
اليوم بمرور عام على توقيع الوثيقه الدستوريه معطوبة أو مثقوبه..سأحتفل..
لأنها خطوة في طريق الأمل.. لن نبكي على اللبن المسفوك.. ولن أنضم لحملة التخوين ولكن أقول مهما كان قصورها فقد قطعت قيدنا من براثن الإنقاذ.. ومهما كانت عيوبها لن أغرق في الندم وجلد الذات.. بل لن انظر للخلف بل سنحتفي بنصف الكوب المملؤ و سنقف على ماتحقق ونسعى لبناء مانحلم به.
أحتفل لأنها اعطتنا أمل ان نعيش… أمل بناء الوطن بعد أن هرمنا في المنافي..
لقد هرمنا.. .
أحبتي..
أحتفل رغم سهام المتشائمين…
لكن في الذاكرة فرحة و كيف تبللت العيون وأنا أتابع عرس الوطن.. وشاب غض الاهاب يغزل الحروف يحكي عن الوطن الجميل… فتعانق حروفه أحلامنا المطعونه بسهم خفافيش الظلام.. لتبعث فيها الحياه.. فيختلط الفرح.. وألام الحزن والإحباط الذي كنا نصارعه فيصرعنا ونصرعه مرات وبين كل هذه المعارك ترك وسمه على ملامحنا رهقا وتعب وارتسمت تجاعيدا وخطوطا تحكي تاريخ العذاب مع أبالسة البشر فهرمنا في إنتظار هذه اللحظه.
هرمنا…
ونحن نصارع الألم وهو يرسم أخاديدا من الحزن والجروح وانا افحص أجساد رفاقي من المعتقلين ذات ليل في سجن كوبر.. واحاول ان اعالج بما تيسر جراحا إختلطت بالأدران والصديد بعد ان أمضوا شهورا في مجازر بيوت الأشباح.. فأستعملت قليل من الماء و ملح الطعام وبين ااهة ألم حاولوا إحتباسها شجاعة.. فتظهر على وجهي تجاعيد الزمن.. ألما وغضبا على الذل والمهانة التي سقوا الشرفاء من أكوابها المدنسه.. واشيح بوجهي لاخفي دمعة هربت تجري بين التجاعيد..لتبقى تحكي معنى الألم..
هرمنا…
وأنا جالس في الأرض ذات شتاء بارد أستمع لصديقي أخصائي الطب الشرعي وبصوته المتهدج يحكي لي عن كيف أستدعي ذات ليل للتشريح ليجد إنها جثة صديقنا علي فضل.. وصلى لله ان يعطيه القوه ليتماسك… ليكمل عمله من أجل العدالة وروح صديقنا وحكى كيف كان يتعذب وهو يرى اثار التعذيب من حروق وتهتك في الطوحال وتهشم في الجمجمه.لم اتركه ليكمل.. . فلم أقوى على الإستماع وهربت من الغرفه.. وانزويت بعيدا مع دموعي.. وعدت بعد ساعات مبلل الوجه مختلف الملامح وقد زادت فيه خطوطا وتجاعيد الألم والإحباط….. وأصبحت كهلا.. وجسدا بلا روح..
هرمنا..
وأنا ذات ليلة تحتضنني المنافي اصارع الملل والحنين…. يسري إلي صوت عبر الاثير وهي تهمس وانا اصارع كي أسمعها (يا دكتور هل كل ما أحكي به سيكون سرا بيننا)… فأقسمت بكل غالي وعزيز… صمتت… لينفتح باب الثقة والاطمئنان لتحكي عن كيف تم إغتصابها عند إعتقالها بواسطة كلاب الأمن.. وكيف اطلقوا سراحها بأن رموها جسدا ملطخا بالدماء في أحد الأزقه منتهكة العذريه والكرامه.. محطمة كإنسان… وكيف تعيش الان في سجن من الخوف والكوابيس والدموع.. ولم تكن تدري من كل دمعة تسقط من عينيها كانت جداولا تسيل على وجههي كمشرط يفصد كل طرف ليضيف تجاعيد من الغضب والألم والذل.. لم تعاود الإتصال بي بعد ذلك تركتني في هواجسي أفكر في مصيرها ليلة بعد ليله.. فلا يهرم الوجه وحده بل تشعر بالقلب يشيخ وهو يرى التوحش والظلم يظلل سماء بلادي…ويغيب فيه العدل والأمان..
