لتطوير الموانئ؟ وما السر وراء السباق الدولي للظفر بمشاريع الاستثمار على الساحل السوداني الشرقي؟.
تعد منطقة شرق السودان المطلة على البحر الأحمر من أهم المناطق الاستراتيجية بالمنطقة؛ حيث تحدها إريتريا ومصر وإثيوبيا، وتطل على المملكة العربية السعودية، ويمتد ساحلها على البحر الأحمر بطول 714 كم.
كما أن الموانئ السودانية تقع في منطقة منتصف المسافة تقريباً بين آسيا وشرق أوروبا؛ ما يجعلها مؤهلة لأن تكون مركزاً لصيانة وتأهيل السفن.
وهذه الموانئ لا تخدم السودان فقط، بل تستفيد منها أربع دول غير مشاطئة؛ هي إثيوبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان، ما يزيد أهميتها خاصة أنها منفتحة على الحركة التجارية مع الصين وأوروبا.
وإضافة إلى الموانئ، فإن المناطق السودانية على البحر الأحمر غنية بالموارد الزراعية والنفطية والمعدنية أيضاً مثل الذهب واليورانيوم.
ولعل من أبرز الموانئ السودانية وأهمها بورتسودان الذي يعد منفذاً أساسياً لاستيراد السلع الاستراتيجية مثل الوقود والقمح والسكر إلى البلاد، وتصدير النفط خاصة نفط دولة جنوب السودان.
فيما يعتبر ميناء سواكن ثاني ميناء بعد بورتسودان، ويعد من أهم موانئ البحر الأحمر، فهو تاريخاً كان ممراً للحجاج الأفارقة والسودانيين في طريقهم لمكة عبر ميناء جدة.
ومن جهة أخرى، شهدت مدينة سواكن حضارات عديدة على مر العصور، وكان اسمها حاضراً بقوة في مؤلفات الرحالة العرب القدامى، وكانت الجزيرة مركزاً لبحرية الدولة العثمانية، كما كان ميناؤها في الفترة من 1821 حتى 1885 مقراً للحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر.
حلقة ربط
وفي تحليله لأسباب التنافس على الموانئ السودانية، رأى المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن “السيطرة على الموانئ خاصة الواقعة على البحر الأحمر أصبح هدفاً للعديد من الدول خاصة دول الخليج العربي والدول ذات الاقتصادات الكبرى مثل الصين”.
وأضاف أبو قمر، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “هذه الموانئ السودانية تعد حلقة ربط بين قارات العالم ونقاطاً استراتيجية على خارطة سلاسل الإمداد العالمية، علاوة على أنها منفذ وحيد للعديد من الدول الحبيسة مثل إثيوبيا”.
وتابع: “منطقة البحر الأحمر لها بعد استراتيجي واقتصادي وأمني لذلك من المنطق هذا التنافس القائم عليها”.
وأوضح أن الصين تسعى لأن تكون صاحبة اليد العليا في قطاع النقل البحري بالمنطقة ضمن مبادرتها لاستعادة مجد طريق الحرير التاريخي تحت اسم “الحزام والطريق”؛ لذلك ستكون موانئ السودان على البحر الأحمر أهم مفاتيح هذه السيطرة.
وبين أن الموانئ السودانية يمكن أن تكون حلقة وصل مهمة بين الصين ودول شرق آسيا من جهة والدول الأفريقية من جهة أخرى.
وبخصوص دول الخليج العربي، أشار أبو قمر إلى أن جزءاً مهماً من شحنات النفط الدولية تنقل عبر البحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس المصرية؛ “لذلك لا بد من تأمين هذا الطريق من خلال إحكام السيطرة على الموانئ الرئيسية فيه ومنها السودانية واليمنية وغيرها”.
الخليج اونلاين
هسة الخلايجة ما بيعطوكم قروش ببلاش ديل شحيحين شديد وهمهم السيطرة على موانئكم حتى لا تنافس موانئهم
السودان مقبل علي عصر ذهبي
“وبخصوص دول الخليج العربي، أشار أبو قمر إلى أن جزءاً مهماً من شحنات النفط الدولية تنقل عبر البحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس المصرية؛ “لذلك لا بد من تأمين هذا الطريق من خلال إحكام السيطرة على الموانئ الرئيسية فيه ومنها السودانية واليمنية وغيرها”.
السؤال المهم هو: هل هناك أي قوة داخل أو خارج منطقتنا تريد تعطيل الأنشطة التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر؟