عن الباب.. و “الجمل”
• حسب معرفتي المتواضعة ، فإن إخواننا المصريين هم أول من نجر و استخدم المصطلح الاستفزازي (الباب يفوِّت جَمَلْ) في مقام “الطرد المركزي” – و هذا الطرد لا علاقة له بإسحاق نيوتن أو علم الفيزياء ، بل نعني به عملية الطرد التي يقوم بها شخص ذو “مركز محترم” لشخصٍ آخر أدنى مركزاً – و أنا شخصياً أجد العُذر لإخواننا المصريين في اتخاذ الجمل تحديداً ، مثلاً أعظم للمطرود ، و مثلاً أضخم لسعة و علو و مقدرات “الباب” ، فالعبارة تعني ، يا مولانا ، أن الباب كبير و عالٍ بحيث يستطيع كائن في ضخامة و ارتفاع الجمل (يعني البعير) أن يخرج منه دون أن يُضطر إلى طأطأة رأسه أو لملمة أطرافه .. أقول : أجد العذر لإخواننا المصريين في استخدام العبارة أعلاه ، باعتبار أنه لا يوجد في مفردات بيئتهم الطبيعية و لا في مفردات ثقافتهم الناتجة عن تلك البيئة ، حيوان أعظم حجماً أو ارتفاعاً من الجمل ، و لكنني أحتار حيرة عظيمة ، إزاء النقل الحرفي الذي تم لهذه العبارة إلى نسيج “ثقافتنا” السياسية و حتى الإدارية ..
• فالعبارة أعلاه شاعت شيوعاً مدهشاً في السودان ، خلال السنوات القلائل الأخيرات ، حتى ليكاد المرء يسمعها يومياً ، فالمسؤول السياسي الأول (في جميع أحزابنا السياسية تقريباً) لا يجد عبارة أقرب منها و لا أعظم حميمية و بياناً ، في تحذير المتفلتين في حزبه من جرائر عصيانهم أو تذمرهم “و الناس جميعهم يذكرون لجوء السيد الصادق المهدي إلى هذه العبارة المستلفة ، في مواجهة المتذمرين من شباب حزبه على سلوكه السياسي الغامض ، ذات مؤتمر حزبي” .. و الصادق المهدي ليس الأول و لا الأخير من القادة السياسيين الذين استخدموا هذه العبارة ، و الذي يزعجني حين أسمع الساسة يستخدمون هذه العبارة في مواجهة “أتباعهم غير المطيعين” ، ليس هو ما تكتنزه العبارة من روح استبدادية و سوء طويَّة ، و لكن ما يزعجني أكثر هو ما تكتنزه ذات العبارة من “تبعية ثقافية” غير مبررة ، و لا حتى منطقية ، فالسودانيون جميعاً يعرفون أن “الزرافة” أعظم حجماً و طولاً و ارتفاعاً من الجمل ، فإن كان فاتنا – كسودانيين – شرف “الملكية الفكرية” للعبارة ، فلا أقل من أن نفوز بشرف “إعادة الصياغة ” للمفردة التي أدمنَّا استخدامها ، حتى تتناسب و معطيات بيئتنا و ثقافتنا ، فلو هدى الله مسؤولاً رفيعاً فقال (الباب يفوت زرافة) لصفقت له ، برغم تفاهة الأمر برمته ..
• لا أدري لماذا يشيع هذا الخلط المريع ، لدى قادتنا (على جميع مستويات القيادة سواءً السياسية أو الإدارية – الخدمية – أو حتى على مستوى الأسرة ) بين “المسؤولية ” و بين “الامتلاك”!!.. كل زعيم سياسي في السودان (لا أستثني أحداً إلا إبراهيم الشيخ ، و خليفته ” الدقير”) يعتقد جازماً أن الحزب و أتباع الحزب و شعارات الحزب و دار الحزب هي من ممتلكاته الخاصة ، بل هي “حقت أبوهو” .. كل من يعيب على الزعيم تصرفاً أو سلوكاً سياسياً هو بالضرورة خائن لمبادئ الحزب (مبادئ الحزب ، في أدبنا السياسي السوداني ، هي شخص الزعيم و لا شيء سواه) ، و معظم المسؤولين التنفيذيين في أية مؤسسة سبق أن عملت بها أو تعاملت معها “و هنا ليس لي حق التعميم بل أتحدث عما شهدته بنفسي فقط ” سمعت منهم من يقول (وزارتي – مؤسستي – تلفزيوني ده – جريدتي دي .. إلخ ).. و طبعاً جميعهم يتعامل مع أي شكل من أشكال الاحتجاج لدى منسوبي وزراته أو مؤسسته أو جريدته ، بالعبارة الشهيرة ، المستلفة و غير الدقيقة : (الباب يفوت جمل)!!!
علي يس
[email protected]
حكاية الدقير يخلف ابراهيم الشيخ في رئاسة الحزب احتمال ضعيف. لابراهيم الشيخ ابن عامل شفت، القت عليه القبض لجنة مقاومة حي بري البواسل متلبساً بحلب مواد بترولية من تانكر( ذلك الضب من ذاك الضبع) هو الوريث الشرعي لخلافة والده لزعامة حزبهم المشبوه . و لو الدقير اعترض أكيد الباب يمرق زرافة الحديقة.