أخبار مختارة

فتحي الضو: الطاعون أوجع “صلاح قوش” أكثر من غيره من الكتب لهذه الأسباب

تقديم:

فى أول حوار له بعد إندلاع ثورة ديسمبر العظيمة، فتحى الضو الكاتب والمحلل السياسى صاحب القلم الجرئ المميز، الصحفى الذى بدأ كبيراً رغم صغر سنه، إذ بدأ عمله بالصحافة الكويتية في بداية عقد الثمانينات كأحد كُتاب صحيفة الوطن ثم محرراً بها، كان ضمن الاقلام التى ناهضت نظام المخلوع نميرى حتى سقوطه، غادر الكويت فى 1990 موفوداً من الصحيفة الى القاهرة، ومنها الى إريتريا فى العام 1993 لفتح مكتباً لها يهتم بقضايا القرن الافريقى، وفى إطار ذلك قام بتغطية الحرب الأهلية الصومالية فى منتصف التسعينات والحرب الأثيوبية الإريترية الثانية 1998- 2000 من مواقعها الأمامية وأصدر عنها كتابه (حوار البندقية فى العام 2000)، عايش تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى بأسمرا فكان كتابه (سقوط الاقنعة_ سنوات الامل والخيبة 2006) متفرداً بالتوثيق لهذه التجربة التى أسقطت عمداً من سجلات التاريخ رغم أهميتها.. ولبقية كتبه المناهضة لنظام الانقاذ قصةً وقصة..

حاوره: احسان عبدالعزيز

يلاحظ القارئ المتابع لكتاباتك أنها تتجه نحو الكتابة الاستقصائية في التوثيق الأمني. ألم يصاحبك الخوف على حياتك في السير في هذا الطريق الوعر، خاصة في ظل حكم شمولي مستبد كالنظام المباد؟

ذلك صحيح.. فقد أدركت مبكراً أن الدخول إلى (عش الدبابير) وهي الأجهزة الأمنية للنظام البائد مسألة توجعهم تماماً، خاصة وكما تعلمين أنهم خصصوا ميزانية ضخمة ما يعادل ثلاثة أرباعها للأمن والدفاع. واعتقدوا أن ذلك يكفل لهم الاستمرار في الحكم إلى أبد الآبدين. وهو غرور أجوف بالطبع كشفه السقوط المريع. نعم فالنظام برغم قبضته الباطشة واتخاذه العنف وسيلة للبقاء في السلطة، لكن الهلع والارتباك والانزعاج الذي ساد أروقته جراء الكتب الثلاثة تحديداً فاق أي تصور. لا أخفي عليك أنني أتلقى سيلاً من التهديدات للتخويف، لكنك تعلمين أن الخوف غريزياً يتضاد مع مهنة الصحافة، ولذا يطلق عليها (مهنة المتاعب) فالصحافة التي تخشى الخوف هي الصحافة المدجنة تحت حذاء الأنظمة الديكتاتورية، وقد كانت صحافة (الكيزان) نموذجاً لذلك الانحطاط، وللأسف ما يزال كثير من الزاحفين على بطونهم يتواجدون بيننا ويسودون علينا حياتنا.. ولا أدري إلى متى.

متى بدأت هذا النوع من الكتابة الصحافية؟

حسناً.. الصحافة الاستقصائية قديمة ولكنها لم تكن منتشرة كما بالصورة الحالية. وهو انتشار تلازم طردياً مع التطور التقني لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. والمعروف أن هذا التطور يستلزم الشفافية، وهي نفسها عامود من أعمدة الكتابة الاستقصائية. حيث الوضوح يصبح فرض عين، لا حياد عنه ولا مجال للغموض ولا اللف ولا الدوران، والحقيقة هي الغاية التي ينشدها المستقصي. بالنسبة لي كنت في بداية الأمر وما أزال مهتماً جداً بالتوثيق نظراً لإدراكي إننا مصابين بما اسميه داء (الذاكرة الغربالية) حيث تسقط كثير من الأحداث من خلال ثقوب تلك الذاكرة، الأمر الذي أدى إلى تكرار تجاربنا السياسية بكل ما لازمها من قبح، جعل ثلاثة أنظمة ديكتاتورية تستحوذ على اثنين وخمسين عام من جملة أربعة وستين عام منذ الاستقلال، وثلاثة أنظمة ديمقراطية لم تحظ سوى بنحو عشر سنوات فقط، هذه جريمة نكراء في حق الشعب السوداني.

