أخبار السودان

ملفات الفساد .. من يخفي البينات؟

تقرير: أسماء سليمان

استبشرت البلاد خيراً بعد الثورة، وأحلام التغيير الشاهقة بالقضاء على الفساد المتفشي في البلاد منذ العهد البائد، خاصة وأن السودان حتى العام الماضي لا زال في ذيل قائمة مؤشر الفساد في العالم، حيث يأتي في المرتبة 173 في الدول الأكثر فساداً، ولكن حديث النائب العام مولانا تاج السر الحبر أثناء جلسات المؤتمر الاقتصادي القومي سلل اليأس إلى النفوس، حين أفصح عن صعوبات يواجهها أثناء الحصول على المعلومات من المؤسسات الحكومية بشأن عمليات الفساد، وللسامع لتلك العبارات اتجاهات عدة يذهب إليها عقله، عن ما وراء تلك الصعوبات وأشكالها؟، خاصة وأن الحرب على الفساد شن النظام السابق حملة شرسة عليها أسماها بـ(القطط السمان) ولكن مراقبين نعتوها بأنها كانت تصفية حسابات بين أجنحة داخل الإسلاميين في بعضهم البعض.

* شكوى النائب العام

النائب العام قال: هنالك صعوبة في (إيجاد البينات) في كثير من الملفات، وأضاف: تمت مخاطبة قيادات الدولة للحصول على البينات، ووصلت درجة الحصول عليها بأنفسنا، ولفت إلى أن الحديث عن الفساد يوم واحد لايكفي له، لأنه شمل كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، واتهم النظام البائد بالعمل على خصخصة المؤسسات العامة الناجحة لصالح (متنفذين به) واصفاً الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية بـ(السرطان الذي ينخر في الجسم) داخل مؤسسات والدولة، مبينا أن الأمثلة كثيرة، ولابد من المحافظة على سلامة الاقتصاد السوداني، متسائلاً “والآن ماهو المخرج؟”، ووضع الحبر الحلول في الإسراع في إصلاح عشرة من القوانين ذات الصلة بالفساد، من بينها قانون التعاقدات الحكومية والقانون الجنائي، حتى يتم الإصلاح الجوهري، وشدد على أهمية إنشاء مفوضية الفساد ومفوضية الأراضي، لافتاً إلى حاجة العقود الحكومية (لمراجعة دقيقة).

واقترح النائب العام سن قانون خاص ببنك السودان لمراجعة التصرف في موارد النقد الأجنبي، منوهاً إلى وجود سحوبات كبيرة تصل مبالغها إلى مليارات، وأنه لابد من مراقبتها عبر البنك المركزي.

*فساد الدولة العميقة

وبالسؤال عن كيف لسلطة بثقل النائب العام أن يستعصي عليها الحصول على بينات في ملفات الفساد المستشري، والذي تم إثباته عبر مؤسسات ذات ثقة مثل منظمة الشفافية العالمية، يؤكد الخبير القانوني عادل عبد الغني إن الحديث عن الفساد يعني بالضرورة حديث عن مال عام، ما يعني الحديث عن أموال وإجراءات حكومية، والتي يتم التعامل معها عبر إجراءات حكومية، وهي في طبيعتها إجراءات مستندية، وعليه يجب أن يكون الفساد مثبتاً بالمستندات، ويجب أن يصدر تقرير مراجعة عامة يوضح مكامن الخلل ومواطن الفساد، وفسر عبد العزيز شكوى النائب العام إلى أن وجود الدولة العميقة في النظام السابق، والتي كانت تحكم مؤسساتها وأجهزتها بذات التوجه العقائدي، يجعل وجود صعوبات في مثل هذه الحالات، باعتبار أن الفساد وممارسته كان عبر تطبيق القانون، ما يجعل عدم وجود مخالفة واضحة ورغماً من ذلك يكون هناك ممارسة فاسدة، ومن جهة أخرى أوضح أن تستر الأجهزة على بعضها البعض و كذلك الموظفين يجعل من الصعوبة إثبات جرائم الفساد.

* أشكال الفساد

بشكل عام يكثر الحديث عن حماية خفية يتمتع بها المتورطون في قضايا الفساد، كما حدث في العهد السابق، وملاحقة القطط السمان والتي لم تبارح مكانها، واستمرار الحماية حتى الآن، وهنا يقول الخبير عادل عبد الغني لا توجد ملفات محمية بالقانون، وأكد أن أي ملفات مالية تخضع للمراقبة وإن اختلفت أشكال المراجعة، خاصة وأن الولاية المطلقة على المال العام لوزارة المالية، والمراجعة والتدقيق للمراجع العام، و لكنه كشف عن أنواع من الفساد لايمكن الوصول إليها وهي تتمثل في أخذ العمولات والرشاوى والتي ينتهي دليلها بانتهاء مراسم الاستلام، والتي لا يثبت فيها الدليل الا بـ(كمين )، ونبه الخبير إلى أن الرشاوي والعمولات كانت أكبر مظاهر الفساد في العهد السابق.

وفي المنحى نفسه قطع عبد الغني بعدم وجود أي حماية من أشخاص لمتورطين في قضايا فساد، وأن المشكلة هي انعدام الدليل، باعتبار أنه من الغباء الأخذ مباشرة من خزينة الدولة، وأكد أنها نادرة الحدوث، وأن حدوثها في الأغلب يتبعه جريمة أخرى كالتزوير، وقال إن هذا النوع من الفساد يحدث من الموظفين العاديين، ولا يمكن القول عنه فساد سياسي بالمعنى العام، كاشفاً عن أنواع أخرى للفساد متمثلة في التطبيقات بشأن الأراضي أو التراخيص أو الإعفاءات من الرسوم الحكومية، وهذا ما يسمى بفساد النافذين .

*طريق إلى الفشل

واختتم الخبير حديثه بتوقع فشل النائب العام في الحصول على بينات في ملفات الفساد حال استخدم الطرق التقليدية، وأكد أنه إذا كانت المستدات ستكشف عن وجود فساد كان من السهل الكشف عنه في عهد النظام السابق، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات التي تخضع للمراجعة، وبالمقابل وصف المؤسسات التي لا تخضع للمراجعة أو ترفضها بمظلة الفساد الأكبر، داعياً النائب العام للتركيز عليها، باعتبار أن رفضها للمراجعة يعني بالضرورة خلل غير مرغوب في اكتشافه بحسب تعبيره.

آخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..