سامحني يا ولدي

هذه الفوضى التي تحاصرك من الجهات الأربعة.. ضنك العيش وندرة اللقمة. المرض والعلاج المافي… القراية التي عزت.. تلك الأسلاك الكريهة التي تغرقك بإلحاح في ظلام دامس  . القاذورات والعفن الذي يشوه وجه شارعك. الشباب الهائمون في الطرقات من غير هدى يكلمون أنفسهم….. وملجأ المايقوما!!
تلك المآسي التي تخطت كل معقول على وجه الأرض. من صنعي أنا!! أنا ياولدي السبب. أنا من جيل أدمن الفشل. فشل ورثته من جميع الأجيال التي سبقتني. هم ونحن أجيال أورثنا جيلك المسكين كل هذا الهلاك………
هم ونحن منافقون…. ظاهرنا غير باطننا…
هم ونحن نعيش علي وهم فضيلة فينا لا وجود لها.
هم ونحن لا نعترف بأننا ساقطون… ساقطون… ساقطون في امتحان (الوطن).
أنا من جيل يا ولدي يربي اللحى وينقش (تاتو) السجود على الجباه تمويهاً.
ننبح ليل نهار (الله أكبر) ونفرش للشيطان في دواخلنا متكأً وثيراً .
نصلي ونسرق…. نصوم ونزني.. نحج ونقتل… أمير الحج فينا زانيٍ. أمين بيت مال المسلمين لصٌ. (أمير المؤنين) فينا يعبد (هبل) في خلواته. ويخرج الى الرعية يسبح. هل تصدق يا ولدي؟ معلم القرآن في جيلي يغتصب طالب العلم منه!!
يا للنفاق… يا للنفاق…. يا للنفاق!! ثم نمضي نغني ونرقص (لو ما بقيت من ديل وا أسفاي… وا ذلي!!)…. أي وهم هذا؟ أي عمىً هذا وأي صمم؟!.
وهب الله الأرض المسكينة التي ابتليت بنا من النعم ما تحكي به الركبان…… لكننا جوعى.
النيل الجواد يشق أرضنا من أقصى الجنوب الى نهايات الشمال ونحن عطشى. أي فشل هذا؟ و أي سقوط؟
أوصيك يا بني (قل لجيلك الثائر هذا يلملم كل ما ورثه منا… يهدمه… يربط فيه مثاقيلاً من الحجارة يرميه البحر. أنتم رفضتم ما رضيا نحن به واستسلمنا له من دمار للوطن الجريح… بل وا خجلتاه شاركنا فيه. ها أنتم ترفضونه. تبذلون أرواحكم مكافحة ضده.. وها هو ذات الجيل الآثم، ما ينفك يشوه ثورتكم… ولا يألو جهداً في محاولة تعطيل مسعاكم النبيل… لا تركنوا اليهم… قاتلوهم بسلميتكم….. الثورة ثورتكم… خذوا الأمر في أيديكم…. فليس في تلك الأجيال بعد ما يربو على نصف قرن   من الفشل الذريع من رجى… وفقكم الله).
ثم سامحني يا ولدي… كوني من جيل حتى من تظن أنه صادق مهدي فيه ، تجده كاذباً ضليلاً. فأي خير يرجوه جيلك منا؟
…… سامحني….. إهدم إرثي… شيد سوداناً جديداً يليق بك.

الرشيد العطا