ذكرت في إحدى مقالاتك المنشورة أن مصدر معلوماتك الأمنية في كتابك الخندق/ دولة الفساد والاستبداد كان صلاح قوش.. دعنا نتساءل ما الذي جعلك تفكر في أن يكون مصدرك، أو قل كيف استطعت ترويضه لهذه المهمة؟

أولاً دعيني أؤمن على أن المعلومات التي وردت في كتاب الخندق مصدرها صلاح قوش، وذلك ما قلته في الكتاب بالضبط. ولكن ليس بالفهم الذي تداعى لأذهان البعض. فأنا لم ألتقيه في حياتي وبالطبع لا يشرفني ذلك، ولكن ثمة طرف ثالث بيننا هو من دخل إلى مخبئه وحصل على هذه المعلومات.. أما كيف فهذا ما لا يستطيع أن يعرفه قوش ولا الجن الأحمر. ومن المؤكد أنني من ناحية أخلاقية لن اكشف عن مصدري هذا، ولا أياً من مصادري. فقط فعلت ذلك بعد انتفاء السبب مع الدكتور حسن الترابي. وقلت أن المعلومات التي نشرت في الخندق عن محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا وتداعياتها كان مصدرها هو. ليس لأنه رحل فحسب ولكن لأنه كشف بعض ما ملكني له في الحلقات التي سجلت معه في قناة الجزيرة الفضائية، ولم تبث إلا بعد موته. لكن بالعودة لصلاح قوش يبقى السؤال لماذا ذكرت ما ذكرت؟ الحقيقة كنت أريد أن يعلم الناس أن المذكور عبارة عن أكذوبة كُبرى، نفخ فيها المعارضون وأهل النظام معاً. فهو عبارة عن بالون متضخم يمكن أن ينفجر بشكة إبرة. ولو علم قوش مصدري سيموت كمداً من سذاجته لأنه أقرب إليه من حبل الوريد. 

لكن هل تعتقد أن لديه مصلحة في أن يكون مصدراً لك أو لآخرين؟

هو بالطبع لم يكن مصدراً مباشراً لي كما ذكرت، ولكنه مصدراً مباشراً للمعلومات التي حصلت عليها From mouth to ear لكن عموماً لا هذا ولا ذاك غريب في سلوكيات البصاصين، فهم يتوهمون دوماً أنهم شركاء لرب العالمين بمنطق القوة المادية التي تحيط بهم، أي يعتقدون أن بإمكانهم أن يقتلوا من يشاءون ويحيوا من يشاءون. كما أن الشكوك تكون دائماً بمثابة السحابة التي تظللهم. أنظري مثلاً اتهام عصبته من أزلام النظام له. فبعد نجاح الثورة بدأوا يشيعون عنه – صدقاً كان أم كذباً – أنه باعهم في اللحظات الأخيرة لاحتضار النظام، وإذا سألتني عن حقيقة ذلك، أقول لك ربما.. ولكن المؤكد عندي أنه فكر في خلاصه الشخصي أكثر من حمايته للنظام، وهذه فرضية يسندها الواقع الراهن.. هكذا هم البصاصون لا أمان لهم، كالماء في الغربال تماماً.

وماذا عن كتابك الآخر المسمى (الطاعون/ اختراق دولة جهاز الأمن والمخابرات في السودان) من ملاحظات نريد للقارئ أن يعرفها؟

هذا هو الكتاب الأخير، وبحسب المعلومات التي وردتني أن هذا الكتاب أوجع قوش شخصياً أكثر من غيره، لأن الاختراق كان رأسياً، فأن تكشف أسماء أكثر من سبعمائة ضابط من الرتب الكبيرة وأن تصل لكلمة السر (الهدهد) في الجهاز، وأن تنشر محاضر اجتماعات بين الجهاز وأجهزة استخباراتية منها السي آي أيه، وكذلك أن تميط اللثام عن كواليس العلاقة مع إسرائيل، فما الذي تبقى من أسرار يتباهى بها الجهاز. أنا أعتقد أنه مثلما قال الخندق للرأي العام أن صلاح قوش محض أكذوبة، فالطاعون قال لهم أن جهاز الأمن والمخابرات مجرد نمر من ورق.

لكن يبدو أن كتاب بيت العنكبوت/ أسرار الجهاز السري للحركة الإسلاموية في السودان وجد صيتاً أكبر فماذا تقول؟

يمكن أن اتفق معك نسبياً، لماذا لأن عموم أهل السودان لديهم حساسية مفرطة حيال القتل والدم، وهي المشاعر التي لم يكترث لها النظام وجعل الدم يسيل مدراراً في كل بقاع السودان. ومن هذه الزاوية كشف كتاب العنكبوت عن الجرائم التي قام بها الأمن الشعبي، ونشرنا اسماء وصور من ارتكبها والوقائع التي حدثت بها، ولم يكن معلوماً لدى الكثيرين أن هناك جهاز يسمى (الأمن الشعبي) أو (أ. ش) كما يختصرونه، وهو الجهاز السري الخاص بالحركة الإسلامية. وهو جهاز غير مرئي في الواقع، وليست له مبانٍ تشير لأنشطته ويشبه الحركة الماسونية إلى حد كبير. وبواسطة المصادر أزحنا الغطاء عن كثير من أسراره بدءاً من مديره المهندس عماد الدين حسين، وأسماء مدراء ما يناهز العشرين دائرة يعملون في الظلام. خلاصة الأمر عندي أن هذا الجهاز اللعين مسؤول عن أي نقطة دم نزلت في أرض السودان طيلة الثلاثين عاماً.

