مقالات سياسية

الصادق المهدي يحاول عبثاً مغالطة التاريخ وتزويره (3)

سليمان حامد الحاج

تعليقات في السياسة الداخلية

في خطبته في عيد الأضحى المبارك يتناقض الصادق المهدي تناقضاً تاماً مع مسلكه في الواقع العملي المعاش في ضروب الحياة السياسية. في هذا الحيز لا القي الكلام على عواهنه، بل استند على ذخيرة حية ووافرة من الممارسات التي لا يجمعها جامع مع ما يطلقه الصادق من افكار وتصريحات.

الصادق المهدي عدو أصيل للديمقراطية:

قال الصادق المهدي في الخطبة المشار اليها (القوى الوطنية الديمقراطية ساعية لتحقيق السلام العادل الشامل ولتحقيق المساواة في المواطنة… ونحن على رأسها، وسوف نعمل على تكوين قوى الوسط السياسي…الخ).
لم يقل الصادق من هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي يقف على رأسها. ومع ذلك في هذا المقال سنكشف لاحقاً من هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي تقبل أن يكون مثل الصادق المهدي على رأسها.

حقائق التاريخ وممارسات الواقع المعاش تدحض كل الادعاءات الجوفاء التي يتمشدق بها عن الديمقراطية. فالصادق المهدي بعد عودته من الدراسة في الخارج ولما يبلغ السن القانونية ليصبح عضواً في البرلمان ثم رئيساً للحكومة بدلاً من السيد محمد احمد محجوب، أصر على اخلاء دائرة له من أحد دوائر طائفة الأنصار. فأخليت له دائرة كوستي التي فاز بها السيد بشرى حامد في انتخابات ديمقراطية.

فمن نصدق: الصادق الذي يريد أن يصفي العلمانويين والاسلامويين كما ذكر في خطبة العيد أم الصادق الذي ينتمي إلى الاثنين؟!
لكن ما يفضح هذا التهريج السياسي، مواقف الصادق المنحازة تماماً إلى الاسلاميين (الاخوان المسلمين) على وجه التحديد هو:

أما دعوة الصادق للقوات المسلحة ومطالبتها بالانحياز لأجندته (أجندة بناء الوطن) وحمايته من الردة الاسلاموية والاستلاب العلمانوي، فهي دعوة ليست جديدة، بل كثيراً ما يلجأ اليها الصادق المهدي في المنعرجات السياسية الحادة عندما يكون نفوذه وتطلعاته غير المحدودة مهددة بالخطر. نورد هنا بعض الأمثلة شهادة على ما نقول:

• في صراعه الذي أشرنا إليه مع السيد محمد احمد محجوب حول رئاسة مجلس الوزراء عندما فشل في اقناع اسماعيل الأزهري بحل البرلمان بموجب السلطات التي منحها له الدستور، قام بكتابة خطاب للواء الخواض القائد العام للجيش السوداني طالباً منه التدخل وهذا يعني، والصادق يعرف اذا تدخل الخواض فليس أمامه سوى سبيل واحد وهو القيام بانقلاب ضده وهذا ما لا يجهله الصادق المهدي.

• هذه المرة كانت دعوة الصادق للأجنبي لضرب قوات التحالف الوطني الديمقراطي. (في اجتماع مع القيادة الارترية في اسمرا في بداية العام 2000م ناشد الارتريين أن يوقفوا الأعمال الحربية التي تشنها قوات التجمع ضد النظام الحاكم في الخرطوم من الأراضي الاريترية. تلك الرواية المحبطة تبين مدى حرص الصادق على الحصول إلى مصالحة مع النظام الحاكم، حتى لو كلفه ذلك طعن اصدقائه من الخلف)
[راجع كتاب منصور خالد ” السودان: أهوال احرب وطموحات السلام ص 853] أما علاقة الصادق بالأنظمة العسكرية المختلفة رغم محاولة انكاره بزعم أنه لم يشترك في أي نظام عسكري فتدحضها وقائع التاريخ المعاش.

