هل من “كينز” سوداني لإنعاش الاقتصاد!

لجأت الحكومة السودانية في الفترة الأخيرة لتدابير قاسية من أجل تخفيض الإنفاق وضبط الاستيراد والأجراءات الخاصة بضبط الكتلة النقدية ، اي السيولة ، في الأسواق في محاولة من أجل إيقاف تدهور العملة الوطنية وخفض التضخم المتسارع الناتج عن هذا التدهور.
في الثلاثينات من القرن الماضي حدثت في اميركا هزة اقتصادية كبيرة عرفت في كتب التاريخ الاقتصادي بإسم “الكساد العظيم The great Depression? حيث فقد الكثير من الناس وظائفهم ومدخراتهم وانهارت المؤسسات المالية ، وكان ذلك أثناء إدارة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الثانية. وكتب إليه الاقتصادي البريطاني المعروف ورائد الاقتصاد الكلي ، “جون مينارد كينز” ، رسالة مفتوحة نشرت في جريدة “النيويورك هرالد” دعا فيها كينز الرئيس الأمريكي إلي “تحفيز الطلب الكلي” من خلال زيادة الصرف الحكومي على الأشغال العمومية. وفي الثامن من يونيو 1933 زار جون كينز واشنطون بدعوة من الرئيس والذي كان انطباعه الاولي عنه بأنه “مجرد عالم رياضيات غريب الأطوار ،أكثر منه رجل اقتصاد سياسي” ، ومضي الرئيس الأمريكي في سياسته التقشفية مثل ضبط الموازنة وخفض الدين العام. لقد كان من آثار هذه السياسة التقشفية حدوث ما يعرف بكساد العام 1937-1938م المريع!
لقد كانت رؤية كينز الأساسية الدائمة هي أن ما يصلح لعائلة واحدة خلال الأوقات الصعبة قد لا يجدي نفعا للاقتصاد الدولي. حيث أن أي عائلة يفقد معيلها وظيفته تستطيع وينبغي عليها تقليص الإنفاق لتغطية نفقاتها من أجل استمرار العيش. لكن لا يستطيع كل شخص القيام بذلك في آن واحد معا عندما تكون هنالك حالة من الضعف الاقتصادي الذي يعم البلاد، فالمعروف في الاقتصاد الكلي أن ما ينفقه شخص يعتبر دخلا بالنسبة لشخص آخر. وعندما يقوم المواطن بتقليص الإنفاق بشكل أكبر لزيادة مدخراته، يضطر الناس الذين يتلقون منه المال ، (مثل صاحب الدكان في الحي)،إلى خفض الإنفاق الخاص بهم أو اغلاق الدكان، وهكذا دواليك في دوامة معروفة باسم مفارقة الادخار. وهنا ينكمش الدخل بسرعة كبيرة بحيث أن المدخرات تنخفض بدلا من أن ترتفع. والنتيجة بطالة جماعية وتدهور في مدخولات الناس.
وكان كينز يري إنه عندما لا ترغب الشركات في الاستثمار وعندما لا يرغب المستهلكون في الإنفاق، فإنه يتوجب على الحكومة كسر “الحلقة الخطرة”عن طريق تصعيد الإنفاق الخاص بها وخفض الجبايات والضرائب، وكلتا الحالتين تزيدان من كمية النقود في جيوب الناس. ويعتقد كينز إنه ينبغي على الحكومات إدارة الفائض لديها في خلال أوقات الازدهار من أجل سداد ديونها وامتصاص الطلب الخاص المفرط. في العام 1968م لجأت حكومة الديمقراطية الثانية في السودان تحت رئاسة محمد أحمد المحجوب وكان حينها الشريف حسين الهندي وزيرا للمالية إلي هذا الحل “الكينزي” فقد قامت حكومة الإئتلاف بين حزب الأمة والأتحادي بتحفيز الطلب وأنشأت ما يسمي ” بند العطالة” والذي وظف الكثير من الخريجين في القطاع العام وحفزت القطاع الخاص بخفض الضرائب والجبايات واتت هذه السياسة أكلها في منتصف السبيعنات الميلادية فقد وصلت البلاد إلي تحقيق “النوظيف الكامل” لكل قطاعات الخريجين وغير الخريجين من خلال القطاع الخاص ، فقد كان طالب العمل يذهب إلي مكتب العمل في الخرطوم ويجد مئات الوظائف في إنتظاره وكان يحتار اي وظيفة يختار ، قبل أن تأتي سياسات نميري الاقتصادية وتقع البلاد في شراك صندوق النقد والبنك الدولي لتنفيذ ما يسمي بمشاريع التنمية والتي فشل معظمها ويترك البلاد رهينة الدين الخارجي. ومع بداية سنوات الثمانين الميلادية كشر البنك الدولي عن انيابه وبدأ في فرض روشتة “الإصلاحات الهيكلية” والتي أدت إلي خفض الأنفاق على التعليم والصحة والتوظيف مما ادي لتدهور حال البلاد والعباد. كم أن هذه السياسة ندم عليها صندوق النقد الدولي فيما بعد وأعترف في التسعينات بأنه ادت إلى خراب كثير من الدول وما يجدي الندم بعد أن وقع الضرر.
أنا لأ اقول أن نلجأ لروشتة “كينز” لإنعاش الاقتصاد فما يصلح لأمريكا وبريطانيا أو دولة شيلي قد لا يصلح للسودان ، بل الحاجة الآن صارت ماسة إلى وزير مالية جرئ يفكر خارج الصندوق وربما يستعين بما هو داخل الصندوق مثل تجربة جون مينارد كينز وغيره ويكون في نفس الوقت في شجاعة ودربة المرحومين الشريف حسين الهندي والدكتور عبد الوهاب عثمان لاحداث المتغيرات المطلوبة وإخراج الاقتصاد والوطن من أزمته!

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..