الإخوان المسلحون

عندما حكم الإخوان أقصوا كل فئات المجتمع المصري واعتبروا كل من ليس معهم ضدهم، وعندما خرجوا من السلطة أرهبوه بتفجيراتهم.

بقلم: خليفة فهيم

ربما كان الجميع يعتقد وهذا ما اعتقدناه نحن أيضا، أن ما يسمى بالربيع العربي قد جاء شتاء قاسيا على بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية وحدها فقط دون غيرها، بعد أن عصف عليها وانهي مسيرة أشخاص كانوا يقودون تلك الأنظمة الديكتاتورية المستبدة بطريقة دراماتيكية، واصطلح على تسمية هذه المرحلة أو الصفحة الجديدة لما بعد أولئك الأشخاص بـ “الربيع العربي”، وذلك للنقلة النوعية التي ستحث وتستحدث في الحياة الاجتماعية وتاريخ الشعوب العربية التي عانت الانحطاط والاستبداد خلال تلك الحقبة.

أي أن تلك الشعوب الثائرة المنتفضة ستنتقل مباشرة من الطبيعة القاسية التي كانت تعيشها تحت ظل تلك الأنظمة، إلى الطبيعة اللطيفة لأنظمة أخرى أو بالأحرى نظام سياسي منفتح ذي فسحة سياسية اقتصادية واجتماعية، وتكون هذه النقلة أو المرحلة على غرار التحول المناخي من الشتاء بظروفه القاسية إلى الربيع المزدهر بكل ألوانه، فجاء ذلك الربيع المنتظر أو الذي كان يصور وتتصوره تلك الشعوب من خلال ما كانت تبدو بالثورات التي شهدتها بعض البلدان العربية، وكان من المفروض إحداث التغيير الجذري بالمفهوم الصحيح للثورة، ليؤتى بأشخاص أو اطياف لتأسيس أنظمة لطيفة تصنع لتلك الشعوب ذلك الربيع لتعيش في كنفه.

لقد اعتبر كل ما جاء لفترة أو مرحلة ما بعد سقوط تلك الأنظمة بفراشات الربيع المبشرة بذلك الفصل البديع، والفراشة طبعاً لا تبشر بالربيع دائما عند أول ظهور لها، ومن منا لا يحب الفراشات ذات الألوان الزاهية لو تأتي في وقتها فهي من امتعة الربيع ومتعة فيه أيضاً، وأنا شخصياً كنت احفظ دائما مثالا يقول “فراشة واحدة لا تبشر بالربيع” ومقتنع ومؤمن بهذا المثل تماما.

كم تمنيت لو أن هذا المثل كان يحفظه بعض من أنصار الإخوان المسلمين اليوم ويؤمنون به، هؤلاء الذين وجدنا أنفسنا اليوم في صدام دائم معهم، ليس على الأرض فذاك حديث آخر لغته السلاح، بل من خلال الأحاديث والنقاش مع أولئك الانصار ومن خلال بعض الآراء التي سطرناها ونسطرها حرفيا كتابيا، وظللنا نحاول إقناعهم بأننا لسنا ضد اي مشروع عقائدي مهما كان ولسنا ضد الإسلام، ولسنا ضد الربيع فمن منا لا يحب الربيع، لكننا ضد أولئك الأشخاص الذين يعتقدون أنهم هم المشاريع وهم الإسلام وهم الربيع كله، وأنهم هم الفراشات المبشرة بالربيع وبدونهم لا ربيع أبدا، مثلما كانت الحال مع تنظيم حركة الإخوان في مصر وما أبداه أعضاؤها وقادة بارزين فيها من تصرفات.

وتلك المواقف التي أبدوها عند أول صعود لهم إلى سدة الحكم وطريقة تسيير شؤون البلاد أو بلد بوزن جمهورية مصر وشعبها العظيم، كان الإخوان معتقدين في مشروعهم ومتمنين توسيع نفوذهم ووجودهم إلى جميع بلدان الوطن العربي، فكان مشروعهم مشابهاً بل مستوحى من المشروع الخميني، مشروع “الثورة الإسلامية “وحلم بناء الإمبراطورية الفارسية، لقد أبدت حركة الإخوان نواياها في أول قيام لها على ارض الكنانة أو بمسقط رأسها مصر، مصر تلك الأرض التي شاءت الأقدار أن يسقط بها مشروع الإخوان، فمصر بشعبها أسقطت الإخوان وكشفتهم ولم تأكلهم مثل القطة التي تأكل صغارها أو الثورة التي تأكل رجالها كما قد يعتقد البعض.