هرمنا..
حينما كتبت علينا المنافي والشتات.. فخرجنا من سجون العسعس مليئا بروح التصادم والشباب يزينها دين الوطن الملون ببطش العسعس من عنت الاستدعاء والمراقبه وحظر التحرك… فلا تهتز… ويخطف الموت جدتك فلا تستطيع ان تضعها في مرقدها الاخير الا بعد ان تطلب إذن سفر..وفوق ذلك تجد والدا رغم عمره يفترش العراء ليلا بحثا عن الوقود ليجعل من عربة الاجره رزقا حلال.. وأنت مكبلا خالي الوفاض ومجهول المستقبل… فتنكسر قارورة الأحلام وتختار المنافي.. وتنجح في الخروج من مراقبة المطار…. والطائرة تحلق بك نحو المجهول تسقط دمعات وانت تفارق الوطن الذي لم يخطر ببالك يوما فراقه.. وتطاردك دموع حاجه سعديه لها الرحمه رغم الألم تحضنك و تحصنك وهي وتقول(انا عافيه منك و راضيه عليك وربنا يحفظك شقيش ماتقبل)..فتنفجر في البكاء.. ولحظتها تدخل باب الكهولة وانت في عقدك الثالث فقد هرمنا يوم فارقنا الوطن..
كيف لا أهرم ويأتيني خبر رحيلها عبر الأثير وأنا في المنافي وأنا لم أودعها ولم أكن بجانبها كما كانت دوما وعلمت إن الحياة لن تكون كما كانت بدون قلبها الكبير فكيف لا أهرم..
هرمنا..
وترسم الجراح خطوطها على القلب والروح وتظهر على الوجه عنتا وألم… كلما أتى خبرا من الوطن.. ولم يكن يأتي من الوطن إلا نتاج أفعال زبانية الظلم والإفساد.. فتموت وتحيا مع كل خبر وحديث…. قرى تحرق في دارفور..و أطفال يحتمون بالكهوف من حارق النابالم… شباب في معسكر يحصدون بالرصاص لأنهم يريدون العيد مع ذويهم… وكل مسيرة وموكب سلمي هناك ارواح تزهق وتغوص نصلا في القلب وجرحا في الفؤاد..وزبانية الظلم يطلقون الافك وفاحش الحديث.. .
هرمنا…
ونرى في كل يوم عزيز قوم ذل.. رجل كان ملء البصر يوما يسألك دعما على إستحياء..او حين تستلم رسالة ووصيه ضغط صاحبها على كرامته ليقول بكل الم (و الله الحاله بقت صعبه).. وهناك مريض لا يستطيع دفع ثمن العلاج.. وطفلا يطرد من المدرسه لانه لم يدفع المصاريف.. ومدرسة كاملة يقضي أطفالها جل نهارهم بلا وجبه يصارعون الجوع والألم.. وطفلة تقول لك بكل براءة ان حلمها في الحياه(ألبس جزمة قدري) ولا أعيش بألم أحذية الصدقات الضيقه..
فكيف لانهرم….
كيف لانهرم وكابوس الإنقاذ كان يسرق منا في كل صباح الفرح ويزرع الالم والمآسي. حزنا وتجاعيد.. ..
نعم هرمنا….
نعم هرمنا ولكن لم نفقد الامل.. وصارعنا قدرنا… وتشبثنا بالحياة..لنعيش لهذه اللحظه…
هرمنا ونحن في إنتظار الأصم وجيله.. ليقولوا نحن من اليوم سنحمل عبء الوطن ونرسم ملامح عهد جديد..لن نوعدكم بجنة الله في الارض ولن يتغير الحال بين عشية وضحاها… ولكن من اليوم.. لاظلم ولا إفساد ولاتسلط ولا ذل ولا مهانة.. في وطن لن يضام فيه أحد..
من اليوم لن يسود سوى الضياء ولن تهب سوى نسائم دولة القانون ومؤسساته الكل سواسية ينعمون بالعدل والطمأنينه..
لن أقول هذه اللحظة كانت الترياق الذي ازال التجاعيد وما بنا من أثار الزمن… ولكن نزعم انها لحظة تستحق ان نهرم من أجلها…..