• للحقيقة والتاريخ من المهم أن نثبت هنا، أن السيد الصديق المهدي والد الصادق المهدي أتخذ موقفاً على نقيض تام مع ابنه والموقف الرسمي لحزبه. فعندما بدأ التحضير للانقلاب العسكري، وعقد اجتماع في منزل السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة، حضره هو وعبد الله خليل رئيس الوزراء ووزير الدفاع وابراهيم عبود القائد العام وثلاثة من كبار الضباط وهم أحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر وعوض عبد الرحمن صغيرون وزين العابدين صالح. اعترض السيد الصديق على تولي الجيش زمام الحكم.

كانت وفاة السيد الصديق المفاجئة في نوفمبر 1961م ضربة كبيرة على الحزب وعلى البلاد، فقد لعب دوراً بارزاً في معارضة الحكم العسكري. واشاد الحزب الشيوعي بذلك الدور في رسالة التعزية التي بعثها المكتب السياسي لحزب الأمة والتي جاء فيها “إن الحزب الشيوعي السوداني يقيم تقييماً سليماً الدور الذي لعبه الامام الراحل وسط أحزاب المعارضة. وهو امتداد لتاريخه الوطني منذ أن كان طالباً في كلية غردون وشارك في اضراب الطلاب عام 1931م وكان من قياداته وشارك في نشاط حزب الأمة منذ تأسيسه، ولكنه لم يصبح رئيساً له إلا بعد أن برهن على مقدراته القيادية”.
[راجع كتاب: معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني – د. قدال]..

الصادق المهدي لم يصحح أو يدين موقف حزبه حتى الآن من ذلك الانقلاب العسكري الذي حدث من وراء ظهر حزبه وبالرغم من اعتراض والده السيد الصديق المهدي وكان تسليماً وتسلماً من عبد الله خليل للفريق عبود وليس مستغرباً أن لا يفعل ذلك.

• الصادق المهدي وانقلاب 25 مايو 1969م:
لم يعارض الصادق المهدي الانقلاب المايوي بقيادة نميري، ولا يعارض استيلاء الضباط على السلطة، بل يعارض الواجهة اليسارية الصارخة للنظام. وهو ذات موقف الاخوان المسلمين الذي عبر عنه د. حسن مكي قائلاً، الانقلاب المايوي (اتجه صوب الاشتراكية العلمية وفتح الباب أمام الحزب الشيوعي.)
[راجع كتاب حسن مكي: الحركة الاسلامية في السودان]..

( عبر الصادق المهدي عن سعادته بزوال العهد البائد “لاحظ الصادق يصف عهده بالبائد” لأنه كما يرى عهد أفسد فيه الساسة .. وأفسدت الأحزاب التطبيق الصحيح للديمقراطية. وكان في أخريات أيامه مسخاً لا يستقيم أن يلحق بالديمقراطية إذا كان قائماً على دستور مخروق، والحكومة مؤلفة من سياسيين فاسدين انكشفت مفاسدهم وسوء تطبيقهم للديمقراطية.
عاب الصادق على النظام الجديد غلبة الطابع الشيوعي إذ أن ثلاثة من الوزراء كانوا مرشحين علنيين للحزب الشيوعي معروفين لكل العاملين في الحقل العام).
[راجع كتاب “أجهزة الأمن السودانية – إعداد عقيد أمن (م) حمد الفاتح عبد الملك]..

