يوم ذهبي جديد للعصيان المدني

سعد محمد عبدالله

ها هم السودانيون يبصمون علي صفحة الثورة بعصيان مدني شامل في يوم ذهبي مليئ بالبطولات، ها هم صناع المجد قد سجلوا للسودان تاريخ جديد.
فشهد يوم 19 ديسمبر 2016م ملحمة عصيان هي الأوسع والأشمل منذ انقلاب الإنقاذيين علي الحكم قبل 27 عام، عاش السودان خلال هذه الفترة في تدهور سياسي وإقتصادي وحروب واسعة النطاق، ولكن هذا الشعب العظيم انطق بالحرية وعشق السلام واشتاق العدالة واتخذ العصيان المدني طريق للوصول الي حلمه في وطن حر ديمقراطي.
لقد فشل النظام في تعبئته المضادة للعصيان بعد مقاطعة الجماهير لزيارات البشير ولقاءاته في الساحة الخضراء ودنقلا ثم كسلا والجزيرة، كما باعت محاولاتهم بالفشل في توزيع مناشير تحرم العصيان والإحتجاج والتظاهر وتصف من ينادي بمقاومة السلطة بالكفر والإلحاد، ولم يجدي الخطاب التخويفي والتخويني الذي تبناه مناصري المؤتمر الوطني في الإعلام من إيقاف المقاومة الشعبية التي تطالب بتنحي عمر البشير ومن معه عن الحكم، ولم يكن للنظام خيار غير فتح المزيد من السجون لزج المعارضيين السياسيين فيها، يعتقدون انهم سيرهبون الشعب بمثل هكذا افعال، لكنهم ايضا فشلوا في هذا الهدف لعدم مقدرتهم علي تصويب الرماح، ونشن الشعب رماحه بقوة فأصاب الهدف، وهم اكتفوا بمشاهدة مناظر العصيان عبر طائرات (الهلكوبتر) فوق سماء الخرطوم.
إن العصيان المدني الذي نفذه الشعب السوداني بجدارة وعن وعي عالي، جمع السودانيين في خط النضال من أجل التغيير والتحرر الوطني، ولقد اجمعت القوى السياسية والوطنية بكل اطيافها علي تبني العصيان ودعمه سياسيا واعلاميا واتخذته قوى التغيير كواحدة من نقاط توحيد السودان وبناء رؤية ثورية استراتيجية تفرض اجندتها في الداخل والخارج وتخلص الوطن من سنوات الشتات والتفرقة وتعيد رسم خارطته الجديدة في المستقبل.
نستطيع القول بأننا اليوم علي مشارف النصر وحسم معركة التحرر، فما حدث علي امتداد شوارع ومؤسسات السودان يؤكد التماسك الشعبي والتمسك بخيار اسقاط النظام، ولقد قام النشطاء بنقل الأحداث من عمق الشوارع بشكل اجهض أكاذيب المتربصين بالثورة، عبرت تلك الصور الجميلة عن ثورة حضارية بمفهوم متمدن قل ما يكون له مثيل في عالم اليوم، ولقد اوفت القنوات الفضائية الدولية في تقطية الوضع لحظة بلحظة، ولولا جدية الشعب ونشاط النشطاء في مواقع التواصل الإجتماعي لما التفت العالم لما يجري في السودان.
هذا الحراك كشف حقيقة الرفض الجماهيري للمؤتمر الوطني وفتح اعين الدول المحيطة بناء وجعل الولايات المتحدة الأمريكية تحذر النظام من قمع العصيان، ولكنه نظام طاغي ومتجبر وخارج عن كل دوائر المنطق، ولم يستجيب لا لأمريكا ولا باقي العالم، ولا حل سوى الضغط والضغط حتي يتم تحرير السودان.
القوى السياسية الوطنية والكتل الثورية التي انجزت العصيان المدني داخل وخارج السودان عليها تدبر امورها وترتيب صفها وتوحيد قوتها استعدادا لمواصلة الكفاح المشترك الي أن يتم استرداد كافة الحقوق المسلوبة وبناء دولة مواطنة حقيقية.
علي المخلصين والمهنيين في الجيش والشرطة والنقابات والمؤسسات المختلفة مسؤلية مشاركة الشعب في نضاله الوطني واعلان مواقفهم في هذه المرحلة التاريخية، والجيش والشرطة مؤسستين لخدمة الشعب والوقوف معه لا ضده، فمنهم المهنيين الذين يحبون شعبهم ولم يقاتلوا شعبهم لنصرة الطغاة.
الهم بات هم وطن وشعب يريد وضع نقطة جديدة في التاريخ، والمعركة الحالية يجب أن تحدد مصير السودان، والعصيان المدني بمثابة استفتاء جماهيري لا يحتمل التزوير، وتوحد الإرادة الجماهيرية ستحسم جدليات كثيرة تمت إثارتها في محافل الساسة والمثقفين والأيام ستثبت شكل ومضمون الثورة من خلال ذات السجال السياسي والفكري في منابرنا المتعددة، حينها سيظهر الفرق بين العهد الإنقاذي البوليسي المنتهي والعهد الديمقراطي الآتي.
نبارك لشعبنا العظيم نجاح العصيان المدني ونبعث التهاني لكل ناشط/ة في المواقع الإسفيرية، واليوم نحتفل بعيد الإستقلال المجيد والذي جاء بنضال الحركة الوطنية السودانية التي تحمل اسماء سودانيين ابطال قادوا كفاحهم بوعي حتي نال سوداننا استقلاله.
والتاريخ يعيد نفسه ويصادف يوم الإثنين من العام 1955م إعلان إستقلال السودان من الإستعمار الإنجليزي المصري من داخل برلمانه الوطني، ويوم الإثنين من العام 2016م تنفيذ اضخم عصيان مدني سوداني ضد الإستغلال الإنقاذي، فكما جاء الإستعمار الخارجية بالبندقية وذهب بكفاح الشعب السوداني السلمي والمسلح، جاء الإستعمار الداخلي ايضا بالبندقية وسيذهب بالكفاح السلمي والمسلح.
التاريخ يذكرنا بما قدمه المناضليين من قبلنا ويدعونا لمواصلة حلقاته الي أخر مشهد، ونحن نلبي دعوته ونسير علي طريق الحرية الي منتهاه.
سنهتف اليوم بحماس، ونغني في مهرجان العصيان المدني السوداني، وفي يوم مولد السودان الحديث.

اليوم نرفع رأية إستقلالنا ??? ويسطر التاريخ مولد شعبنا

سعد محمد عبدالله

[email][email protected][/email]