حتى ننجح..!!

ما من مواطن/ة خرج في مسيرات الغضب المستمرة بكل ولايات السودان، وما من مواطن/ة بقي بمنزله لأسباب خاصة وفاته شرف المشاركة في المسيرات الهادرة، إلا وكان بينه وبين أهل الإنقاذ(تار بايت). فهذه كانت سياسة الإنقاذ منذ انقلابها المشئوم قبل أكثر من 29 عاماً. (الضغط على المواطن والعين الحمرا).
بدأ النظام بسياسة (فرَق تسُد)، وهي السياسة التي سميت بالإحلال والإبدال، فجميع من لا يدينون بالولاء والانتماء للحركة الإسلامية غير مرغوب فيهم، فكان الطرد والإبعاد لأصحاب الكفاءات والخبرات من مواقعهم ومناصبهم التي قدموا فيها الكثير جداً للوطن، ليحل محلهم العاطلون عن الموهبة الخالين من الكفاءة، وهو ما سُمي وقتها بالتمكين، فكانت بداية النهاية لعهد الخدمة المدنية الحقيقية وبداية النهاية لعهد الإنقاذ والإسلام السياسي حتى وإن طال أمدها، وهو ما نراه اليوم في الاحتجاجات المستمرة.
ما قامت به الإنقاذ من تدمير ممنهج وتفكيك لأركان الدولة التي كانت ثابتة وراسخة، تجني ثماره الآن بلفظها الذي نقلته كافة وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات من جميع فئات وكيانات المجتمع السوداني ، وهم من طالتهم يد الإنقاذ الباطشة طيلة السنوات العجاف ومعلوم أنها لم تستثنِ أحداً، فمن لم تمسه عصا الإنقاذ وأحرقته نيرانها، طالته سياستها الرامية للإفقار والتجويع والتشريد.
الآن وقد قالت الجماهير كلمتها، فلن يستطيع أي طوفان إيقافها مهما كانت الآلة القمعية المستخدمة، فإسقاط النظام بكافة السبل السلمية دون إراقة دماء هو مطلب الثوار، ورفض الفوضى وإنتهاج الأساليب الحديثة في طريق التغيير هو الذي تسير به حتى آخر يوم لبقاء النظام.
ولكن يبقى أمام المواطن المطالب بالحق في الحرية والكرامة والخبز، أمر واحد فقط لإنجاح مسعاه، وهو عدم الخوف والركون للإحباط مرة أخرى، وهذا يكون بالسعي بشتى السبل للوحدة وعدم التراجع عن مطالبه، وعدم الاستجابة للإشاعات التي يبرع فيها أهل الإنقاذ وكتائبهم (الإسنادية) وسعيها الدؤوب لزرع الفتنة بين أحزاب المعارضة التي اتحدت وتوحدت وانتظمت معها حركة الشارع والاحتجاجات السلمية والمنظمة.
الوصول للغايات ليس بالأمر السهل وطالما كانت غاية الشعب الحرية والانعتاق من القهر والحكم الشمولي فحتماً سينال غايته وإن تطلب بعض الوقت. وكما قالوا: (أن تأتِ متأخراً خير من أن لا تأتي).
حجم الدمار الذي لحق بالدولة وبالمجتمع يحتاج لمحاكم قضائية عادلة وعاجلة، والقصاص ببتر يد كل من تلوثت يده بالمال العام وتسبب في تدهور الاقتصاد هو أول مطالب ما بعد التغيير، وقبل ذلك العمل وفق رؤية واضحة وواحدة أساسها الرغبة الحقيقية في التغيير وليس البحث عن موقع أو سند كما يفعل أهل الإسلام السياسي هذه الأيام ممن تأكدوا من غرق سفينة الإنقاذ وباتوا يتساقطون منها كصفق الشجر بحثاً عن طوق نجاة يصل بهم ليابسة التغيير التي باتوا يرونها قريبة.
عدم الاستجابة لإشاعات الضلال والتضليل التي تبثها أجهزة النظام يعتبر أحد انجح وأنجع طرق الوصول للغاية الكبرى، فما فشلت فيه الحكومة لثلاثين عاماً لن تصلحه تبريرات ولا تصريحات مسؤول فاقد للمسؤولية، ولا وزير فاقد للمعرفة والوعي بمسؤولياته، ولا عراب سابق، فاقد للرشد السياسي، ومقاطعة كافة تصريحات وخطابات أجهزة النظام بات ضرورة، بل فرض عين، فبوار السلعة يبدأ بمقاطعتها، وهو ما نحتاجه اليوم.
الجريدة