مقالات سياسية

حول مآلات القرارات الحكومية الإقتصادية الفطيرة

سعيد أبو كمبال

أعنى بالقرار الحكومى الإقتصادى الفطير القرار الذى يصدر قبل أن يخضع للدارسة والنقاش الواسع والعميق ويتسم بعدم التقدير الكافى والعادل لمصالح الناس الذين يتأثرون بالقرار سواء كانوا منتجين للسلع والخدمات أو مستهلكين لها وعدم تقدير مصلحة الإقتصاد الوطنى.وقد شد إنتباهى خبران جاءا فى وسائل الإعلام أثناء الاسبوع المنتهى فى يوم الخميس 13أغسطس 2020 . ويقول الخبر  الأول أن (الثائر) مدنى عباس مدنى وزير التجارة والصناعة قد أصدر قراراً يحظر تصدير الفول السودانى بحجة تعظيم القيمة المضافة عن طريق تصنيع الفول السودانى وتصدير الزيت والأمباز وغيرها من المنتجات بدل تصدير الفول خام. ويقول الخبر الآخر أن والى الخرطوم الجديد (الثائر) أيمن خالد نمرقد أصدر قراراً بتغيير نظام توزيع دقيق القمح على المخابز بالخرطوم ونزع التوزيع من الوكلاء ( قطاع خاص ) وإعطائه إلى شركة حكومية.

تشجيع المزيد من التهريب:

قرار وزير التجارة والصناعة بحظر تصدير الفول السودانى فطير وضار وسئ التوقيت. ولا يحتاج المبادرون entrepreneursمن المشتغلين بالتجارة وأنتاج وبيع السلع والخدمات إلى قرار يحظر تصدير الفول السودانى لكى يقوموا بتصنيعه بدل تصديره خام.إنهم يعرفون أكثر من مدنى عباس مدنى و منى أنا كاتب هذا المقال ، يعرفون المكاسب الصافية (الإيرادات ناقصاً التكاليف) والمخاطر (إحتمالات الخسارة) فى تصنيع الفول السودانى اليوم فى بلد أكثر من (60)% من مصانعه إما متوقفة تماماً عن الإنتاج أوتعمل بطاقات متدنية جداً بسبب خوانق النقل والكهرباء والنقص الحاد فى الأيدى الماهرة وفى التمويل وهذا واقع يجعل جميع أنواع التصنيع غير ذات جدوى مالية أو ذات جدوى متدنية جداً وغير مشجعة بالمقارنة مع الدول التى تصدر أو تهرب إليها المنتجات السودانية حيث يتم تصنيعها.ولن يؤدى قرار مدنى عباس مدنى إلى تصنيع الفول السودانى بدل تصديره خام بل سوف يشجع المزيد من تهريب الفول السودانى إلى الدول المجاورة وتصديره من هناك وحرمان السودانيين من فرص العمل والدخول الناتجة من الإشتغال فى حلقات سلسلة التصدير وحرمان السودان من الدولارات التى يجلبها تصدير الفول السودانى. وقد درج مدنى عباس مدنى على إصدار القرارات الفطيرة فى جرأة يبغر عليها والسؤال: من أين أتى بتلك الجرأة؟.

عدم حساسية وإستخفاف بمصالح الناس:

عندما تقرر الحكومة أو تعلن عن سياسة جديدة أو تعديل وتغيير سياسة قائمة فإن المنتجين والمستهلكين يقومون بتكوين توقعات ويضعون خطط بناءً على ذلك الإعلان أو القرار وبعضهم يصرف أموال ويتكبد مصاريف وقد يخسر خسارة كبيرة فى حالة إلغاء أو تعديل تلك السياسة فى وقت قصير.ولذلك يعتبر إستقرار السياسات والقرارات من أهم مطلوبات إدارة أية دولة وأى إقتصاد بمسؤولية ورشد وعدل.ولكن القرار الذى أصدره والى ولاية الخرطوم ( الثائر)أيمن خالد نمر بتغيير نظام توزيع الدقيق على المخابز يفتقر إلى تقدير المسؤولية والرشد والعدل.