كيف استطاع فتحي الضو الوصول لمصادره تلك، وكيف يوقعها في شباكه.. أحكي لنا؟

لن أقول تلك العبارة التي شاعت أثناء خلافة معاوية بن أبي سفيان القائلة (لله جنود من عسل) لكني أقول لفتحي الضو مصادر من بشر. الحقيقة أن جميع مصادر كتبي لم أسع إليها، بل بصراحة لست مغرماً بأفعال الأجهزة الأمنية، ولكنها كانت معركة مفروضة عليَّ كان ينبغي أن أخوضها في سياق النضال ضد النظام، خاصة وأن الأمن يعتبر إحدى ركائزه الأساسية. وللعلم أن مصادري متعددة لأن البعض يعتقد أنها واحدة. ليت مصدر بيت العنكبوت يكشف عن نفسه ليكرمه الشعب السوداني، لأنه ببساطة ينتمي لهذا الجيل الذي فجر الثورة البهية. غير أنني استطيع أن أقول إجابة على سؤالك عن كيفية استمالة مصادري، ذلك اختصره بكلمتين هما المصداقية والسرية. فقد مضت سنوات على مصادري ولم انبس ببنت شفة، لأنني من ناحية أخلاقية لا أرغب في أن يحدث مكروه لشخص بسببي، والمصداقية تقف عند حدود كتابة ما يملي عليَّ، فقد كان بإمكاني أن استغل ثقة القراء وأكتب ما يحلو لي ضد النظام بدعوى محاربته، ذلك ما يؤكد بأن معركتنا مع تجار الدين من الإسلامويين كانت وما تزال معركة أخلاقية بالدرجة الأولى.

اتصلت بك المحكمة الجنائية بعد صدور كتابك (بيت العنكبوت/ أسرار الجهاز السري للحركة الإسلاموية) لأخذ شهادتك حول الجرائم التي وردت في الكتاب.. كيف كان وقع الطلب عليك، وماذا أضافت لك تجربة المحكمة هذه؟

نعم اعتقد كان ذلك في العام 2017 وعند اتصال المحكمة على الفور لم (أكسل ولم أتبلد) كما قال طرفة بن العبد، فقد سعدت بأن رسالتي سوف تصل إلى من ينبغي أن تصله. الحقيقة تمَّ اللقاء في عاصمة عربية لأن أمريكا لم توقع على ميثاق المحكمة كما أن المحكمة لا تقابل شهودها في دولة المقر كما علمت. الطريف في الأمر كاد كل شيء أن يفسد بعد انتهى اللقاء وملكتهم ما سألوني عنه، حيث طلبوا مني ألا أنشر خبراً عن ذلك خشية منهم على حياتي. فرفضت بدعوى أن النشر يخدم قضية وطني، وفوجئوا بإصراري على النشر وأصبحوا في حيرة من أمرهم. لكن في نهاية الأمر رضخوا بعد أن أكدت لهم بأنني مسؤول عن حياتي، وبالفعل نشرت الخبر، والطريف أيضاً أن المدعية العامة فاتو بن سودة أرسلت لي خطاب شكر.

تسليم الرئيس المخلوع للمحكمة يرتبط بجرائم الحرب في دارفور، بينما هناك جرائم مماثلة في حربه في مناطق أخرى، إضافة لجرائم القمع والاغتيالات والتصفيات وجرائم أخرى كثيرة، كيف ترى ذلك ما بين تسليمه للمحكمة أو محاكمته؟

أولاً من جانبي ما زلت مؤمناً بضرورة تسليم الرئيس المخلوع للمحكمة الجنائية، وذلك لضرورات إنسانية ولانعكاسات سياسية على الوطن، إذ كانت ستعزز من ثقة المجتمع الدولي في ثورة السودان. النتيجة التي جنيناها هذا البؤس الذي نعيشه بعد مضي عام كامل وما زالت محاكمات سدنة النظام تراوح مكانها. بصراحه سؤلك هو السهل الممتنع والذي تتلعثم حكومة الثورة في الإجابة عليه. فهذه مسؤوليتها قبل المحكمة الجنائية.

المصدر صحيفة الديمقراطي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..