مقالات وآراء

اوراق السلام.. رؤية ثورية (1)

*من أجل سلام مستدام في السودان*

من أجل سلام مستدام في السودان أرى ضرورة إعادة تقييم عملية السلام وربطها بأهداف ثورة ديسمبر حتى لا نعيد أخطاء الماضي التي كانت دوما مصاحبة لعملية السلام وحتى لا نستنسخ تجربة سلام هشة ورخوة لا تستطيع أن تصمد طويلا أمام تحديات ما بعد الفترة الانتقالية.
لأن ما يعني الشعب السوداني في معادلة السلام ليس توزيع وتقسيم المناصب كأنها غنائم حرب بقدر ما يعنيه أن تتم عملية السلام وفق رؤية وخطة تستوعب كافة فصائل الكفاح المسلح المختلفة بلا إستثناء حتى نصل لإتفاق سلام يعمل على وقف الحرب في بلادنا بشكل نهائي.
ويجب أن ندرك جميعا أن عملية بناء السلام هي مهمة وطنية يجب أن يشارك فيها كافة اطياف وفصائل العمل الوطني بشقيها المدني والمسلح بالإضافة إلى أصحاب الشأن والمصلحة المتأثرين بنتائج الحرب المباشرة وغير المباشرة وأرى أن ما يسمى بعملية المسارات التي صاحبت التفاوض منذ إنطلاق عملية السلام تعبر بصدق عن حالة التشتت والتشتيت التي استهلكت جهود أطراف التفاوض وساعدت بدورها على تفاقم معاناة شعبنا ووضعت الفترة الانتقالية كلها أمام تحدي يصعب تجاوزه إن لم تتضافر كل الجهود من أجل سلام مستدام في بلادنا.
ومن أجل ضمان إستدامة السلام في السودان، أرى ضرورة إعادة تقييم وإدارة التنوع الديني والأيديولوجي حتى نضمن تحقيق العدالة الإجتماعية وإعلاء قيمة مبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات والديمقراطية كنظام مستدام للحكم، إضافة إلى إقامة جيش وطني موحد يعمل وفقا لعقيدة عسكرية صارمة تذوب بداخله كل الفصائل المسلحة حتى لا نعود لمربع الحرب الأول إن احتفظ كل فصيل مسلح بسلاحه وأفراده.
أيضا ضرورة العمل بكل عزم وقوة لتحقيق السلام الشامل والدائم بما يحقق التوزيع العادل للسلطة والموارد والتوازن التنموي ويحقق التنمية المستدامة لأن السلام قضية مفتاحية لحل بقية عناصر أزمة التطور الوطني التي ظل يعاني منها شعبنا منذ فجر الاستقلال.
وفي تصوري أن مفاوضات السلام حتى تصل إلى نهاياتها الطبيعية ينبغي أن تبدأ بملف القضايا السياسية باعتباره الضمانة الوحيدة لإستمرار عملية السلام وإستدامتها لأن العملية السياسية ذات صلة مباشرة بجذور الأزمة السودانية وعملية التطاحن والإقتتال التي دفع شعبنا فاتورتها وما زال يدفع.
ومن ثم يأتي ملف القضايا الإنسانية وأن تنتهي المفاوضات بملف الترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار الشامل لذلك من غير هذه التراتبية المنطقية لا يكون هنالك سلام يفضي إلى تنمية مستدامة ومتوازنة.
عليه يجب أن نضع أمام طاولة التفاوض القضايا القومية المتمثلة في المواطنة والتنمية والتوزيع العادل والمتوازن للموارد وقضايا الحكم والإدارة والديمقراطية ثم الترتيبات الأمنية كضمانة لوقف الحرب.
في الحقيقة ملف الترتيبات الأمنية هو المحك في معادلة السلام وعملية التحول الديمقراطي في بلادنا وفي هذا الاتجاه يجب عدم إغفال أو اقصاء أي طرف مسلح في أي مكان داخل السودان أو خارجه خاصة حملة السلاح الذين هم خارج تحالف الجبهة الثورية لأن عملية السلام من غير إستيعاب كل الأطراف ستكون ناقصة وبالتالي سنرجع لذات المربع.
ومن الضرورة الاشارة هنا إلى أن حسم ملف الترتيبات الأمنية هو المفتاح السحري لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعودة الآمنة للنازحين واللاجئين والمشردين والمهاجرين إلى ديارهم.
وبما إن عملية الترتيبات الأمنية عملية معقدة ومتقاطعة أرى أن تُفهم في سياقها الكلي ضمن إطار القضايا الإنسانية والسياسية وصياغتها بشكل ثاقب يحدد بوضوح أليات تنفيذها وتحويلها إلى واقع.
كان يجب على أطراف التفاوض قبل الدخول المباشر في عملية التفاوض أن يتفقوا على ضرورة عقد المؤتمر الدستوري وذلك قبل الانتقال إلى مناقشة ملف السلام لأن الحل الجذري لحل جميع مشاكل السودان يكمن في عقد المؤتمر الدستوري الموسع.
لأن الضمان الوحيد لإستمرار السلام ليس الضمانات الدولية والدستورية والقانونية التي يتم تضمينها في إتفاقية السلام المرتقبة وإنما الإرادة السودانية التي سئمت الحرب كما نرى أيضا أن مؤسسات الفترة الإنتقالية وحدها ليست كافية كضمانة لتنفيذ أي إتفاق ممكن تفضي إليه عملية التفاوض وانما صهر كل القوى المسلحة الموازية للجيش السوداني في مؤسسة عسكرية وطنية واحدة تحمي الوطن وتدافع عنه وتحتكر السلاح.
وفي يقيني أن فرص إستدامة السلام مرهونة بمدى تحول حركات المقاومة المسلحة إلى تنظيمات سياسية مدنية تضع السلاح ارضا من أجل الاستعداد للمشاركة في الانتخابات العامة بنهاية الفترة الانتقالية وبمدى استعداد القوات المسلحة السودانية لاستقبال رفقاء السلاح بعد الوصول إلى ترتيبات أمنية شاملة تفضي إلى جيش وطني موحد يمتلك خطة أمنية متكاملة لإصلاح القطاع الأمني السوداني بأكمله لأننا من دون ذلك سنعود وفي القريب إلى ذات المربع الذي كنا فيه.

