ما بين الميدالية الذهبية والدبابة وأشياء أخرى

بينما الدموع تنهمر فرحا بالنصر أثناء اولمبياد ريو ، تنهمر دموعنا من الحسرة والفشل والخيبات التي اصبحت تلازم مشاركاتنا الدولية والاقليمية ، بعد أن كنا روادا في ذلك . في السابق كانت مشاركاتنا مشرفة إن لم نحصل على بطولات. السودان مؤسس الاتحاد الافريقي وكان له شرف اقامة اول بطولة افريقية في الخرطوم ، وعند موافقة الفيفا على مشاركة القارة الافريقية في المونديال في عام 1970 بمشاركة منتخب واحد ، السودان كان احد اطراف المثلث الذهبي لتصفيات المونديال وهي منتخبات المغرب والسودان ونيجيريا ، وخرج مرفوع الرأس , وفي نفس العام توج المنتخب السوداني ببطولة الامم الافريقية وفي عام 1972 كان لنا شرف تمثيل القارة الافريقية في اولمبياد ميونيخ وكانت مشاركة مشرفة لم نخسر خلال مرحلة المجموعات سوى مباراة واحدة من ثلاثة مباريات انتهت بفوز الاتحاد السوفيتي 2/1 صاحب الميدالية الذهبية إن لم تخني الذاكرة.
وفي تلك الفترة السودان كان مواظبا على الحضور في نهائيات الامم الافريقية منذ بدايتها عندما كانت النهائيات مكونة من 8 منتخبات فقط ، وكان المنتخب طرفا في النهائي في العديد من المشاركات. وفي عام 1989 فاز المريخ بكأس الكؤوس الافريقية (بطولة مانديلا) وقلنا ذلك بمثابة بداية للفوز ببطولات الأندية. لكن الأمور تدهورت ، وحدث مالم نكن نريده. لم ارد أن ابكي على اللبن المسكوب ولا اعيد ما قيل كثيرا عن هذا الأمر لكن من أجل الذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين.
المتتبع للرياضة والفنون والثقافة والابداع عموما يلاحظ أننا نتعامل مع مثل هذه الأمور بأنها مجرد لهو ولعب لايجب الاهتمام به (زي ماتجي تجي) ، على الرغم من ان الدول الغنية والفقيرة تولي اهتماما منقطع النظير بتلك الأمور حتى جارتنا كينيا التي حصلت على 6 ميداليات ذهبية وغيرها من الميداليات الفضية والبرونزية في ريو ، قامت بحل اللجنة الاولمبية واتهمت المسؤولين عن البعثة بالتقصير لأنها كانت تتوقع الفوز بميداليات اكثر من ذلك بكثير. هل كينيا تمتلك امكانيات اكثر منا وهل تمتلك مواهب افضل منا لا اظن ذلك ، وهناك دول يبلغ عدد سكانها أقل من 100 ألف نسمة وحصدت الميداليات. مما يدل على أن بني البشر في كل مكان وزمان يمكنهم الابداع إن وجدوا الاهتمام والامكانيات . لأن الابداع سواء في الرياضة او الفن أو الثقافة يحتاج للدعم المادي والمعنوي ، حيث ان سعر دبابة واحد أو مدرعة أو طائرة عسكرية يمكن أن يؤهل ويدرب العشرات من لاعبينا للفوز بالميداليات وحصدت البطولات . ودمعت عيني عندما رأيت لاعبة البهاما وهي ترمي بنفسها أرضا عند خط النهاية حتى لاتفوز الامريكية عليها بالميدالية الذهبية في أحد السباقات، والله لم اشاهد اروع من ذلك.
لأن الفوز بالبطولات دعاية وترويج للبلد ، وفي الموسم الماضي للدوري الانجليزي عندما فاز نادي ليستر سيتي تلك المدينة الصغيرة اكسب المدينة شهرة غير عادية حيث انتشرت في جميع انحاء المعمورة ، وشهدت الحركة السياحية بالمدينة حركة غير عادية ، وجلب موارد مالية للنادي والمدينة بشكل لم يسبق له مثيل. مايصرف على الحرب الاهلية بالبلاد وضرب المواطنين والمجموعات المعارضة بدلا استيعابهم وصرف هذه الملايين في تأهيل الرياضيين الذين يمكنهم الفوز بالميداليات . ففي دراسة سابقة قالت ان لاعب موهوب يحتاج لمليون دولار امريكي للفوز بميدالية ذهبية وسعر الدبابة يتراوح بين 7 و 10 مليون دولار . يعني سعر دبابة واحدة يمكن أن يساعدنا في الحصول على 10 ميداليات ذهبية.
وهناك الالاف من الشعراء والمبدعين فارق احدهم الحياة وهو يحلم بنشر ديوان شعر او رواية او أي ابداع فكري. رحمة بنا الاهتمام بالإبداع في شتى المجالات لايكلف كثيرا ، بل يحتاج إلى أن تخلص النوايا ، وتقف الحرب ، ونوجه الموارد للاهتمام بالإنسان.

كنان محمد الحسين
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..