وجوه سودانية: رشا شيخ الدين.. توشيحات غناء المقدرو الإنكتبن كتوبو

الخرطوم ? عبد الجليل سليمان

تأخذك الأقدار، إلى أين لا تدري؟ تأخذك كما العاصفة إلى مكان بعيد، غير متوقع، مكان مذهل، لكنه خالٍ من ذكريات الطفولة ورائحة الطين.

قيل أن الصبية اليافعة ? وكغيرها من السودانيين ? شعرت أن لا مستقبل في هذه البلاد، لقد صار وطنها- بداية تسعينيات القرن الماضي – قاسياً أكثر مما يُحتمل، فقررت أن تحمل أغنياتها وترحل.

(1)

ذات الأقدار، لربما سخرت لها عاصفة خاصة حملتها بين دواماتها الإهليجية إلى الضفة الأخرى للمتوسط، إلى إسبانيا بلاد الموريسكيين والموشحات وهوس كرة القدم ومصارعي الثيران المغاوير، بلاد الفلامنجو الغيثارة والرقص والتصفيق.

ورشا، لم تحل في بلاد التواشيح بلا خاطر مشحون، ومنسوج من أديمٍ عريض وكأنه مرصّع بالجواهر، تشده بين عاتقيها وكشحيها، كما يعرف لسان العرب (الموشح)، وضعت رشا أغنياتها كغيوم تجود بها مثل غيث مطير في الأندلس البعيد (جادك الغيث إذ الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس).

وعندما كانوا يشنفونها بالموشحات “أيها الساقي إليك المشتكي/ قد دعوناك وان لم تسمع/ ونديم همت في غرته/ وشربت الراح من راحته/ كلما استيقظ من سكرته”. غنت لهم لأبي داؤود موشحات سودانية فبهرتهم بـ “يا عذاري الحي رفقاً بالحيارى/ أرأيتن حبيباً قد توارى/ يا عذارى عليلٌ عليل/ واهٍ من قلبي وليلي الطويل”.

(2)

لم يكن حب رشا لوطنها قابلاً للانقسام كونها (إسبانية) من جذور سودانية، فقد نشطت في استلهام التراث السوداني الغنائي، وحقنته بالحداثة دونما (آثار جانبية)، وكانت عندما “أنا يا ليالي، أو أقيس محاسنك بمن؟”، على إيقاعات الطبل والدلوكة، كانت تتصبب عرقاً، عرقاً يبل الأغنيات القديمة بقطرات الجباه الراهنة، فتنثال الأغنيات كالؤلؤ المنثور، وعندما تغني “كم يا ربّى ليل نتحن دروب/ نهرن فى الطشيش وزلفن حدوبو/ كل ما لاح بصيص انفردن حجوبو/ اتحاوشو المقدور وانكتبن كتوبو”، تكون الكتابة عنها مقادير أخرى، تحتاج لمقادير من حرية لا تتوفر الآن.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..