الدمشقي الحالم .. مراهق في الأربعين

حسام منصور يمارس طقوسا خاصة في الحب، فهو لا يشبه بعض عشاق اللحظة انما الحب عنده قرار ومبدأ يتجاوز المعنى التقليدي له.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: د. علي حسون لعيبي

ان قلت له لا .. التهمني ** وأعتقني ان قلت له آمين

الوجدانيات في الشعر لها وقع مباشر على المتلقي سواء كان فرحًا أم حزنًا لأنها تمثل الحالات الانسانية بشكل عام فهي تحمل الضجر والمرح، الحركة والسكون، مدياتها واسعة رحبة ومنها نرى بعض ملامح الحياة الانسانية بنسب معينة لكن في النهاية هي مؤثره.

والشاعر السوري حسام منصور ذلك الدمشقي الحالم ينقلنا لتلك العوالم بنسق موسيقي مذهل وافكار تحمل في طياتها ذلك الحب الذي عاشه ورسمه لهذه الحبيبة التي تعيش في وجدانه التي يرى فيها المرأة الجميلة والتي تمنحه السعادة والمتعة.

كل هذا نراه في ديوانه الموسوم “مراهق في الاربعين” والذي كتب مقدمة له الصحفي عماد نداف قائلا: “فاجأني حسام منصور, بجرأته على الوقوف شاعرا أمام القراء, فلم يتواضع, وعلى سحنته ووسامته جرأة نزار قباني وعنفوان المتنبي وملامح فرسوسة أبو فراس الحمداني في الأسر”.

وفي الاهداء المميز في زمن المحنة السورية حيث وجهه الى كل القلوب التي تنبض حبا في زمن الحقد والكراهية. سوريا الوجع الذي ظهر في سنواتها الاخيرة لكن كعادة السوريين في حب الحياة، ينشد ذلك الحسام بصوت كله شجن في أولى قصائده شوكيات:

هززت الورد لأشم عطره

واذا بالشوك من تحته ينتبه

قلت ما بك يا ورد أفزعتني

قال سيفي وورقي غمده

من اراد قطعي غرورا جرحته

ومن أرادني للحببيب أنا له

تلك مناجاة زهور الحقول لجلاسها فيها محكاة درامية مسببة، في من ينال الورد كرمز للحب، ويستمر شاعرنا في تللك المساحة التي يتكلم فيها الورد قائلا :

قلت يا ورد للحبيب أردتك

فحال شوكك بيني وبينه

قال خذني برفق ولا تخف

واشدو لشوكي غزلا فانه

يحنو على كل العاشقين

علامات الجمال تفيض من قلبه، وهو الذي تجاوز الاربعين ويصر أن لا تتحرك سنوات عمره التي عبر عنها في قصديته “مراهق في الاربعين”:

بلغت الأربعين من عمري

ودق بابي جهل الاربعين

جهل مخالبه على عنقي

وأنيابه تذبح كالسكين

ان قلت له لا .. التهمني

وأعتقني ان قلت له آمين

وهو الكريم الذي حلت عليه حبيبته، ففي قصيدة ضيفة شرف صور حضورها المميز من خلال تسلل قصصي جميل، ووصف لذات جمالها ولحظة الوصل:

طرقت بابي يوما

وبصوت شجي قالت

افتح ..!!

فتحت الباب مسرعا ..

واذا بجميلة باسقة بالنور تنضح

فأرخى على الصمت سدوله

حتى بدأ صوتها يصدح

لكن يبدو أنه كان يحلم فعادت إليه يقظته، قفال:

واذا بزلزال يقض مضجعي

ويقول لي استيقظ

عندها تذكرت فهذا الصوت أعرفه..

قالت ما بالك يا رجل

وأنت طول الليل للوسادة تمسح

فتناسيت ما أصابني بالحلم وما جرى

واخترعت قصة أخرى

وبدأت لها أشرح

يمارس طقوسا خاصة في الحب فهو لا يشبه بعض عشاق اللحظة انما هو عنده الحب قرار ومبدأ، فهو تجاوز للمعنى التقليدي له. هو يصف أنواع الحب الجاري لكن في النهاية له طقسه الذي لا يمل ولا يقهر:

طقوس الحب غريبة في بلادنا

ولها أشكال وألوان

فهناك حبي ملكي .. ولونه احمر

وحب مدني .. ولونه وردي

وحب بدوي .. ولونه صحرواي

أما أنا .. فلاح بحبي لا أخجل

هو يخط بأسلوب متفرد جديد كما هو يؤمن ويعتقد أسلوبا فيه سلاسة، وقبول لما يحمله من موسيقى حين تقرأ أو تسمع.

وينتقل بنا هذا العاشق صوب مدينته الحلم دمشق عبق التاريخ. هناك حب آخر لا يشبه أي حب، فتلك الشام لها طعم خاص. فمن يتذوق ماء الفيجه، سيعود اليه مرة أخرى. ومن يرتقي القاسيون يرى دمشق بلون اخضر وانوار ساحرة تشبه مدن السماء التي تحتضن كل من يؤمن بقيمها. ففيها تغنى وأنشد:

سأنتظر حتى يعود الفجر ويعود الندى

ويعاود الوقت يقاتل بسيفه ضوء القمر ليبقى

سأنتظر الحب ليسكن جميع القلوب.. الثكلى

دمشق يا سيدتي لم تتغير؟

فما زال ثدياها يطعمان جائعي الأرض

لكننا نحن البشر من تغيرنا! وما عدنا نشبع

أبدلنا حليب دمشق بدماء أبنائها

فعار علينا إن لم تبق دمشق دمشقا

وعار علينا أن نفقد رجولتنا وننسى دمشق

وعار علينا الهروب من وجه دمشق

وعار علينا إن لم نقف بوجه التتار

وعار علينا أن لا نكون بنو دمشق

لأن دمشق باختصار شرفنا .. عرضنا .. ناموسنا

هكذا يرى كما يرى الدمشقيون شامهم حين يجعلوها فوق كل الميول والاتجهات، فلا حب يعلو عليها، ولا عشق يصل ذروته بدونها.

وهكذا يبقى حسام منصور الشاب الذي يتخطى قواعد السنين، ويصر على أنه ما زال مراهقا في الاربعين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..