أخبار السودان

العطب الناجم عن غياب أبو شنب

جعفر عباس
انشغلت قوى الحرية والتغيير طوال الأيام السبعة الماضية، بمفاوضات مع الجبهة الثورية في اديس ابابا، لاستدراك خطأ استبعاد الجبهة (الحركات المسلحة) من المشاورات والتوافقات مع المجلس العسكري، وهكذا غاب أبو شنب ولعب أبو ضنب، فقد استغل المجلس العسكري توقف مفاوضاته مع قوى التغيير لتسليم تقرير حول مجزرة رمضان الى النائب العام، في خرق صريح للاتفاق بأن تتولى لجنة مستقلة عملية التحقيق في المجزرة تمهيدا لمقاضاة من ارتكبوها، وخذوا في الاعتبار ان العسكر أقالوا قبل أسابيع قليلة النائب العام الذي كان قد شرع في اجراء تحقيق حول المجزرة، ثم رفعوا التقرير للشخص الذي اختاروه ليحل محل زميله المقال، كما رشحت أنباء عن نقل النواب العموميين الذين كانوا يحققوا في جرائم فساد رجالات عهد البشير الى وجهات مختلفة
وهناك جهة ما تعلن حاليا عبر قنوات الكيزان التي آلت للمجلس العسكري بقضها وقضيضها وسجمها ورمادها، عن مواكب يوم الخميس المقبل في العاصمة المثلثة للتعبير عن الشكر للمجلس العسكري والدعم السريع (على ماذا؟ فض الاعتصام؟ اختطاف الثورة؟ عسكرة العاصمة؟)، بينما تتواتر عبارات الغزل من السيد الصادق المهدي “المُمَثل في قوى التغيير” بالعسكر عموما وقوات الدعم السريع على وجه الخصوص، معتبرا من يهاجمونهم ناكري جميل، و”لولا تهذيب!!! الدعم السريع لظل البشير في الحكم الى يومنا هذا”، مما يعني ان الثورة والاعتصام والنضال والاضراب والعصيان ما زالت جميعها بوخة مرقة، ولما سألوه لماذا يكيل الثناء للدعم السريع وقد سبق أن هاجمه بدرجة ان حكومة البشير رفعت دعوى قضائية ضده في هذا الصدد، قال أن الآيات تنسخ الآيات وبالتالي فالموقف الجديد ينسخ القديم
في الدلنج أعلنت قوى التغيير ان حسن شرف الدين الذي اعتقلته سلطات الأمن لثلاثة أيام مات تحت التعذيب، وفي القضارف تم رفع دعوى على ضابط امن بالاسم بوصفه مسؤولا عن قتل مواطن، ولكن جهاز الأمن رفض رفع الحصانة عنه بزعم أنه سيتولى محاكمته (كتامي طبعا)، وبينما نحن شايلين هم حصانة الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة فإذا بنا نفاجأ بأن جميع فصائل العسكر “محصنون” سلفا ولهم قانونهم الخاص وقضاءهم الخاص
الأوضاع الآن في منتهى السيولة وسائبة، ورغم إدراكنا أن الجبهة الثورية ساهمت بجهد مقدر في ارهاق نظام البشير، إلا أن تعنت بعض أطرافها في محادثات اديس ابابا يضر بالثورة لأنه يؤخر تشكيل الحكومة المدنية، فيخلو الجو للعسكر كي “يخرمجوا” وللمجرمين واللصوص كي يهربوا وينجحوا في تهريب الأموال المنهوبة، ومطالبة بعض ممثلي الجبهة بأن يخصُّوهم بثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، حتى لو دعا الأمر الى رفع عضوية المجلس من 11 الى 16، مطلب لا يليق بالثوريين الحقيقيين، ومن حق أهل كل إقليم أن يكون لهم تمثيل عادل في هياكل الحكم، ولكن بدون شطط يعرقل مساعي انتزاع السلطة من العسكريين، والحكومة المرتقبة بالضرورة ثورية مؤقتة وحقائبها ليست حكرا لمن يتم اسنادها اليهم في المراحل الأولى، بمعنى أنه من السهل جدا اجراء تعديلات وزارية في أي مرحلة لضمان التمثيل العادل للأقاليم والفئات والشباب والنساء
وفي تقديري فإن قوى الحرية والتغيير لم تنجح تماما في إدارة دفة التفاوض مع المجلس العسكري، ولم تدقق جيدا في الاتفاق السياسي الذي وقعته مع المجلس، ولهذا لجأت الى عمليات الترقيع بالتفاوض داخل أروقتها، والتلميح الى إمكان تعديل الاتفاق السياسي ولو بإضافة ملحق إليه، وهو ما سيرفضه المجلس العسكري الذي هو أصلا على الهبشة، ويبحث عن ذرائع لعرقلة التوافق النهائي مع قوى التغيير، وحتى لو قبل تحت الضغوط بإبرام اتفاق معها، سيحرص على ان يكون متعدد الثقوب كي ينسل من خلالها من كل المواقف التي تستوجب المؤاخدة والمساءلة
وعلى قيادات قوى التغيير ان تدرك بأنها لا تحمل شيكا على بياض من الثوار، وأن لجان المقاومة في الأحياء بدأت في التململ، ولن ترضى أن تستمر تلك القيادات في تحريكها كقطع الشطرنج كلما أرادت ممارسة ضغوط على العسكر او لترقيع مواقفها، ولتلك اللجان قيادات قد تكون نكرات حاليا، ولكنهم أقوياء العود الثوري، ومستعدون لتحمل مسؤولية حماية الثورة وتنزيل أهدافها على الأرض

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..