التصنيف العلمي والمعرفي لنظرية الصدمة التحفيزية

حافظ يوسف حمودة
تمثّل هذه الورقة محاولة منهجية لتحديد الموقع العلمي والمعرفي لنظرية “الصدمة التحفيزية” ضمن منظومة العلوم الاجتماعية . فمنذ لحظة ميلادها الأولى ، تميزت هذه النظرية بكونها متعددة المستويات والتخصصات ، مما يستدعي قراءة تركيبية تبيّن جذورها النظرية وإطارها المرجعي . في هذا السياق ، يناقش الباحث موقع النظرية في تقاطعات حيوية بين علم اجتماع التنمية ، وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم التغيير الاجتماعي ، مع تداخلات وظيفية مع علم الاجتماع السياسي .
ولكي يتيسر للقارئ استيعاب الطابع العلمي للنظرية ضمن هذا التصنيف ، نُورد في هذا المقام تعريفها العلمي المختصر :
> “نظرية الصدمة التحفيزية” هي إطار تحليلي لفهم لحظة التحول في المجتمعات المتأخرة تنمويًا ، تنطلق من حدوث صدمة وعي إدراكية جماعية تُحدث اختراقًا معرفيًا يُحرّك دافعية داخلية للتغيير الايجابي ، دون ضرورة لفاعل خارجي مباشر ، مما يجعلها نظرية تفسيرية وسلوكية تنتمي إلى علم اجتماع التنمية وتتقاطع وظيفيًا مع علم النفس الاجتماعي وعلم التغيير الاجتماعي .
ويهدف هذا التصنيف إلى إبراز الطابع الشمولي والمرن للنظرية ، بوصفها أداة تحليلية لفهم التحول المجتمعي انطلاقًا من لحظة إدراكية مفصلية تُحدث صدمة وعي جماعية تُفضي إلى التغيير والتنمية .
أولًا/ موضع النظرية ضمن العلوم الاجتماعية :
تندرج نظرية الصدمة التحفيزية بوجه عام ضمن منظومة العلوم الاجتماعية ، وتحديدًا في تقاطع ثلاثية ديناميكية تجمع بين علم اجتماع التنمية ، وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم التغيير الاجتماعي . وهي نظرية متعددة الأبعاد والمستويات ، لا تقتصر على حقل معرفي واحد، بل تتقاطع مع عدد من التخصصات بشكل وظيفي ومنهجي .
ثانيًا/ المجال الرئيسي للنظرية: علم اجتماع التنمية :
يمكن تصنيف نظرية “الصدمة التحفيزية” أساسًا ضمن علم اجتماع التنمية (Sociology of Development) كفرع رئيسي ، وذلك لأنها تنطلق من محاولة لفهم وتحليل ديناميات التحول الاجتماعي في المجتمعات المتأخرة تنمويًا مع تقديم تفسير جديد لبداية الانطلاق التنموي . على خلاف النظريات الكلاسيكية التي انشغلت بالبنى الاقتصادية أو المؤسسية ، فإن هذه النظرية تُعيد تموضع العامل النفسي-المعرفي كعنصر مفجِّر لعملية التغيير الاجتماعي .
فهي ترى أن نقطة البداية الحقيقية للتنمية ليست التوسع في رأس المال أو إصلاح البنى ، بل في حدوث “صدمة وعي” تدفع الأفراد والمجتمعات إلى إدراك الفجوة المعرفية أو الحضارية مقارنة بالواقع المرجو ، مما يولد دافعية داخلية جماعية للتغيير .
ثالثًا:/ المجال الثانوي– علم النفس الاجتماعي :
في الجانب الثانوي ، ترتبط النظرية بشكل عميق بـ علم النفس الاجتماعي (Social Psychology)، وخاصة في محور “الوعي الجمعي” ، و”الدافعية النفسية” ، و”التحفيز السلوكي الجماعي” . فهي تستخدم مفاهيم من هذا المجال لشرح كيف أن الوعي الناتج عن المقارنة الإدراكية الصادمة يمكن أن يتحول إلى طاقة حركية تدفع المجتمعات نحو التغيير ، دون تدخل مباشر من السلطة أو النظام .
ويمكن القول إن الصدمة التحفيزية تمثل لحظة من لحظات “الاختراق المعرفي” (Epistemic Break) الذي يشبه التحول الإدراكي في نظريات التعلم ، لكنه يحدث على مستوى اجتماعي لا فردي فقط .
رابعًا/ التداخل مع علم اجتماع التغيير الاجتماعي :
تتداخل النظرية بوضوح مع علم اجتماع التغيير الاجتماعي (Sociology of Social Change) ، إذ إنها تقدم تفسيرًا جديدًا لطبيعة التحول الجذري في السلوك الجمعي . فبدلًا من افتراض أن التغيير يحدث عبر التطور التراكمي في البنية أو التشريعات ، فإن النظرية تقترح أن “التحول يبدأ من إدراك داخلي حاد للخلل ، عبر صدمة معرفية، تؤدي إلى قطيعة شعورية مع الواقع ، وتمهد لولادة نماذج جديدة للسلوك والتنظيم المجتمعي” .
وبذلك ، تختلف النظرية عن المفهوم التطوري البطيء في علم التغيير ، وتعتمد على لحظة إدراكية حاسمة يمكن أن تغير سلوك الفرد والمجتمع في فترة وجيزة .
خامسًا/ العلاقة مع علم الاجتماع السياسي :
رغم أن “الصدمة التحفيزية” ليست نظرية سياسية خالصة ، إلا أنها ترتبط جزئيًا بـ علم الاجتماع السياسي (Political Sociology) في تفسير علاقتها بالقوة والدولة والقيادة المجتمعية . فهي ترى أن التحول لا يُنتج بالضرورة من النخبة أو النظام السياسي ، بل قد يُولد من القاعدة المجتمعية نفسها عبر إحساس جماعي متراكم باللاجدوى ، ثم حدوث صدمة وعي بالممكن ، مما يدفع الناس للمطالبة بالتحول السياسي أو الأخلاقي أو الاقتصادي .
وهذا ما يجعلها أداة تحليلية لفهم الانتفاضات والثورات واليقظة المدنية كحالات لصدمة تحفيزية جماعية .
يؤكد التصنيف المعرفي لنظرية الصدمة التحفيزية أنها نظرية متعددة المستويات ، تتجاوز التصنيفات الصلبة ، لكنها تجد في علم اجتماع التنمية إطارها المرجعي الأساسي ، وفي علم النفس الاجتماعي وعلم التغيير الاجتماعي جذورها التفسيرية ما يمنحها ميزة الشمول والمرونة في آن واحد . كما أن حداثتها لا تنبع فقط من جِدة المفهوم بل من قدرتها على مخاطبة الواقع المباشر وتقديم أداة تحليلية وتغييرية في آن واحد .
حافظ يوسف حمودة
مبتكر نظرية الصدمة التحفيزية
كاتب وباحث في علم اجتماع التنمية