الحلونا “اتحللوا” يا ناس: دروس حل الحزب الشيوعي

وقعت سخرية قدر عجيبة منذ حُل الحزب الشيوعي في ديسمبر 1965 تُذَكر بقولنا “أهل البكا غفرو الجيران كفرو”. وهذه السخرية القدرية ماثلة في أن الإسلاميين قبلوا بالماركسية من غير تصريح بالطبع بينما قنع الماركسيون من نظريتهم ظاهراً وباطناً. فمنهم من رماها في قارعة الطريق، ومنهم من ينتظر، ومنهم من لا يعمل بها ويقاتل دونها. فمربط الفرس في حل الحزب الشيوعي كان أنه يدعو حسب خصومه إلى التحلل الأخلاقي وتعهير النساء. ورردنا عليهم أن من يدعو النساء إلى سوق العمل لا يمكن أن يدعو لغير كرامتهن واستعلائهن على الحاجة الملجئة للتبذل. قلنا أن شرائع الأخلاق حبابها عشرة وعاصمة من الترخص ولكن علينا أن نساعدها ب”جكة” مجتمع قائم على العدل. كان صراعاً حول الأخلاق والاقتصاد. كان من رأي الأخوان كفى بالدين عاصما. وقلنا لهم المعاد بالمعاش.
بعد خمسين عاماً وجد كثير من الإخوان المسلمين (الذين سارعوا مسارعة فطيرة للحكم) أنفسهم وقد انحطت الأخلاق بدولتهم حتى كانوا هم أول المحتجين. شكوا من لقطاء المايقوما ومن ارتفاع معدل مشاهدة الأفلام الماجنة وهلمجرا. وكانت الأعلى صوتاً في نعي أخلاق النساء والرجال هي سعاد الفاتح: نفس السعاد التي كانت بطلة ندوة معهد المعلمين العالي الشهيرة. وهي الندوة التي تأسست فيها الفرية بفساد خلق الشيوعيين بعد أن شتم طالب مستهتر “ملصق شيوعيين” بيت أفضل البشر. ولا زال غير معتذر ولا آبه بتعريضه لحزب الكادحين الأمثل للشرور والمحاق. لعنه الله. وهكذا نجد الإسلاميين تعثروا بالماركسية عن تجربة طويلة فظة بينما يتنصل أهلها التقدميون عنها بوصفها نظرية ضليلة. والسبب أنهم لم يستمعوا إلى قول الحزب بعد تلك النكسة. وكان قال لهم إن العزلة التي فرضها الرجعيون علينا بحل الحزب تستنفرنا أن نتعمق هذا الدين وندخل عليه بالماركسية نجدد معانيه الغراء ونستصحبها إلى قلوب المسلمين وعقلهم. وقال إن هذه معركة لا يجدي فيها الدفاع بل الهجوم الذكي النير. وكون لجنة للدين لموالاة ذلك الواجب. ولكن تراخت الهمم. وهكذا صار تحلل الماركسيين من الماركسية هي طريقهم الوحيد للاقتراب من تحدي استصحاب الدين اقتراباً هو الفرار نفسه. وهذا موقع دفاع لا هجوم حيال حقائق الدين وسياساته كما أراد له الحزب. وأعرض هنا لما طرأ على سعاد الفاتح التي أشقاها مؤخراً فساد الأخلاق في دولة الرساليين الكذبة:

