مقالات وآراء

قوموا لسلطتكم الثقافية!!

منذ أمد بعيد علت أصواتنا وبحت بالنداء والمطالبة، بضرورة رفع وعي مجتمعاتنا السودانية، بأهمية ممارسة سلطتها الثقافية، وتثبيت حقها في الخصوصية، وجعلها واقعا معاشا بين الوري، ومعبرا عن كل تفاصيل حياتها اليومية؛ ثم تنمية قدراتها والتعريف بقيمها للغير.
لأن القضية ليست في الأفكار التي تنتجها هذه الثقافات أو تلك فحسب، بل في الأداة المنتجة لهذه الأفكار، وإمكانية بل وطريقة عرضها وتلقيها، وهو ما نريد إبرازه وتأكيده عبر هذه السطور، لما تمتاز به المجتمعات من إرث تاريخي في الثقافة، وخصوصيتها، وتباين في اللغات، ولهجاتها، قل أن نجد لها مثيل.
ونود هنا الإشارة إلي ما ذهب إليه، الدكتور. محمد عابد الجابري، في سفره: تكوين العقل العربي، مع بعض من المطعمات، مثل: الثوم والكثبرة؛ ذهب الجابري إلي وجود تداخل بين الفكر كأداة لإنتاج الفكر، والفكر بوصفه مجموع هذه الأفكار ذاتها، وهو تداخل تعكسه كثير من اللغات- أي بمعني- أن لأي لغة ولهجة دورها في إيصال الثقافة؛ وتشكيل الوعي الجمعي للفكر المنتج لهذه الثقافة أو تلك.
ولابد من الإبانة هنا، عن مدي أهمية الفكر، بإعتبارها أداة ومحتوي معا؛ وبالتالي فإن أهمية أي فكر وخصوصيته الثقافية، تكمن في هذا المحيط الإجتماعي الثقافي أو ذاك، مثلما تكمن أهميتها في تكوين فكرها وخصوصيتها الثقافية، لوجود قاعدة عرفية، تتحدد بموجبها الجنسية الثقافية لكل مفكر، حيث تقتضي هذه القاعدة، أن المثقف لا ينسب إلي أي ثقافة، إلا إذا كان يفكر داخلها.
وعطفا علي ذلك، فإن التفكير داخل أي ثقافة، لا يعني بأي حال من الأحوال التفكير في قضاياها، بل التفكير بواسطتها؛ فالمثقف الإنجليزي مثلا، الذي يتناول قضايا عربية، سيظل إنجليزيا ما دام يفكر فيها من- داخل أو بواسطة- ثقافته الإنجليزية، وفي هذه الحال يعبر عن وجهة نظر إنجليزية، في قضايا غير إنجليزية؛ وعلي هذا يمكننا القياس علي القضايا الأخري.
وبالطبع فإن الأمر يستدعينا ويسترعي إنتباهنا كمجتمع، إلي لازمية وجازمية الإعلاء من خصوصيتنا الثقافية، وتعزيز قيمها وبسطها، بين الثقافات الأخري، دون إزدراء أو إحتقار، لثقافات غيرنا من المجتمعات، علاوة علي لفت إنتباه نخبنا ومثقفينا، بعدم الإحساس بالضعف والدونية، والإستهانة بثقافاتهم.
وواقعنا الماثل أمامنا، يشير إلي وجود هذا النوع من الإستخفاف والإستصغار- أي من نفر- يستحقرون لغاتهم، ويستخفون لهجاتهم، وبالتالي يستصغرون ثقافاتهم، خاصة من بعض ممن حالفهم الحظ، أن يعيشوا وسط ثقافات لا تمثلهم ولا تعبر عنهم.
فكم من موسوم بالتعالي الثقافي، ناكر لقيمه، ومستصغر لثقافته!؛ بل قد تجد بعضا منهم، ممن يرفعون النخبوية شعارا، ويدعونها سلوكا؛ فقطعا إنهم محل تندر وسخرية، لأنفسهم قبل أن يكونوا لغيرهم؛ الشيئ الذي يتنافي مع حقنا، وحق غيرنا، في نماء الثقافة وبقائها؛ لذلك ينبغي علينا، إحترام خصوصيتنا الثقافية، قبل ممارستها كسلطة.

نور الدين بريمة: دنيا دبنقا
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..