نص سردي :- يا بلد .. يا نيل

نص سردي :-
يا بلد … يا نيل
“صادق عدلان”
حزمة ضوء مخبوءة
خرج من غيابات الريف السجين
مفتوناً ببوح المدينة الطليق ظل يهفو لإقتحامها
لا تكف يداه
تضربان أمواج الهواء
حيث السماء هناك مشرعة
يلج القادم الغريب بوابتها
بلا وجل !!؟…
* * *
كانت الخرطوم في تلك الحقبة
منارة
أنشودة
شجرة مثقلة بالثمار
دانية القطوف
يستظل تحت ورافتها المحرور
تسد رمق الطاوي ثلاثٍ
تُطفئ ظمأ الصادي
تجير الخليع !!؟…
تحتضن الغريب
تشفئ الجراح الغائرة !!!…؟
* * *
ذات ليلة شتائية
يدثرها معطف العتمة الدامس
يُوقع خطاها لحن راقص
دلف “صادق عدلان”
مزملاً بألق الفجر
يستقبله حارس المدينة
حفياً به
باشاً في وجهه
يفرش له الأرض رملاً
يحيطاه النيلان
بأمواجهما الموارة
بالرغوة البيضاء
بالزبد الفوار
يرتمي “صادق عدلان”
على جسد النيلين
يمرغ وجهه
يغسل أدرانه
يطهر الروح
يعيد خلق جوارحه
يخلق فضاءً جديداً
ينتج أرضاً إضافية
سندسية العشب
يضرب بذراعيه الأمواج الرخوة
يدفع بقدميه ضخات المياه الواهنة
يثير غضب الأزرق !!؟…
يحاوره الأبيض
يغازل الضفتين
يلقي بسرجه على متن الريح
يسبح
يطير
يحلق بلا أجنحة
يقتفي أثراً لا يُرى
يتسمع هدير الرعد يزغلل عينيه لمعان البرق الخاطف
يتسلق وهج الشمس !!!؟؟….
ينتشئ بأريج الدعاش
يتسمع صوت المطر الوشيل ؛؛؛
* * *
جامعة الخرطوم
قهوة النشاط
تتناثر شلل الطلاب
هنا و هناك
مثاني
زرافات
يتمازج الحوار الهادي
مع آخر هادر ينبعث من مكبرات الصوت
يتشظى الهمس !!؟…
يلتف رهط من الطلاب حول صحف الجدار
تتنوع
تتباين
تختلف مشارب محرريها
تتصادم
تتحاور
يقف “صادق عدلان” مسمراً أمامها
مبهوراً !!؟…
تغزوه جحافل الدهشة !!!…
يُنتزع إنتزاعاً على صوت أجش
تأبى قدماه الرضوخ للنداء
تتجاذبه صورتان
صورة الصحيفة الجدارية
صورة رحيق أزاهير شفاه واهنة
تسكنها العصافير
بعد لأي
إستجابت قدماه
خطت مقهورة صوب الصوت الأجش
* * *
كان طلاب جامعة الخرطوم في ذاك الوقت
من نخب مخراجات أفضل المدارس الثانوية …
لذلك كان التنافس حاداً
كان التفوق هاجسهم
على الرغم من إنغماس معظهم في البؤر الحزبية ؛؛؛
و لما كانت الأحزاب العقائدية مهيمنة على الحرم الجامعي
كان اليسار في الصدارة
لإنضباطه و حُسن تنظيمه
و رعايته للمبدعين
بإعتبارهم طليعة النخب المثقفة
بينما التيار الإسلامي
إستقطب شريحة من المتأسلمين
و حينما قرر “صادق عدلان”
الإلتحاق بأحد أحزاب هذا الخضم الصاخب !!!…
لم يكن يملك سوى (الصدق و العدل)
دلف الى ساحة الوغى
دون مصدات
أعزل
يتناوشه كلا الحزبين