تأست السيدة سعاد الفاتح، البرلمانية البارزة عن المؤتمر الوطني، على حال طالبات الأقاليم الجامعيات بولاية الخرطوم. وقالت إن اقتصادهن الشحيح اضطرهن لأشياء تَعْرِف عنها وتمسك الحديث عنها. ولكنها قالت بشجن ملحوظ واضح: “يا اخوانا حرام عليكم نفرش بناتنا وعرضنا”.
ظللت اسمع عن “بنات الأقاليم” في الخرطوم. وبدا لي الحديث عن “فرش عرضهن” ربما كان مبالغاً فيه. وتنبهت لحديث بعضهن عن التجني عليهن بحديث الفرش كاستثناء وكأن الأزمة الاقتصادية أعفت الخرطوم فتععفت بناتها. فالحديث عن أخلاق طلاب الجامعات، سواء من حيث تفشي المخدرات بينهم أو الفاحشة، لا يخلو من مبالغة لأنني وجدت من عرضوا المسألة في الصحف عازتهم البينات.
ولكن لا خلاف حول أن هناك مسألة تضعضع أخلاقي عام في سياق الأزمة الاقتصادية التي تطاولت. ومن المريح أن أناقش هذا الأمر على ضوء هذه الصرخة الصادقة الأسيفة على مصائر قسم من بناتنا من سعاد الفاتح بالذات. فقد كانت وما تزال عضواً مفصحاً في حركة سياسية وتربوية هي الحركة الإسلامية. وكان لها بالنتيجة مفاهيم عن الاقتصاد والأخلاق. وكان نهجها أن الأخلاق نازع روحي وديني يتعالى على الاقتصاد ساء أم حسن. فيكفي أن يحسن دين المرء فتحسن أخلاقه. واشتهرت سعاد بالحاحها أن تتحجب الطالبات اللائي رعتهن في جامعة أمدرمان الإسلامية. وجعلت الحجاب (مجرداً) من علائم حسن الأخلاق.
من الجهة الأخرى اعتقدت سعاد (ضمن حركتها الإسلامية) أن من ساء دينه ساءت أخلاقه. وهنا استعيد خطابهم الأخلاقي خلال حملة الإسلاميين لحل الحزب الشيوعي في 1965 وطرد نوابه من البرلمان. وكانت نواة ذلك الخطاب أن الشيوعيين بلا دين فهم بلا أخلاق. ووقف يرد الذائعة عمر مصطفي المكي، النائب الشيوعي، في آخر خطاب له بالبرلمان في 8 ديسمبر 1965. وخرجت الميدان بخط عريض منه يقول: “ما هي المصادر الحقيقة للتفسخ الأخلاقي في البلاد”. بدأ عمر كلمته بآية من سورة الأحزاب. وقال إنه يكرر “الأحزاب”. وهي عن الأشحة على الخير، حداد ألألسنة، ليني الركب، من أحبط الله عملهم. وكانت الآية الكريمة الثالثة التي استدعاها عمر في كلمته. وقال اتهمتنا الأحزاب في أخلاقنا بينما الحكم على ذلك لشعبنا الذي عرفنا لعشرين عاماً نحتذي مكارمها ونضمنها لوائحنا التنظيمية. ثم التفت ليضع أصبعه على بؤر التفسخ الخلقي الجد. وعرض على النواب مجلات جنس أمريكية متداولة بين الناس. وعندما قرأ بعض ما جاء على لسان عاهرات فيها احتج بعض الأعضاء. فسكت عن ذلك ولكنه قال ليعلموا مصادر التفسخ الأخلاقي الحق.
وربما فاق محمد أحمد محجوب، رئيس الوزراء، الإسلاميين في منطق الأخلاق المتعالية بكلمة أذيعت على الأمة عن فساد خلق الشيوعيين. وغضب أستاذنا عبد الخالق محجوب على “البوص”، محجوب الزمن الجميل، كما لم يفعل من قبل وطلب وقتاً مساوياً للرد في الإذاعة. ولما لم يفعلوا أصدر بياناً تصدرته الآية القرآنية: “إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]}. ثم قال كيف لحزب يناضل لخروج المرأة للعمل وقيامها بأمر نفسها فيدعوها للرذيلة كما قيل عنهم إثر حادث معهد المعلمين المعروف.
لا أعود إلى حادثة 1965 لجاجاً أو لكسب النقاط. ولكن لابد من “ألم أقل لكم”. فقد قال الشيوعيون يومها إن حديث الأخلاق المتعالية على الاقتصاد مضل. وشهدت سعاد الآن ببعضه. وغرضي مع ذلك ما ظللت أردده من أن الحركة الإسلامية (وهي ليست المؤتمر الوطني بالمناسبة) لن تسترد عافيتها إلا بنقد شجاع لدورها في حل الحزب الشيوعي. وسمعت مؤخراً من الترابي أو احمد عبد الرحمن أن الزعيم الأزهري هو من صمم على الحل وتبعوه بغير إحسان. أما ما ينبغي للشيوعيين أن يفعلوه ليستقيم الأمر فكثير.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا برف هم يومها ارادوا الكيد فقط وما قالوه لجاجة وغبار والا لهم في عام الرمادة وما فعله الامير عمر رضي الله عنه مثل تاريخي عن الاهلاق والاقتصاد والفارق طبعا كبير جدا بالاحساس بالامانه فعمر رضي الله عنه الهمه ايمان الخشية كما اقول للابداع والابتكار في الادارة وشان الناس لانه نفذ لجوهر الدين ومعاني النصوص الابعد وهم جروا خلف السلطه فانتهوا الي ما تري من محنة الوطن وبعيدا عن الدين لو لا الكيد وانتبهوا لعلم السياسة كيف لطائر ان يطير بجناح واحد ومن يومها كما تري نقوم ونقع اخل طيراننا حين فقنا الجناح ولو كان عبد الله عبيد في الكورة لرحمه الله وهذه من افة النحب السودانية ولعل في سيرة ابن الخطاب ما يكشف زورهم الاقتصاد اهم عامل في صيانه الاخلاق لاىنه يهيئ للتربية بيئة معافاة ومتقاربه ولعلهم الان ادركوا ان زوال الطبقة الثالثه هو محض محنتهم ولكن هل يحسوا لا اظن التمساح يحس !!!!

