الرمزية في مفترق طرق السياسة والهوية

زهير عثمان حمد
في ضبابٍ يكتنفه صدى الزمان وتنداح أصداء معارك الماضي، يقف المواطن في مهب الريح، يتأمل واقفًا وسط مفترق طرق السياسة والهوية. هنا، تتجلى صورة العجز المموَّج بالبذلة العسكرية، تلك الصورة التي تُثير الوجد دون أن تنزل بظلالها القاتمة على تفاصيل المشهد الحقيقي. في قلب دار مساليت، حيث تتمازج دماء الأجداد مع أحلام الفجر الجديد، تبث الرياح العليلة أخبار العصابة الإنقاذية التي لم تعرف الكلل في محاولاتها لإشعال فتيل الفتنة بين مكونات الشعب.
كانت معاركهم أكثر من مجرد صدامات مسلحة، بل كانت حكاية مفروشة بين دفاتر التاريخ، حيث حُفرت أسماء كالسيف والقلم على جدران الذاكرة الجماعية.تذكرنا تلك الأيام بأن السلطة لا تُزهى على قمم المناضلين فحسب، بل تُبنى أيضاً على جسورٍ من الحوار والتلاحم، إذ كان السلطان عبدالرحمن بحر الدين مثالاً على القدرة في جموع الشمل، متحديًا انتقاص الأُطر القهرية التي حاولت تفتيت النسيج الاجتماعي. وكانت تلك التجربة درسًا بليغًا في كيفية مواجهة المحاولات الإسقاطية للاستقطاب الإثني والقبلي، فاستقرت أنفاس الحرية على أكتاف من لا يقبلون الانكسار. ولأجل روح تلك اللحظات الصادمة من الماضي، حُفرت ذكرى السلطان سعد في صفحات العزاء حينما اجتاح الدمار قلوب من عرفوا قيمة الكرامة. وفي ذاك اللقاء الذي جمع الحزن بالتصميم، تجسد البحث عن النجاة بعيدًا عن ظلال القهر، إذ سرعان ما تحوَّل إلى رمز صامد ضد موجات التهميش التي كانت تحيكها أيدٍ خفية في أروقة السلطة المركزية.إننا اليوم، وإزاء تلك الوقائع التي نسجت خيوطها على أسطر الزمان، نرتشف مرارة الإحساس الذي يتجسد في صورة الجراح القديمة، ونسمو بفكرنا إلى تساؤلات حضارية جوهرية: ما معنى المواطنة؟ كيف تتشكل الهوية في وجه استنزاف السلطة؟ وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بحرية وهو غريب في وطنه؟في هذه اللحظة الحاسمة، يدعو الشاعر والمفكر إلى رفع الحجاب عن الحقائق المظللة، وإعادة رسم حدود الهوية وفق رؤى جديدة ترتكز على المبادئ السامية والكرامة الإنسانية. إن جدران الظلام التي بنتها النخب المُستعبدَة لن تظل صامدة أمام وابل أسئلة الحريّة والعدالة، التي تقتحم فضاءات الزمان بلا هوادة. إننا ندرك أن الطريق نحو التحرير يتطلب جرأة الفكر وبراعة التعبير؛ فكل كلمة تُقال اليوم تحمل في طياتها نداءً للإنسانية لتعيد اكتشاف قيمها ومبادئها التي تُضيء عتمة الآثار القديمة للسلطة. ولعلما المستقبل هو أن ننقش على جدران القدر عبارات لا يمحوها الزمن، مؤكدين أن الحرية ليست مجرد حلم عابر بل واقع ينبض بالحياة، يتخطى حدود البذلة العسكرية ويتجلّى في أرواح الشعوب الثائرة على الظلم. وبينما يتراقص فجر جديد على آفاق الحرية والكرامة، يبقى السؤال المُخاطب لكل من ينشد النور : هل سنظل صامتين أمام مرارات الماضي، أم أننا سنرتقي بفكرنا ونبني مستقبلًا يُعلي من قيمة الإنسان قبل أن تُبنى السلطة على أول أكوابها؟همس الظنون والجنون .
ليس كذلك همس الجنون هو امتطاء شارع الواقع بالعكس من امدرمان إلى أبيي حيث الحرية بين الإنسان مسيرية ودينكا نوك الحرية هناك حتى بين الابقار في رواحها ومجيئها
الحرية أننا نستمتع بها في أبيات الاناشيد وبين اسطر قصائد المنابر الهاربة مع رياح التصفيق وفي انعتاق الاشواق من سطوة الحقيقة أن الحرية هي سلوك توفر في دخائلنا ولكننا لم نحسن تربيته جيلا بعد جيل فتحول هذا السلوك إلى امنيات في هتافات المتظاهرين وموجات الهجرات إلى بلاد الافرنج عائدا بحرية لا تفرق بين الاباحية العمياء وسلوك مجتمع يكفيك فيه تلك النفاجات المفتوحة بين اسوار البيوت بيتا بيتا والحيشان تفترشها الحسان وانت لا تمدن عينيك الا حرصا لامانة الحرية أن تضيع وتصبح انت عار تشتمك الألسنة و….
