مشاريع النفاق السياسي..!

اتذكر جيداً، ان العميد “متقاعد” يوسف عبد الفتاح، كان يشرف على واحدة من الهيئات الهلامية ، اسمها “هيئة ترقية السلوك الحضري”، واذكر انه كان يمضي الساعات الطوال يعمل من اجل تحسين بعض الشوراع، بما ينهي حالة التلوث البصري النتاجة عنها. ولكن الأسف كان عبد الفتاح ينفق الجهد اغلبه والوقت اكثره، من اجل تحسين الشوارع التي يمر بها موكب رئيس الجمهورية، ونوابه ومساعدوه، حتى وجد الرجل نفسه امام طائلة الاتهام بانه يسعى لتحسين صورته عند صناع القرار، وليس تحسين صورة الخرطوم وشوارعها المعفّرة بالتراب والحفر..!

ولكن الناظر الى الحال الذي نعيشه حالياً، سيصل الى قناعة راسخة بان الحكومة وجهازها التنفيذي والحزبي، تحتشد بنماذج عديدة من حالة يوسف عبد الفتاح، حتى اوشكت البلاد ان تبلغ مرحلة مؤذية من النفاق السياسي الذي يمارسه بعض المسؤولين، من اجل استرضاء صناع القرار، وذلك من خلال اختلاق مشاريع وحصرها في دائرة نظر وسير ومرور رئيس الجمهورية وكبار التتنفيذيين.

وطبعا كلكم تعلمون قصص المشاريع الولائية التي يتم افتتاحها عدة مرات، مرة على يد رئيس الجمهورية واخرى على يد احد نوابه وثالثة على يد وزير اتحادي، وكل ذلك من خلال الحيلة التي يلجأ إليها بعض ولاة الولايات في سبيل “تكبير كومهم” وتحسين صورتهم المهتزة عند الناس وعند صناع القرار. وذلك بأن تقوم حكومة الولاية المعنية باعادة ترميم احد المشاريع ليتم افتتاحه مجددا على اساس انه احد الانجازات الجديدة.

وجرياً على ذلك، فقد لفت نظري ان بوابة مطار الخرطوم التي يمر بها موكب رئيس الجمهورية وكبار النافذين وضيوف البلاد من الدبلوماسيين والدستوريين، تجد عناية فائقة من السلطات، لم تتوفر الى المنفذ الذي يدخل ويخرج منه باقي خلق الله من السودانيين ومن الاجانب الذين يزورون البلاد، لدرجة ان تلك البوابة وجدت من البهارج ما اصبح لافتا لكل من يمر بالقرب منها.

حسناً، فلا احد يرفض عمليات التطوير والتحسين والتجويد، ولكن من الاجدى ان تمتد يد التحسين لتشمل باقي مداخل ومخارج المطار، حتى ينعكس ذلك على نفوس السودانيين وضيوف البلاد، ببساطة لان المطار يعطي الاجنبي اول انطباع عن السودان، لانه اول ما يشاهده لحظة دخوله، وكذلك يعطيه آخر انطباع عن البلاد، لانه آخر ما يشاهده لحظة خروجه.

ثم ان مرور الدستوريين الاجانب من خلال البوابات الفخيمة، لن يسهم في تغيير صورة السودان خارجياً، بمثلما يفعله مرور الاجنبي من غير الدستوريين والدبلوماسيين، لان الاخير ينقل انطباعاته عن السودان لغيره، بينما لا يجد الدستوري الاجنبي وقتا ليعكس جزءً من انطباعاته عن السودان.

وكلم تذكرون الانتقادات الحادة والسخرية الشديدة التي لقيها مطار الخرطوم من كثير من الاجانب الذين زاروا السودان، بحجة انه يعكس حجم التقصير وسوء الادارة. وهنا يحضرني ما خطه يراع الاعلامي بقناة الجزيرة احمد منصور عن مطار الخرطوم، والنقد الذي وجهه الرجل الى المطار، بعدما ساءه ان يكون حال الميناء الجوي، في بلادٍ عرفت حركة الطيران قبل كثير من دول المحيط والعالم، بتلك الكآبة.

وايضا تحضرني الشتيمة التي لحقت بظهر المطار من نجوم المجتمع المصري بعد هزيمة منتخب مصر من الجزائر، في المبارة الفاصلة التي لُعبت بملعب نادي المريخ، من اجل فك الارتباط بينهما في الترتيب بتصفيات المونديال وقتها. وكلم تذكرون ما طال البلاد من سخرية بسبب عدم جاهزية المطار لاستقبال مثل تلك الحشود التي جاءت من الجزائر ومصر.

يا سادتي، نحن في حاجة لساسة يسعون لارضاء المواطن وخدمته، وليس لاسترضاء صُناع القرار. وإلا فان موعدنا ذيلية الترتيب حينما يصطف الناس في طوابير الانجاز.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..