  2. و بعدين من الموال دا؟
    و لا أقولها مناكفة كما يظن بعض هتيفتك بل أقولها لسببين رئيسيين
    أولا: حل الحزب الشيوعي تم قبل نصف قرن و معظم قراء الراكوبة الآن من أجيال الثمانينات و التسعينات
    ثانيا: الحزب الشيوعي اليوم خرج من أزمات و محن أكبر من محنة حله و لسوف تجد جل عضويته الفاعلة من شباب يافع من العقدين المذكورين
    يعني ليس لأنك تركت الحزب و غادر ه أو مات معظم من هم في عمرك أن الزمن قد توقف أو أن الحزب قد تكلس. الحزب حي و باق لمبادئ تهوي إليها قلوب جديدة كل يوم و أبدا لم يحتاج الحزب لخمسين عاما ليثبت لشعبنا من هم تجار الدين و مدعي الفضيلة زورا و بهتانا

  3. نثمن بكل الاعجاب توثيقك لسيرةالرفاق وده نوع نادر من الوفاء اْصبح معدوم فى اليومين ديل.وده طبعايؤهلك عشان توثق لى سيرةرفيق لانعرف عنه الكثير هو صديقك الراحل الاْستاذ عبد الله محمد الحسن .فهلا فعلت ؟ .

  4. الله يحفظ بناتنا بالله عليكم اتبعوا وصية رسول الله صلئ الله عليه ،سلم رفقا بالقوارير يكفي ما هم فيه وما عليهم من مسوولية من بناء الامة

  5. تأست السيدة سعاد الفاتح، البرلمانية البارزة عن المؤتمر الوطني، على حال طالبات الأقاليم الجامعيات بولاية الخرطوم. وقالت إن اقتصادهن الشحيح اضطرهن لأشياء تَعْرِف عنها وتمسك الحديث عنها. ولكنها قالت بشجن ملحوظ واضح: “يا اخوانا حرام عليكم نفرش بناتنا وعرضنا”.
    ظللت اسمع عن “بنات الأقاليم” في الخرطوم. وبدا لي الحديث عن “فرش عرضهن” ربما كان مبالغاً فيه. وتنبهت لحديث بعضهن عن التجني عليهن بحديث الفرش كاستثناء وكأن الأزمة الاقتصادية أعفت الخرطوم فتععفت بناتها. فالحديث عن أخلاق طلاب الجامعات، سواء من حيث تفشي المخدرات بينهم أو الفاحشة، لا يخلو من مبالغة لأنني وجدت من عرضوا المسألة في الصحف عازتهم البينات.
    تعليق:
    لم تستثن الأزمة الإقتصادية لا بنات الأقاليم و لا بنات العاصمة,بل كانت ضربة موجعة بسبب المعالجة الفاشلة و القاسية للشأن الإقتصادي.أذكر أني ذهبت ذات مساء من أوائل التسعينات و شقيقي الأكبر لطحن قمح في طاحونة في أحد أحياء جنوب الخرطوم الشعبية.وجدنا رجآ كبير في السن يبكي.علمنا أنه لم يجد الذرة ليطحنها لعياله.سمعت الرجل يقول للطحان:أطحن لي الفضل في قعر الشوال دة بي ترابو!ثم أحذ في البكاء لحاله.قال له شقيقي خذ ربع القنح دة و أنا آخذ الربع الثاني.لكن قال له الرجل:يا ولدي نحنا ناس عصيدة و القمح ما بينفع معانا.ما كان لشقيقي إلا أنيعود إلي البيت و يأتي بثلاثة أرباع من الذرة.قال للرجل أطحنها و توكل!
    علمت يومها مدي الضرر الذي حدث لمواطني البلد جراء الفشل الذي بدأ به هؤلاء الإسلاميين نظامهم.
    حكاية بنات الأقاليم سمعتها و أنا بعيد في مهجري.حزنت و تأملت في هذا القول.سألت زوجتي بعد سنة حين ذهبت في إجازة و هي تعمل في الجامعة.قالت لي أنه حديث مبالغ فيه.أضافت زوجتي أن بعض الفتيات من الأقاليم يغررن بهن لبساطتهن و حداثة عهدهن بحياة المدينة.لكن هل يعد هذا حكمآ عامآ علي هذه الظاهرة؟ هل يعني هذا أن بنات الأقاليم خرجن كلهن و لم ينلن ما يستحونه من تربية؟!
    أتساءل هل تم دراسة هذه الظاهرة الدخيلة علي المجتمع السوداني و محاولة وضع الحلول للحد من تفاقمها؟ أم نظل نردد مثل هذه الأقاويل لدرجة أن تاليف مسرحية عن بنات الأقاليم؟!

  6. (وقد انحطت الأخلاق بدولتهم حتى كانوا هم أول المحتجين) – كان يكون أجمل لو قلت هم أول المنحطين بدل المحتجين دي ايه على أنفسهم؟ ما امنت قلت أكثر من ذلك في موضع لاح وانت محق وكل السودان عارف (سعاد الفاتح التي أشقاها مؤخراً فساد الأخلاق في دولة الرساليين الكذبة)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..