بأساليب لم ترق له
أقعى في مفترق السبل
حائراً !!!…
إمتدت يد طويلة البنان
مخضوبة الأظافر
ناعمة الأنامل
بضة
إحتواها بين كفيه الكبيرين
غردا سوياً خارج السرب
تهاوى متساقطاً
تلقفته وثارة النيل الأبيض لفظه إندفاع النيل الأزرق
إنسرب عارياً
يتوارى خلف جذوع أشجار اللبخ
* * *
ذات نهار قائظ
قاده ذو الصوت الأجش
عبر به أزقة
دهاليز
سراديب
تركه هناك و مضى
كان وحيداً
مستلباً
في صمت خانق
أدى طقوس الإنتماء
متوجساً
مقشعر البدن
لكن سرعان ما ذهبت عنه رعدة الطقوس. و سكن قلقه
بعد حين إستهواه الأمر برمته
أُقيم له حفل صغير
أخرجوه من باب آخر
إستقبله شارع واسع
تحف به الأشجار وارفة الظلال
كانت سماء الخرطوم سقفاً للكون !!!…
ملأ رئتيه بهواء منعش
إنطلق مزهواً
* * *
ذات ليلة شتائية
غاب عنها ضوء القمر
قُطع فيها تيار الكهرباء
جاءه أحد الرفاق
كان متعجلاً
– أنت “صادق عدلان”
– نعم .. ماذا هناك ؟…
– ثمة مهمة
– لي ، أنا !…
– لكلينا
– أين ؟…
– ألحق بي بعد حين
تبعه متردداً
عرج الرفيق
إنعطف
إتجه يساراً
همس له
– توارى خلف تلك الشجرة
عقب إنقطاع حركة السابلة
أعطاه برميلاً صغيراً و فرشاة
– أكتب على جذع الشجرة
ثم مردفاً
– لا تدع جداراً هنا دون أن تخط عليه شعاراً من هذه الشعارات !!؟…
إنتبه جيداً
مع أول إشارة مني أترك كل شئ
و سابق الريح
– سأفعل ؛؛؛
كان “صادق عدلان”
في تلك الأثناء يعيش حالة إستثنائية !…
شعور جارف بالخوف يمازجه إحساس بالزهو !!؟…
و قبل أن يجد تفسيراً لهذا التمازج الفريد
ثمة شارات تحذره من مغبة إستكمال المهمة !!؟….
* * *
طُورد رفيقه
إقتفوا أثره
عجزوا ؟!…
لم يبق لهم سوى “صادق عدلان”
كان مذعوراً مثل طائر بلله القطر ألهبوا متنه بالسياط العنجية
ثقبوا صدره بأعقاب السيجائر
فتحوا على جسده العاري صنابير المياه المثلوجة حيناً و الحارقة في كل الأحايين
قطعوا أشجاره
بتروا أفنانها
أكلوا لحوم ثمارها نسجوا من أعصابي أوتاراً مشدودة !..
منحت عظامي و دمي لشجرة الحديقة !..
* * *
الفجيعة
الطامة الكبرى
الخذلان
لفظوني لفظ النواة
حينما ساورتهم الريب في ولائي
حسبوا أنني أُرسلت لإختراقهم
لذلك لم يكترثوا لمأزقي !!؟…
ظللت هناك كحصاة ملقاة في صحراء العتمور !!؟…
تحترق بلهيب أوار الشمس المتقدة
كنت منفرداً
أتلقى وجبات يومية من صنوف التنكيل
تزداد جرعاتها ضعفاً بصورة دورية ؛؛؛
لما كنت خالي ذهن عن مبتغاهم
ظللت أردد صادقاً
– لا أدري ؟!؟…
فيزدادوا عنتاً و جبروتاً
و عندما تحركت الشفاه الواهنة التي تسكنها العصافير
هددوها بالفصل
فكفتْ عن التساؤل مقهورة !!؟….
