مقالات وآراء

البرهان يجدد العداء للثورة السودانية

 

إعادة إنتاج رواية العسكر

في خطاب لم يخلُ من الرسائل المبطنة والصريحة خاطب الفريق عبدالفتاح البرهان مؤتمر الخدمة المدنية، ليعيد عبر منبر الدولة إنتاج رواية العسكر عن الأزمة السودانية، محاولاً طمس الحقيقة وتوجيه الاتهامات إلى قوى الثورة والمجتمع المدني. لقد بدا الخطاب مليئا بالمراوغة والمكابرة، لكنه في جوهره كشف بوضوح عن نوايا العسكر وأجندتهم في إعادة ترتيب السلطة بما يخدم مصالح قوى الردة والتحالفات الإسلامية التي تقف خلفه.

البرهان، في حديثه، لم يكتفِ بتهميش دور النقابات والاتحادات المهنية التي لعبت دورا بارزا في ثورة ديسمبر، بل حاول أن يُلصق بها تهمة العجز عن المساهمة في “حل أزمات البلاد،” متناسيا أن تلك الكيانات ظلت، رغم القمع والتضييق، تتقدم الصفوف دفاعا عن الدولة المدنية والحقوق الاجتماعية.

أما نفيه وجود الحركة الإسلامية داخل مفاصل الدولة، فهو محض إنكار لا يستند إلى الواقع، بل يمثل امتدادا لنفس خطاب الخداع الذي اعتمدته الجبهة الإسلامية في انقلابها عام 1989، حين زعمت أن الجيش هو من يحكم، بينما كانت هي تدير كل شيء من خلف الستار. واليوم، يعيد البرهان ذات المسرحية، فينفي وجود الإسلاميين وهو يعلم، قبل غيره، أن كتائب الحركة الإسلامية تتحرك بحرية، وأن تسليحها لا يأتي من الجيش النظامي، بل من قلب التنظيم، وأن اجتماعاتها السرية والعلنية تجري تحت حماية الأجهزة التي يفترض بها حماية الدولة، لا حماية المشروع الإخواني.

البرهان لا يتحدث من فراغ. خلفه يقف تحالف معقد من العسكريين والإسلاميين ورجال الأعمال الطفيليين، يسعون جميعا لإعادة إنتاج نظام ما قبل الثورة، مع تجميل خارجي لا يغير من جوهر الهيمنة شيئًا

المفارقة الأهم في خطاب البرهان تمثلت في جملته الصادمة: “المجد للبندقية لا لليساتك”، وهي عبارة تندرج ضمن ثقافة الاستعلاء العسكري على العمل المدني، وتشي بكراهية عميقة لفكرة الثورة السلمية التي قادها الشعب السوداني في وجه الطغيان. البندقية هنا ليست رمزا للوطن، بل هي أداة للبطش والهيمنة. والليساتك (إطارات السيارات)، التي مثلت شارة سلمية لشباب الأحياء والمقاومة، تحوّلت في عرف البرهان إلى خصم يجب سحقه.

هذا الموقف ليس جديدا، فقد سبقه إليه المخلوع عمر البشير حين قال ذات يوم إن “من يريد أن يخلعنا عليه أن يحمل السلاح،” وهي ذات النظرة الفاشية التي تجعل من السلاح أداة شرعية للحكم، وتقصي الجماهير من ساحة الفعل الوطني.

البرهان لا يتحدث من فراغ. خلفه يقف تحالف معقد من العسكريين والإسلاميين ورجال الأعمال الطفيليين، يسعون جميعا لإعادة إنتاج نظام ما قبل الثورة، مع تجميل خارجي لا يغير من جوهر الهيمنة شيئًا. هؤلاء لا يريدون حلاً للأزمة، بل تسوية شكلية تُبقيهم في سدة السلطة وتعيد ترتيب المشهد وفق مصالحهم.

ما قاله البرهان، وإن بدا خطابا في مؤتمر رسمي، هو إعلان صريح بعدائه للثورة، وكشف لموقفه الحقيقي من قوى التغيير. لقد اختار أن يكون في معسكر الطغيان، وأن يتبنى لغة القمع بدل الحوار، والسلاح بدل الشارع، والوصاية العسكرية بدل الإرادة الشعبية.

من هنا، فإن مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية تفرض علينا عدم التساهل مع هذا الخطاب، وعدم التخلي عن مقاومة طموحاته السلطوية. وعلى القوى المدنية، والنقابات، ولجان المقاومة، وكل من يؤمن بالحرية والسلام والعدالة، أن تتوحد مجددا في مواجهة مشروع الحكم بالقوة. فالثورة لم تكن لحظة، بل هي مسار طويل، و”الليساتك” ستظل رمزا للسلمية، بينما البندقية ستظل، في أيدي الانقلابيين، علامة على الخوف من الشعب لا على مجده.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..