رغم محاولة الغزو الفاشلة للسودان في يوليو 1976م التي قادها الصادق المهدي وآخرون ولدهشة الجميع التقى الصادق المهدي بنميري في بورتسودان في اجتماع مفاجئ أعد له رجل الأعمال فتح الرحمن البشير، هنأ الصادق المهدي نميري على توجهه الاسلامي الجديد وقدم لنميري ثلاثة تنازلات هامة هي:
1. وافق على مساندة نميري عند ترشيحه لدورة رئاسية ثالثة.
2. أقر نظام الحزب الواحد الذي يمثله الاتحاد الاشتراكي السوداني وتعهد بالعمل السياسي من خلاله.
3. أقر بالنظام الاشتراكي أياً كان معنى مصطلح الاشتراكية للطرفين المتعاقدين.
وطبقاً لذلك الاتفاق أصبح الصادق المهدي عضواً في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وأدى قسم الولاء لثورة مايو الاشتراكية.

(بعد اجتماع الصادق المهدي مع نميري سافر إلى لندن ليطلع حلفائه في قيادة الجبهة الوطنية. حضر الاجتماع الشريف حسين الهندي، عثمان خالد مضوي ومجموعة من قيادات الجبهة. لقى الاتفاق انتقادات حادة انصبت في الطريقة التي اتبعها الصادق في إبرام الاتفاق وانفراده به دون الرجوع لمؤسسات الجبهة، الشريف حسين الهندي رفض الاتفاق بصورة متكاملة ومبدئية مؤكداً أنه كان يمكن الحصول على مكاسب أكبر لو دارت المفاوضات بصورة جماعية وكانت بعلم قيادات الجبهة وقاعدتها .. ورعايتها من الدول الصديقة.)
[راجع نفس المرجع السابق]..

أما بالنسبة للمجلس العسكري الذي ترأسه عبد الرحمن سوار الذهب القائد العام للقوات المسلحة، فقد ذكر الصادق المهدي في اللقاء الأول له مع جون قرنق في 31 يوليو 1986م وحضره من التجمع النقابي د. تيسير محمد احمد علي، ود. مأمون محمد حسين، مختار عثمان (أبلى الصادق المهدي بلاءً حسناً في الدفاع عن المجلس العسكري الانتقالي، واصفاً الانقلاب الذي قام به المجلس العسكري بأنه انقلاب شعبي وليس انقلاباً عسكرياً.
الصادق المهدي يعلم تمام العلم أن سوار الذهب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وعدد من ضباط المجلس الانتقالي يمثلون القوة الضاربة لنظام نميري. ويعلم أيضاً أن سوار الذهب منحاز تماماً للإخوان المسلمين. وقد عبر عن ذلك د. حسن الترابي بقوله (زارنا المشير سوار الذهب وصحبه الأبرار في فندق شيراتون ورأيت احترام الضباط له “يقولون له يا مولانا” فأطمأن قلبي على الشريعة وأنها لن تلغى.)
[راجع صحيفة الراية عدد 2/7/1987م]..

وأورد ذات العدد من صحيفة الراية، أنه تم اختيار الجزولي دفع الله رئيساً لمجلس أمناء الوكالة الاسلامية للإغاثة واختيار عبد الرحمن سوار الذهب رئيساً لمجلس الأمناء لمنظمة الدعوة الاسلامية. بل أكثر من ذلك، فإن الصادق المهدي على علم تام بأن عبد الرحمن سوار الذهب عدو لدود للحزب الشيوعي. وقد عبر عن ذلك بقوله وهو في مسجد القوات المسلحة يوم 5 ابريل 1985م (إن الشريعة التي أعلنها نميري باقية، وأن نميري الذي أعلن الشريعة باقٍ ولن ترهبنا مظاهرات الشيوعيين).
[راجع صحيفة الأيام عدد 6/4/1985م]..

اوردت صحيفة الصحافة الصادرة في 13 سبتمبر 1983م قال (إن وقوف القوات المسلحة وقفة رجل واحد وراء قوانين سبتمبر يعود إلى ايمانهم بقيام مجتمع اسلامي صالح، وأن القوات المسلحة وقد شرفتموها بالشريعة الاسلامية، أصبحت معاركها جهاداً في سبيل الله، وستظل أبداً رمزاً للتضحية).
______
سليمان حامد الحاج
*الميدان 3693،، الخميس 3 سبتمبر 2020.*

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..