فقد عرفنا فى ظل حكم ( الإنقاذ ) تقلب وتضارب السياسات والقرارات ولم نستغرب لذلك لأن مبادئ تقدير المسؤولية والرشد والعدل لم تكن من المبادئ التى يتمسك بها النظام المخلوع ولكن من المستغرب جداً وغير المقبول أن يتصرف مسؤول فى حكومة ثورة ديسمبر 2018 وكأن الثورة لم تقم.وأرجو أن أوضح إبتداءً إنه ليست لى أنا شخصياً أو لأى من الذين لى معهم صلات قرابة أو مصاهرة أو جوار أو صداقة مصلحة صغيرة أو كبيرة فى توزيع دقيق القمح أو صناعة الخبز ولكن تزعجنى جداً الطريقة العشوائية التى يدار بها الإقتصاد السودانى. فقد تعددت وتقلبت القرارات الخاصة بتوزيع دقيق القمح التى اتخذت فى عهد ثورة ديسمبر 2018  لأن ( الثوار) يخاطبون أعراض المشاكل وليس جذورها . ومن المسلم به إنه لو لا دعم سعر دقيق القمح لما كانت هناك مشكلة فى توزيعه على المخابز ولكان  دقيق القمح يباع فى متاجر الجملة والقطاعى مثل بقية السلع. وهذه المشكلة تحتاج لمعالجة جذرية عن طريق إصلاح وترشيد الدعم وتحويله من دعم إستهلاك مواطنى الدول المجاورة التى يهرب إليها القمح ودقيق القمح؛ تحويله إلى دعم الإنتاج  بصرف الأموال التى تهدر فى دعم إستهلاك الرغيف؛ صرفها على الإستثمار فى البنيات التحتية لإزالة خوانق الإنتاج  وصرفها فى الإرتقاء بخدمات التعليم والصحة.وعلى (الثائر) والى الخرطوم أن يعرف أن تقلب وعدم إستقرار السياسات الحكومية يربك التوقعات والخطط ويسبب خسائر كبيرة للمنتجين.

ملاحظة عرضية (مفوضية لشرق السودان …. آل):

جاء فى الأخبار أن حكومة ثورة ديسمبر2018 تفكر فى إنشاء مفوضية لشرق السودان وهذا خبر مزعج لأنه يشير إلى أن السودان بدأ يسير فى طريق الترضيات وترهل أجهزة إدارة الدولة وإهدار المال الذى يخرج من جيب دافع الضرائب فى أمور ليست لها علاقة بشواغله وهمومه وتطلعاته .ودقى يا مزيقة وغنوا : ( السودان ياهو دى).وتوجد فى شرق السودان اليوم سلطات ولائية لثلاث ولايات هى البحر الأحمر وكسلا والقضارف.فما الذى سوف تضيفه المفوضية غير المزيد من المناصب الدستورية والوظائف العامة وتداخل وتضارب الإختصاصات والسلطات والمزيد من إهدار المال العام.وسوف يشجع تشكيل مفوضية لشرق السودان ؛ سوف يشجع الإنتهازيين من أبناء الولايات الأخرى على المطالبة بتشكيل مفوضيات طالما فى ذلك مناصب دستورية و وظائف. فهل مات الثوار من أجل هذا العبث؟

وتتحدث أغلبية العناصر المستنيرة من السودانيين اليوم عن الحاجة للإعتماد على مقدراتنا الذاتية( عقولنا وسواعدنا وجيوبنا)؛ وعن الحاجة لإصلاح وترشيد سياساتنا المالية والنقودية والمصرفية والزراعية والصناعية الخ لإعادة بناء بلدنا التى دمرها تمكين ( الحركة الإسلامية)وإهدارها للمال العام. فأين موقع إنشاء المفوضيات فى مشروع الإصلاح والترشيد وإعادة البناء؟

سعيد أبو كمبال
[email protected]

تعليق واحد

  1. جهزوا المترجمين ومفوضين العمرة والحج واءمة المساجد للدعوة السمحاء ولا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..