ثقّفوا أبناءكم في الصغر تضمنوا مستقبلهم في الكبر

ميدل ايست أونلاين
يخطئ الأهل في ظنهم أن الصفات الأساسية عند أولادهم تعود لعوامل وراثية وجينية فقط، وأنه لا يوجد أي دور لتربيتهم في تشكيل شخصية الطفل وتقليم طباعه. فذوق ومزاج الأهل وتعاطيهم مع مسائل الحياة ينتقل إلى أطفالهم بطريقة مكتسبة ولا ينحصر بالوراثة الجينية.
ويتفق العلماء أن الطفل حتى عمر 6 سنوات يعتمد في نموّه على تربية الأهل اعتماداً كلياً، وما بعد ذلك يصبح دور الأهل توجيهياً.
لذا يمكن للوالدين أن يلعبا دوراً إيجابياً في توجيه ذوق الطفل الفني ووعيه الثقافي، وذلك بما يختارونه له من مواد ترفيهية وتثقيفية. والخطأ الكبير يتمثّل بإهمالهم لعملية الإشراف الحريص على كل ما يشاهده أو يسمعه او يقرأه. لأنهم بهذا يتركونه عرضة للنمط الاستهلاكي السائد في المجتمع.
سبق وأكدت دراسات كثيرة على أن الجنين يتأثّر بما يسمعه في محيطه الخارجي، ما يدفع الأب والأم لإسماعه بعض أنواع الموسيقى. لكن وللاسف فإن هذا الاعتناء بالذوق الموسيقي من قبلهما يختفي غالباً فور خروجه إلى العالم الحقيقي. والسبب يعود للانشغال بإطعامه وإرضاعه وإلباسه.
بالنظر إلى المزاج الفني المتردي الذي تعاني منه ثقافتنا الفنية حالياً، قد ينفع تحكمنا بما يسمعه أبناؤنا منذ الصغر، كطريقة لتعويدهم على نمطٍ ثقافي عالٍ. فلنختر لهم تلك الأغاني التي تحمل قيمة وهدف في كلماتها وألحانها، ولنمنعه عن الأغاني الرديئة والسوقية المراد التي تخرّب الأذن السليمة للمتلقي.
باستطاعتنا أن نعرفه على روائع الفن الموسيقي العالمي، من خلال إسماعه بعض المقطوعات الموسيقية وتعريفه على مؤلفيها ومؤدينها صوتاً وقراءةً. بالإضافة إلى الاغاني القديمة العربية والغربية على حدٍ سواء، فتسوية ذوقه الموسيقي يؤثّر حتماً بوعيه الثقافي القادم.
لا ينطبق هذا على حاسة السمع دون غيرها، لأن حواس الطفل تكون في مرحلة ما لبنةً مرنة نشكّلها كما نشاء. ومن الطبيعي أن تختلف قدرات طفل عن آخر، لكن عبر التدريب والممارسة منذ سنٍ مبكرة يتعدّل الكثير مما هو افتراضي وحتى وراثي. فالنجاح يعود قسمٌ بسيط جداً منه إلى الموهبة بينما يعود القسم الأكبر إلى العمل الدؤوب والممارسة.
القراءة جزءٌ مهم من حياة الطفل، وتنميتها مهمة في غاية الصعوبة والأهمية في الوقت ذاته كونها تعزز مهاراته اللغوية والتخيلية، وتساعده في فهم بعض نواحي الحياة التي قد يجدها غامضة في صغره. لكن يجب أن ينتبه الوالدان عند اختيارهما لنوعية القصص المقروءة، لأنها ستساهم في تشكيل شخصيته ووعيه المستقبلي.
لكن الاكتفاء بأن نقرأ له كما يحصل في حالات تربوية كثيرة لا يجدي أبداً، علينا أن نعلّمه حب القراءة ليسعى لها ويعتمد على نفسه في مطالعة كل ما يرغب، لتنمو شخصيته بشكلٍ أفضل ويتقن تحصيل المعلومة التي يريدها ويتعب في جنيها.
من أفضل ما يمكن فعله لطفل اليوم، أن نؤمّن له بعضاً من أفلام الكرتون القديمة حيث الشخصيات بأشكالها الجميلة والطبيعية، والقصة الهادفة والمواضيع الإنسانية والأخلاقية التي كانت تطرح. ولنبعده قدر المستطاع عما هي عليه اليوم من مواضيع لا تحمل مغزىً واضحاً، وشخصيات قميئة أبعد ما تكون عن المنطقي والطبيعي.
طبيعيٌ جداً ألا يضبط الأهل موضوع ما يجب مشاهدته من “أفلام الكرتون” بشدة، فالطفل يتأثر بزملائه في الحضانة والمدرسة بما يشاهدونه وسيرغب بمشاهدته أيضاً. لكن الأفضل أن نستفيد من هذه النقطة وندفعه للتمييز بين ما هو رديء ومستهلك وبين ما هو فني يحمل هدفاً.
حتى الرسم يستطيع الطفل أن يتعلمه في صغره، إذا عوّده أهله عليه. قلم رصاص وورقة وألوان بين الحين والآخر يكفي ليعبّر عن شعوره وآماله. كذلك باستطاعتنا تعويده على مهارة الكتابة من خلال اقتراحاتنا له، كأن نقترح مثلاً أن يمسك قلم ودفتر ويحكي ببساطة مطلقة عن كل ما يزعجه وما يحبه ونعده بأننا لن نقرأ ما هو مكتوب في الدفتر. مع الحرص التام على أنه يفعل هذا حقاً.
لا تهملوا أولادكم ظناً منكم أنهم سيميزون لوحدهم الطريق الصحيح مستقبلاً. فالمحيط الخارجي يزداد اتساعاً وانحطاطاً ومهمتكم أن يربى طفلكم بجوٍ ثقافي يخوّله عند الكبر لتحقيق أهداف سامية.
والتركيز على المهارات الإنسانية عند الطفل والابتعاد به عن طريق الإدمان على ألعاب الكمبيوتر وكل تلك الألعاب التكنولوجية يشكّل فرقاً كبيراً في حياته يتمثّل بنموه نمواً صحيحاً.
ليستْ حاجتُنا ? نحن الكبارَ – إلى التربيةِ بأقلَّ من حاجةِ أطفالنا.. بل يجب أن تسبق تربيتُنا تربيتَهم .. ومن أسفٍ أنّنا لا نتعلم من براءتهم فنصلح .. وقد نُعلّمهم من أخطائِنا فيَفسُدون !. وإذا كنا – نحنُ الكبارَ – نرعى أبناءنا بكل قوانا, فإنّهم بالمقابل يرعون عواطفنا الأبوية بكلّ ضعفهم .. وسعادتنا عندنا نعطيهم, ليست بأقل من سعادتهم حين يأخذون !..
وإذا كنّا نهديهم الأشياء في الدنيا, فإنّهم يهدوننا الدّعواتِ الباقيات الصالحات إذا صِرنا تحت الثرى..
إنّ أطفالنا سيغدون – بإذن الله – ألسنة صدقٍ تشفع لنا يوم الحساب, بشرطٍ واحد هو : أنْ نحسنَ تربيتهم, كما أحسنّا تغذيتهم..
فإلى متى نستمرُّ في عقوقِ الأطفال ؟!..
محب السودان:عبد الرحمن الإريتري – إريتريا