ففيها انبثقت لنا شمس الفرح و فاضت علينا فيوض من سكينة ومحبة. وشلالات من الفرح والمحبه تجعل القلب يزغرد ويغني.مسحت عذابات السنين.. وأخفت قليل من تجاعيد…
هرمنا ولكننا نرقص في عيد إنتظرناه وأعطى للحياة معنى ان تعاش وانت ترتل كم أحب هذا البلد وجيله القادم .. فما أحلاك من يوم وما أجملك يا وطن.رغم الألم ورغم الجراح
.. هرمنا في حبك..ياوطن
وأفتخر..
مجدي إسحق
[email protected]
يشهد الله إني بكيت يا إستاذ مجدي و تأكد بأننا لن نستكين و لن تلين لنا قناة رغم المطبات و المحن إلا أن نبني البنحلم بيهو يوماتي بإذن الله تعالى.
ياعزيزي..
لم تتوقف دموعي طوال عقود الإنقاذ… فحاولت بحروفي أن أشاركك بحزء منها.. وهرمنا.. لكننا اليوم نعيش على الأمل في دولة الحريه مع هذا الشباب النضر بأن الغد سيكون أنضر وأجمل
تسلم يادكتور والله نزلت دموعي انا اقرأ المقال..تذكرت الوالده والإخوان الذين لم أستطع أن ان القى عليهم نظرت الوداع بسبب هؤلاء المجرمين… مهما حصل من تقصير من هذه الحكومه.. سوف نحتفل بما تم من إنجاز…
عند مجيء هؤلاء اللصوص القتلة كان عمري وقتها سبع سنوات ،قسما بالله أتذكر ذلك اليوم و كأنه كان بالأمس ، أتذكر أننا فرحنا لأننا لن نقيف في صفوف الخبز الطويلة مجدداً و أن قطوعات الكهرباء و الماء سوف تختفي (كما فهمنا وقتها من كلمة إنقلاب أي أن هناك تغيير) و لكن بدأ أول شعور بعدم الطمأنينة في ذلك المساء البارد عندما رأيت إختي الكبري و الوالدة يبكون بحرقة و ألم و يستعدون للذهاب إلى الخرطوم 2 للعزاء في الشهيد مجدي محجوب و بعدها توالت الكوارث و المحن في وطن الأحزان.
جيلنا شهد كل الموبقات و خلاصة نتاج النخب السياسية السودانية الفاشلة التي تمثلت في الإنقاذ اللعينة ، فنحن من طبق فينا كل نظريات المشروع” الحضاري” الذي إتضح فيما بعد أنه عقاري و شهدنا كل الجرائم و الفشل و حيرنا صمت الكبار علي هذه الأوضاع و مللنا من تكرار سماع حكاويهم و تباهيهم بالسودان الذي كان و أصدقك القول أننا كنا نعتقد و ما زلنا أنهم يكذبون علينا ، هل صحيح أن العلاج و التعليم كان مجاني؟!! هل صحيح أن الطالب يعطي حتي مصاريف الجيب؟!! و أن الخدمة المدنية كانت مثال للإنضباط و الإتقان ، و النزاهة و الشفافية كانت حية تسعي بين الناس؟!! إقسم لك بأننا كدنا أن نكفر بالوطن و الناس و لكن دائماً كان هناك شيء بداخلنا يحدثنا أن القادم أجمل و دوام الحال من المحال و أن شمس الحرية و الإنعتاق سوف تشرق لا محالة مهما طالت عتمة الظلم و الإستبداد ، و قد كان يا سيدي.
أشرقت شمس الحرية و لكنها محجوبة بكثير من السحب و علينا أن نكون الرياح العاتية التي تبدد تلك السحب لتشع هذه الشمس أشعة الحرية و السلام و العدالة.
مازلنا في قلب المعركة و لكننا منتصرون بإذن واحد أحد و دماء الشهداء من مجدي محجوب و جرجس و أركانجلو مرورا بشهداء و بيوت الأشباح و الحركة الطلابية و كجبار و بورتسودان و دارفور و النيل الأزرق و سبتمبر و ديسمبر وكل شهداء بلادي وصولاً إلى شهداء القيادة لن تذهب سدي