الحرية كونها سلوك يعشق الانضباط ألا تتعدى حدود الغير وكذلك هذا الغير ألا يتعدى حدودك وبالمحصلة فهي للفرد والجماعة في المجتمع أن توحد أو تنوع مجموع أفراده
إذن لا احد يمنع أن تمارس سلوك هذه الحرية في العلن وفي السر كما يفعلن حساننا داخل بيوتهن بالجلابية أما وهن خارجات فيتدثرن بالثوب والعباءات ليس خوفا وانما حياءا حتى لا يخدشن الحرية الممنوحة لهن في الخروج من دون رقيب فالحرية تنفر من الرقيب بل تبغضه
وقس. على ذلك في السياسة ضاعت الحرية في صراع الكراسي بين الأحزاب وفي جدلية التناحر من أجل إقصاء الآخر بعيدا عن صناديق الاقتراع إلى حد الاستعانة بالعسكر اي القوة التي تقصم ظهر الحرية حسب منطق تلك الأحزاب التي فعلت ذلك في ثلاث حقب
دعنا نعود ونتحدث عنها وهي تحتاج العدل فلا حرية من دون عدالة ولا عدالة من دونها حيثما غابت شمسها غبنا الا ونحن نهتف بناديها وبنعزم كل يرتاح على ضحكة عيون فيها
أستاذ عادل الشوية،
تحية طيبة، وشكرًا جزيلًا لتفاعلك الثري الذي أثرى النقاش بطبقاتٍ من الواقعية والرمزية معًا. تعليقك يُذكّرنا بأن “الحرية” ليست شعارًا يُرفع فحسب، بل هي نسيج يومي تُحيكه خيوط السلوك الفردي والجماعي، والوعي بالحدود التي تفصل بين الذات والآخر.
أولًا: الحرية كسلوكٍ لا كشعار
اتفق معك تمامًا أن الحرية الحقيقية تُختبر في التفاصيل الصغيرة: في احترام الفضاءات المشتركة، وفي “الحياء” الذي يمنع انتهاك حُرُمات الآخرين لا خوفًا من العقاب، بل التزامًا بقيمٍ داخلية. لفتتك إلى ممارسة النساء للحرية داخل البيوت (بالجلابية) وخارجها (بالعباءات) تطرح سؤالًا عميقًا عن الحرية كاختيار أخلاقي، لا كرد فعلٍ على القمع. هذا يتقاطع مع ما ذكرته في المقال عن التوازن بين التقاليد والتحرر، لكنك تضيف بُعدًا عمليًا: أن الحرية تُبنى من الداخل أولًا.
ثانيًا: أبيي… حيث الحرية تُولد من رحم التعايش
إشارتك إلى أبيي – تلك البوتقة التي تذوب فيها حدود الإثنيات – تذكرنا بأن الحرية لا تُمنح، بل تنبثق من القدرة على التعايش مع الاختلاف. ربما لو استوعبت النخب السياسية هذا الدرس من مجتمعات مثل المسيرية والدينكا، لَما تحولت الحرية إلى “أمنيات في هتافات المتظاهرين”.
ثالثًا: السياسة… حين تصبح الحرية ضحيةً للكراسي
العبور من الحرية الفردية إلى السياسة كان ضروريًا. فكما أن حرية المرأة تُختبر في احتشامها الاختياري، تُختبر حرية الشعوب في قدرتها على رفض استعارة العسكر لقمع بعضها بعضًا. هنا تلامس جوهر الأزمة: أن الأحزاب – بدل أن تكون جسرًا للحرية – حوّلتها إلى ساحة انتقام، ففقدت شرعيتها، وأضاعت العدالة التي هي أساس أي حرية.
رابعًا: السؤال الأكبر… هل نُربي الأجيال على الحرية؟
تساؤلك عن تحوّل الحرية من سلوكٍ إلى أمنيات يُعيدنا إلى دور التربية. لو كانت الحرية تُغرس في الأطفال كاحترام للذات والآخر، لما احتجنا إلى هتافات الثورات. لكن يبدو أننا – كما قلت – أخفقنا في تحويلها إلى ثقافة يومية، فصار الجيل الجديد يبحث عنها في بلاد الافرنج، أو في “الاباحية العمياء” التي تخلط بين التحرر والفوضى.
خاتمة: هل نستحق الحرية؟
تعليقك يدعونا إلى مراجعة جذرية: فربما لا تُسقط الأنظمةُ الحريةَ، بل نحن حين نرفض أن نكون حراسًا لها في صغائر الأمور. أشكرك مجددًا على هذه الإضاءات التي تثري النقاش، وتدفعنا إلى التفكير في الحرية ليس كشعارٍ نُردده، بل كممارسةٍ نعيشها… من أبيي إلى أم درمان، ومن بيوتنا إلى الشوارع.
تحياتي،
شكرا لك وانت تعيدني إلى بحر الثقافة وان كنت لا اجيد السباحة فيه إلا على القيف فالثقافة واهلها عردوا عنا وعنها وهم قد خلعوا جلبابها بارتداء ثوب السياسة المبرقع والمثقوب بحب المصالح الخاصة واشهد انك تعرف معي عددا كبيرا من المثقفين انخرطوا في السياسةواصبحوا. مدمنين لسماع كلمة يا سيادة الوزير ويا سعادتك فانتهوا لا سياسة قبضوا ولا ثقافة /لمت/. بقاياهم
فالثقافة هي نبض الحرية والهوية عمودها الفقري فكيف للحرية أن تكون بلا هوية تكتسب معارفها مما هو في مجتمعها المحيط من لغات ولهجات وتراث حتى من ماكل وومشرب فهل يعقل ان تأكل الخنزير مثلا وانت في مجتمع مسلم إذن الثقافة تولد الوعي بالحرية التي تغذي هوية الانتماء بعيدا عن البندقية والعصبية والتعصب والعنصرية لأن الأفراد والجماعات ينتمون إلى وطن واحد بهوية واحدة فهل استاذي جاهد المثقفون الاوائل والاواخر الجلوس على سجادة الحوار الذي يوصلنا إلى القبض على الهوية لتكون الحرية التي نتمناها فالحوار هو الحياة