شرق السودان فى ظل الاهمال المتعمد 6

شرق السودان فى ظل الاهمال المتعمد 6
اولئك المنسيين فى اطراف طوكر شمالا وجنوبا كثيرين وهذا الحديث عنهم يطول ولكن اذا اخذت جولة داخل المدينة ستحد ان هناك تاريخ تليد فالاطلال تحكى عن ذلك (مبانى المؤسسة والمجلس ورئاسة البوليس والبوستة والنادى الاهلى ومصطبة نميرى كما كنا نسميها والبيطرى ومركز شباب طوكر … الخ ) كثيرة هى هذه الاطلال بالاضافة الى المدارس والمراكز الصحية وغيرها . وعندما تهم بالخروج من طوكر تعرف معنى التهميش وماذا يعنى فهناك منسيين لا اعرف كيف يعيشون وما هو مصدر دخلهم المهم انهم منسيين .
ونحن نتجه شمالا نحو بورتسودان وبعد ان تتخطى الجسر تجد اثار لمجطة ارصاد جوى اعتقد انها كانت تابعة لمصلحة مكافحة الجراد فى السبعينيات كما تشاهد اثار ورشة تابعة لمؤسسة دلتا طوكر الزراعية . وطوال الطريق الى بورتسودان تجد بين حين واخر اعمدة التلفون الذى كان يصل طوكر ببقية المدن السودانية والعالم . شاهدت فى متجر عمنا الراحل المقيم عيسى عبد القادر دليل تلفونات وانا طفل وليتنا فى تلك الايام كنا نمتلك وسائل اتصال حديثة التى توفرت الان لكنت قمت بوثيق ذلك عبر الصور .
ونحن فى طريقنا الى بورتسودان طبعا اول المحطات التى نقابلها الخرصانة لا اعرف من اين جات التسمية ولكن كان هناك برميل يشير الى ترنكتات وما ادراك ما ترنكتات ( ترنكنات ميناء انشائه الانجليز لنقل القطن من طوكر الى مصانع القطن فى كشمير وكان يربط بينها وبين طوكر خط سكة حديد ايضا تم انشائه من اجل هذا الشأن ) بالاضافة الى المعركة المشهورة التى دارت بين الامير عثمان دقنة وقوات الاحتلال وانتصر فيها عليهم . الان المنطقة اصبحت قاحلة لا احد يتذكرها ……
يقول الاستاذ عمر خليل على موسى وهو كاتب فى الشئون البحرية والعسكرية : كان القطن ينقل من طوكر إلي الميناء عبر سكك حديدية خاصة وقطارات صغيرة لمسافة 15كلم فقط ولازالت آثر وجود الخط الحديدي موجودة علي الأرض بين طوكر وموقع ترنكتات. يجب أن نذكر أن مياه نهر بركة قد غيرت كثيرا علي طبيعة الساحل في مصب النهر وما حوله حيث تكثر الجزر الطينية وكذلك تكثر الثروات السمكية لأسماك مصبات الأنهار كالروبيان والإستاكوزا والكبوريا وغيرها وهي ثروة غالية جدا في أسواق الخليج القريبة تنتظر من يستثمرها ، ويلاحظ تدهور مشروع طوكر وبؤس المنطقة واختفاء حضارة كانت مزدهرة قبل 140 عاما …! أهملت الحكومات الوطنية المتعاقبة منطقة طوكر عدا عهد مايو الذي اهتم بالمشروع أكثر من غيره فهل من مغيث؟.المؤسف له حاليا أن مدينة طوكر تختفي وتطمر تدريجيا تحت رمال رياح ( الهبباى )أما ترنكتات التي كانت تمثل قمة الحضارة والنمو الزراعي فهي الآن ذكري في وجدان البعض ولا يعلم عن وجودها التأريخي الكثيرون ولا توجد حتى في خارطة السودان ويوجد بالقرب من ترنكتات مدافن شهداء معركتي (التيب الأولي والثانية ) بين أمير الشرق (دقنة) والقوات المصرية / التركية (1883/1884 علي التوالي) وما زالت علي الساحل القبور المغطاة بالدبلان الأبيض الذي يجدده الأهالي يزين الموقع . طبعا الحديث عن مؤانى البحر الاحمر ايضا يحتاج الى مقالات منفصلة .
هناك محطات كثيرة منسية لم اذكرها وعندما اجد الفرصة ساعود اليها بالتفصيل وعندما نصل الى سيتراب لا تجد سوى راكوبتين او ثلاث تخبرك عن الحال الذى يعيشه هؤلاء المنسين الذين ينتظرون اى عربة قادمة تقف عندهم لشرب الشاى او القهوة ( اتذكر تقريبا كانت هناك شاحنات ولوارى تنقل الاغاثة فى اتجاه الجبال مما يدل ان هناك الكثير من المنسين هناك ) لم تصلهم الحكومات بل وصلتهم فقط منظمات الاغاثة حتى الانظمة حرمتهم من ذلك بعد طرد كل المنظمات لاسباب واهية . ما ينطبق على سيتراب ينطبق ايضا على منطقة اشت والتى يفصل بينهما خور موسمى .
الحال الماساوى الذى يعيشه هؤلاء المنسين تشاهده بام عينك عندما تشاهد اطفال مكانهم مقاعد الدراسة ولكنهم يبيعون ( المساويك والدوم والنبق ) بديلا عن ذلك … لا احد يسال عنهم وعن مصيرهم وكيف يعيشون … كل هذه القصص المأساوية تنطبق على كل ولايات الشرق الثلاث من اقصى شمالها الى اقصى جنوبها فالتهميش المتعمد واضح جدا فى كل انحاء واطراف الولايات الثلاث فعندما تتخطى اشت ستقابل ايرم وفى الطريق الى سواكن ستشاهد الكثير من المآسى
ونواصل
بكرى سوركناب
[email][email protected][/email]