مقالات وآراء سياسية

كم مرة احتفلنا بالسلام؟

إسماعيل عبد الله

    ألإحتفاليات المحتفية باتفاقيات السلام المستهدفة تحقيق الأمن والأستقرار في المثلث الملتهب (جنوب كردفان – إقليم دارفور – جنوب النيل الأزرق)، كثيرة وعديدة، أولها نيفاشا وأوسطها أبوجا وآخرها الدوحة جميعها جاءت عبر سباق ماراثوني طويل ومستمر ودائم، وفي كل مرة يرقص المتضررون من ويلات الحروب اللعينة ممنين النفس بالعيش الكريم المنصوصة آياته على صفحات كتيب السلام، فيغتبطون و تنفرج أساريرهم وتشرق وجوههم المحفورة عليها أخاديد جور الزمان وقسوته، ويحلمون بالشتاء الدافيء الذي يقيهم وعائلاتهم صقيع العراء وشح ظلال الرواكيب المشيدة بجوالات البلاستيك الفارغة، وسرعان ما يصطدم هذا المقهور بالحقيقة المرة بعد دخول أصحاب الياقات البيضاء المبشرين بالسلام لحضن الوطن، وعندما تحتدم بينهم معارك كسر عظام (الِرمّة) الممددة على طاولة قسمة السلطة والثروة، فتضيع النسب المئوية الموعود بها هذا المؤمن الصدّيق.

    اليوم الثالث في ألأسبوع الأول من شهر أكتوبر، سيقام الحفل الطروب المدشن لانطلاقة قطار سلام جوبا بحسب التسريبات، هذا المولود المدلل والقادم من رحم حكومة الانتقال الثورية قد راهن عليه الموقعون على وثيقته من الطرفين، وقالوا لنا أن ليس له شبيه من المواليد الخدج الغير مكتملين النمو من السابقين، وترجل زعيم المهمشين ياسر سعيد عرمان قائداً لوفد المقدمة الفاتحة للخرطوم سلماً من جوبا، رغم تغريدات المتشائمين التي عبّروا فيها عن سوء طالعهم  بولوج هذا القائد المخضرم للحكومة الانتقالية من باب دعوى إنصاف ضحايا الحروب في الأطراف البعيدة، وهذه النظرة المتشائمة لها أسبابها المرتبطة بتنازل ياسر لأبن عمه الدكتاتور عن سباق الأنتخابابات الرئاسية، إبّان شراكة السلطة والثروة بين حركته الشعبية الأم والمؤتمر الوطني المحلول، فالسودانيون يتطيرون بصاحب الحظ السيء ولا يتفائلون بمن خزلهم في أوقات الشدة، ثم أن هنالك ثمة رغبة عارمة من جيل شباب الصبّة في إعفاء عواجيز السياسة السودانية من لعب دور محوري مؤثر على مصيرهم.

    ألمجتمعات السودانية شرقها وغربها وشمالها وجنوبها تكن لمناسبات أفراح الزفاف اعتبارات خاصة، تفوق ذلك الاهتمام المتعلق بحفلات الطهور والنجاح الأكاديمي وغيرها من الإحتفائيات السعيدة، وذلك لما للزيجات من صهر للأواصر وبوتقة للعلاقات الأسرية المختلفة والمصطرعة، ففي يوم العرس أو قبله تعقد المصالحات الودية بين أبناء العمومة وبنات عمات الخؤولة، حتى لا تنتقص الفرحة بوجود أحدهم أو إحداهن خارج دائرة الضوء وبهرج الحفل الجميل، فهل تكون مهرجانات وأعياد السلام يوم الغد القريب شاملة وكاملة لا تترك مغبوناً (واحداً) عاف المشاركة واختار البعد؟، أم سوف تنأى خطاها عن بلاد الممانعين و(الزعلانين) الذين لم يجدوا من يربت على اكتافهم أو يحتويهم بسماحة قلب شعبنا الطيب، فما زاد جراح الوطن عوراً إلا إثارة الضغائن في النفوس وإهمال بعض أبناء الوطن لبعضهم الآخر، و إقصاء وإخصاء الأخصب منهم و تهميش واغتيال شخصية من ذاع صيته وهتفت باسمه الجماهير.

    ألمساعد الكبير للدكتاتور احتفل مع جماعته قبل اربعة عشر عاماً بدخول القصر الرئاسي معتمداً على التخويل الدستوري لاتفاق السلام الذي عقد بأبوجا بهدف تحقيق السلم في إقليم دارفور، والدكتور التجاني سيسي أسلمته إتفاقية الدوحة مقاليد حكم الاقليم و احتفى ومعه رهطه بذلك الفتح المبين، تاركاً وراءه بعض من الذين سيشرفون مسرح الإحتفال بالحدث السياسي المنتقل غداً، و ما يزال بعض من كبار الجنرالات و قادة التيارات والمنظمات السياسية والعسكرية ينادون بسلام شامل لا يستبعد ولا يستثني أحد، وضائقة العيش والخبز والرغيف تضرب بسياطها ظهر المواطن الغلبان، فالبلاد تنادي بنيها للالتحام والتماسك و تفويت السوانح للطامعين لكن فلذات كبدها وأبناءها ما يزالون يمارسون الهروب للوراء، تجاهلاً لقضاياها المصيرية التي لا تحل إلا بالتعاضد ونبذ التهميش المبني على أساس الغيرة السياسية والمجايلة والمنافسة غير الشريفة، وهذه التشاكسات لا تخدم سوى عمليات تفريخ الأجسام المضادة للمنظمات العسكرية الوالجة لباب السلام.

    ألمناضل الثوري تظل عذريته مصونة ومعافاة ما لم يتلوث بتولي المنصب العام، بعدها يكون عرضة
لأبتزاز الناخب الذي يطرح الأسئلة المزعجة للمستوزرين، كتلك التي أخرجت والي النيل الأبيض عن طوره فكال السباب لأحد الصبية الجائعين الذي شكا أمامه من ضيق العيش وشظفه، فثمن اعتلاء كرسي وزارة حكومة ثورة ديسمبر لا يجب أن يكون مثل فوضى منظومة الحكم البائد، حينما كانت
تنال المناصب بدموع التماسيح وعويل وبكاء الرجال، حينها كان أحسنهم إتقاناً لكسر ثلوج الطاغية هو الأقرب لنيل الرضا والحظوة، وهو الأكثر جرأة في تخطي رقاب المصلين القانتين ليصل المحراب لا ليصلي بل لكي يعناق الخطيب ويقدم له فروض الطاعة والولاء الأعمى.

    ألرجاء الأوحد لسكان المعسكرات أن يعقب حفل الختام انصراف الحاملين لراية السلام إلى أبو
شوك وكلمة وزمزم، وأن يشرعوا فوراً في وقف المأساة لا أن ينشغلوا بصراعات محاصصات قحت، وأن يعلموا بأن معركة السلام وتحدياته كامنة وسط زحمة هؤلاء الفقراء المتكدسين في مدن بيوت الكرتون، فقد امسوا الكرت الرابح الذي يساوم به الممتطون لقطار المنابر الراعية لإتفاقيات
السلام المتعاقبة، وسبق أن هزم هؤلاء النازحون كل مشروعات السلام التي فشلت في تحقيق الأمن والأستقرار في ربوع هذا المثلث الملتهب.

إسماعيل عبد الله

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ماذا حدث للجنجويدى الصغير ، إسماعيل عبدالله ؟
    غريبه !!!
    لم يقم بالتطبيل للمجرم حميتى هذه المره !!!
    ولم يتبجح بعنصريته المقيتة كالعاده !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..