محمد خدام عبدالكريم

‫2 تعليقات

  1. (إعلاء قيمة مبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات والديمقراطية كنظام مستدام للحكم)
    كلام جميل، فلابد من المؤتمر الدستوري فهو الذي يبلور المباديء الدستورية كنظام الحكم الدستوري (رئاسي أم برلماني)، ونظام الحكم السياسي (ديمقراطية جزبية لبرالية حرة أم مقيدة بشروط حزبية أو ديمقراطية غير حزبية) ونظام الحكم الاداري (تقسيم السودان إلى ولايات بولاة اداريين وسياسيين متحزبين أم تقسيمه إلى مديريات ومحافظات ومراكز بمدراء ومحافظين ورؤساء مركز إداريين فقط موظفين في الدولة ويخعون لقوانين الخدمة العامة – هذا فضلاً عن المباديء الخاصة بعلاقة الدولة بالمواطن (المساواة في الحقوق والواجبات والحريات والالتنمية والخدمات – م يلي تنيم الجيش وعقيدته والشرطة والأمن العام أم جهاز لأمن الدولة؟ إلخ. وهذه القضايا لا يجوز أن يقرر فيها قادة التمرد الملح وحدهم فالشعب كله خرج على نام الحكم السابق وثار عليه وورته لم تكتمل بعد حتى يحسم المؤتمر الدستوري نظام الحكم البديل الذي قامت من أجله الثورة! وإذا لم تكتمل مدنية الحكم المنشود أو لم تكتمل هذه الفترة الانتقالية وأخفقت ولم تفض إلى حكم دستوري متفق عليه باستفتاء الشعب فمن يضمن لهؤلاء المتمردين احترام اتفاقاتهم مع المكون العسكري الجارية الآن في جوبا؟؟؟؟

  2. كلام جميل، ولكن لابد من المؤتمر الدستوري فهو الذي يبلور المباديء الدستورية كنظام الحكم الدستوري (رئاسي أم برلماني)، ونظام الحكم السياسي (ديمقراطية حزبية لبرالية حرة أم مقيدة بضوابط حزبية أم ديمقراطية غير حزبية) ونظام الحكم الاداري (تقسيم السودان إلى ولايات بولاة اداريين وسياسيين حزبيين أم تقسيمه إلى مديريات ومحافظات ومراكز بمدراء ومحافظين ورؤساء مركز إداريين فقط موظفين في الدولة ويخضعون لقوانين الخدمة العامة – هذا فضلاً عن المباديء الخاصة بعلاقة الدولة بالمواطن (المساواة في الحقوق والواجبات والحريات والتنمية والخدمات – ثم يلي تنظيم الجيش وعقيدته والشرطة والأمن العام أم جهاز لأمن الدولة؟ إلخ. وهذه القضايا لا يجوز أن يقرر فيها قادة التمرد المسلح وحدهم فالشعب كله خرج على نظام الحكم السابق وثار عليه وثورته لم ولن تكتمل بعد حتى يقام المؤتمر الدستوري لحسم نظام الحكم البديل الذي قامت من أجله الثورة! وإذا لم تكتمل مدنية الحكم المنشود أو لم تكتمل هذه الفترة الانتقالية وأخفقت ولم تفض إلى حكم دستوري متفق عليه باستفتاء الشعب فمن يضمن لهؤلاء المتمردين احترام اتفاقاتهم مع المكون العسكري الجارية الآن في جوبا؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..