لقد كان الرئيس المفترض محمد مرسي ليس رئيس لكل المصريين، بل كان رئيسا لفئة من المصريين وهذه الفئة هي فئة تنظيمية داخل حركة الإخوان دون غيرهم، مارست تلك الفئة الإقصاء وأبدت كرها لكل فئات المجتمع المصري وبدأت ترتب البيت من داخله فقط، واعتبرت كل من هو ليس معها فهو ضدها، ومن هناك وعلى ضوء ذلك بدأ يتبين الخيط الأبيض من الأسود وبدأت تظهر حقيقة حركة الإخوان، واكتشف أمرها وتبين أنها لا تخدم الصالح العام للبلاد والعباد، بل أنها تنفذ أجندة بعينها حيث كانت تعتمد حركة الاخوان ممارسة الضغط والتهميش في حق أبناء المجتمع المصري، وكأنها تنتقم منه رغم أن ذلك المجتمع ما كان إلا رعية تحدث عليها ديننا الحنيف في حديث للرسول عليه الصلاة والسلام قوله “كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته” ومعنى الحديث مفهوم لدى الجميع فكيف لم تفهمه جماعة الإخوان أم أنها لم تهضمه؟

المصيبة ربما أن جماعة الإخوان لم تهضم معنى الحديث النبوي فعلا، ولم تهضم حتى قيمة الروح البشرية التي خلقها الله يوم خرجت حركة الاخوان ورفعت السلاح وراحت تزهق أرواحاً بشرية بريئة، من خلال التفجيرات والذبح المقصود، ولم تأخذ العبرة من حوادث عنف مماثل لم يأتِ بأي نتائج، احداث عنف سبقت قام بها أناس غرر بهم وقعوا في نفس واقعة الاخوان اليوم، لكن أولئك المغرر بهم في غفلة منهم عادوا بعدها إلى رشدهم وتبين لهم أنهم كانوا مخطئين في حق أنفسهم وحق مجتمعهم.

ربما قد أتفهم ويتفه أي كان ما جرى في الجزائر إبان العشرية السوداء حين خرج شباب غاضب مغرر بهم لحمل السلاح ضد النظام، لأن اولئك الشاب كانوا مولعين بما حدث في أفغانستان ولم يكونوا يعرفون من يقاتلون ولا حتى لماذا يقاتلون، ثم أن من خرج للقتال في الجزائر كان يقاتل تحت راية “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” وهي حركة راديكالية لا تاريخ نضالياً لها، تلك الجبهة التي تأسست خلال 24 ساعة وكان قادتها عبارة عن أشخاص لا يفقهون شيئا لا في السياسة ولا في غيرها، حيث كان اغلبهم من العمال والحرفيين المندفعين وحتى المنحرفين، ولنسأل اليوم عن كيف انتهت المأساة الجزائرية ولننظر للجزائر اليوم ولمن كانت الغلبة؟ كانت للنظام أو لنقول للدولة حتى لا نقول للحق أو بالأحرى كانت للشعب، لأن الشعب هو الذي أنهى تلك المأساة وليس أي احد أخر.

فلماذا اليوم الإخوان المسلمون في مصر بتاريخهم ورغم نظرتهم للماضي والمستقبل ودرايتهم به، يحاولون المضي قدما لبلوغ أهدافهم بطرق اثبتت التجارب انها لا تؤدي إلا للدمار بممارسة القتل والتخريب وهو ما يحدث فعلاً في مصر، فلماذا لم يأخذوا العبرة من التجربة الجزائرية أو المأساة الجزائرية، ولماذا الاستمرار في الخطأ؟ فمن اجل ماذا يرتكبون هذه المجازر؟ إذا كان جوابهم هو من اجل استرجاع الحكم، فمن قبضة من؟، طبعا من قبضة الشعب، لأن الشعب هو الذي سحب الحكم منهم وليس غيره وهو من يمسك به الآن، لذلك نجد الآن الإخوان المسلمين أو الإخوان “المسلحين” يقاتلون بل يقتلون الشعب ويرتكبون في حقه مجازر يومية من اجل اخذ الاعتراف منه بقوة السلاح ويقولون انه حصل انقلاب ضدهم، لقد سقط الإخوان بسرعة البرق لقسوة شتائهم في عز ربيعهم.

إذا كان ما يقوم به الشعب انقلابا على الشرعية، فمعنى ذلك أن حسني مبارك أو زين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وحتى القذافي هم ضحايا انقلاب، لكن لماذا لم يلجأ اولئك الرؤساء إلى ارتكاب مجازر على الطريقة الاخوانية؟ الإخوان المسلمون يرهبون الشعب بتفجيراتهم اليومية، ولذلك لا عجب إن تم تصنيف حركة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وهو ما قامت به السلطات المصرية وجاء في محله، وحقا بنا أن نقول الان تنظيم الإخوان “المسلحين” وليس الإخوان المسلمين، هذا طبعا ما كشفه لنا ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، الذي جاء أيضا شتاءً قاسيا وأعاصير مدمرة لمسيرة الإخوان، وقلنا أن تلك الفراشة التي أطلت على حركة الإخوان لم تبشرهم بالربيع، بل بأشياء أخرى ينتظرونها وتنتظرهم بفصل آخر سيفصل في قدوم الربيع من عدمه وتنكشف كل حقائق الاخوان المسلحين.

خليفة فهيم

صحفي جزائري
ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..