كنت الرهينة و الطعم في آنٍ
لكن فخاخهم أطارت الفرائس لم يبق لهم إلا أنا !!؟…
* * *
ثمة قنديل يضئ جنبات القبو
يفرك عيوناً قرحها السهاد
يحدق طويلاً صوب الجدران
يخترقها !!!…
يرى الشوارع تكتظ بالسابلة
الأرصفة تحتشد بالمتسولين
المدينة كلها تمور بالحياة
القطار يمضي دونه
كل الكائنات دائبة الحركة
إلاه !!؟…
* * *
إنصرفتْ السنون
شحبُ وجهه
سكنه الإصفرار
غارتْ عيناه
نحلُ عوده
إبيض شعره
تساقط
إلتصقت بطنه بظهره
لكن فؤاده ظل معلقاً بأفق مفتوح
و شفاهه الجافتان تهمسان
و لسانه المتخشب يهمهم
بصوت واهن و ساحر !!؟…
يعبر جدران القبو
– ( عشانك
يا بلد
يا نيل
يا ليل
يا سمح
يا زين
يا كلمة عربية
يا وشمة زنجية )
أغمض عينيه
و إبتسامة وارفة الظلال
تعرش على شفتيه الجافتين !!؟…
[email][email protected][/email]
رائعة وهي تصادف ذكرى ثورة سبتمبر
أخي سامي
كل يتعاطي مع النص الإبداعي
حسب رؤيته و خلفيته الثقافية
و لعل النصوص التي تتفاعل مع
مع كل الإتجاهات ، هي في ظني
الأكثر قبولا من معظم المتلقيين
ألف شكر لك
رائعة وهي تصادف ذكرى ثورة سبتمبر
أخي سامي
كل يتعاطي مع النص الإبداعي
حسب رؤيته و خلفيته الثقافية
و لعل النصوص التي تتفاعل مع
مع كل الإتجاهات ، هي في ظني
الأكثر قبولا من معظم المتلقيين
ألف شكر لك
جميل وعميق
أنت أجمل و أعمق يا ممغوص
و مغبون في زمن الهزيمة
ربنا يفش غبينتك و غبينتنا معاك
ألف شكر لك
بدأ أديبنا فيصل مصطفى… رائعته بتوصيف بطل قصته من خلال اسمه ..صادق في أحلامه …ممتلئ عدلاً وهو يحتضن في دواخله ضوء كثيف….يُكتنز في حزمةٍ…اكتسبها بالأمل ساعة خروجه من عتمة الريف ….بعد قبوله في جامعة الخرطوم ….توقاً لدخول بوح العاصمة الطلي….بفرحة المشتاق للإنطلاق بأحلامه لحرية يخالها في إنتظار قدومه… لينطلق بسماحتها في فضاء المدينة الخرطوم يتمرغ بتلذذ في حناياها….!!…ويستقي منها مع الدراسة … كل مباهجها في شتى صورها دون ممانعة منها…. بل وكما صورها المبدع بأن العاصمة آنذاك كانت منعوتةً بصفات المروءة والكرم…. وطلاقة الٕاستضافة للوافد الغريب ..انخرط بطل القصة متوشحاً بصفاته ….تلك التي اشتقت من اسمه( صادق عدلان )….فكان الصدق والعدل ….!!ولكنه يفتقر للمصدات !!لتقيه تناوشات السياسة التي هي سمة أساسية لجامعة الخرطوم …والتي تختزل واقع الوطن السياسي برمته داخل بوتقتها..افتقاره لهذه المصدات …جعله لقمة سائغة فسهل افتراسه داخل شراك السياسة المهلك فتلظى بأوار السياسة …بِحَرِّها ونارها ولكن رغم كل شئ….ظل حبه للوطن الفسيح بلسماً يخفف وطأة جراحاته ويجعله متسامياً …فوق آلامه و شدة صبره على قساوة التعذيب ….من أجل محبوبه …وطنه الكبير…!!!من هذا الألق الإبداعي تتوهج لدى المتلقي قناعة .!وهي أن من يفتقر إلى الدهاء والفطنة في ممارسة السياسة..حيث أن كليهما يمثلن الدرع الواقي ضد المؤامرات التي تختلط أصيلةً في كيان السياسة المعقد التركيب ويكتوي بنارها كل من إستجرأ لممارستها حتى لو تدثر بكل صفات النبل والأخلاق الحميدة …
وحينها لا عذر له لنفسه…. لو أخفق في إحترازه ….وتلظى بشرور مكايدها ومصائدها الخطيرة …المهلكة …حتى ولو كان صادقاً وعادلاً….!!!
مجتبى ……4/9/2014
في البدء أسوق لك شكراً موصولاً
بلا حدود
ثم أمعن النظر فيما كتبت تعليقاً
على هذا النص يا أبا باسل
أستطيع أن أقول ما أعدلك و أصدقك
و أنت تقدر جهد المبدع و معاناته
و تصف النص بما يستحق من التقريظ
ثم تفككه و تملك مفاتيحه لمن أراد أن
يخوض تجربة الإطلاع عليه
بل تجعله مفهوماً لكل القراء
ما أعدلك و أصدقك !!؟….
ما أسعدني بك أخي أبو باسل
و أنت تتعاطى مع نصوصي السردية
بمبضع النطاسي البارع الذي يرى
مواطن الجمال في جسد النص
فيستحسنه ، هذا الجسد الإبداعي
خالي من العيوب ، وينبغي تفكيكه
حتى يدرك مرامية عامة القراء
كم كنت عادلاً و صادقاً في كشف
محاسنه
بارك الله فيك يا أبا باسل